منوعات اقتصادية

كيف أثبتت السياسة النفطية السعودية نجاعتها في دعم استقرار السوق وتحييد المنافسين؟

في وقت تتعرض فيه سياسة السعودية النفطية للانتقاد بين الحين والآخر بداعي تأثيرها على تماسك أسعار الخام حول مستويات مرتفعة مما يصعب من أوضاع الاقتصاد العالمي في ظل موجة التضخم ، تظهر تحركات أسعار الخام بالآونة الأخيرة المزيد من المرونة فيما بدا أنه علامة على نجاعة واضحة لتلك السياسة في تحريك الأسعار وفقا لمعطيات العرض والطلب.
وتتحرك الأسعار هبوطا وصعودا منذ مطلع العام إلا إنها تسجل بالوقت الحالي هبوطا بنحو 1.7% ولكن مؤشرات ارتفاع متوقع بالطلب تجعل أسعار الخام تتماسك حول مستويات 80 دولارا للبرميل.
وتتضرر بعض الاقتصادات الكبرى من ارتفاع أسعار الخام مع وصول معدلات التضخم لمستويات تاريخية مما يجعل من سياسة السعودية النفطية وحلفائها من كبار المنتجين داخل أوبك وخارجها تحت النقد المستمر. ورغم محاولات حثيثة لإملاء توجهات السياسة النفطية السعودية من خلال دفع الرياض نحو زيادة المعروض لخفض الأسعار، إلا أن تمسك السعودية بتلك السياسات بدا أنه ركن ركين في مشهد مستقر لأسواق النفط بالوقت الحالي. ويقول محللون إن استقرار أسعار الخام بالآونة الأخيرة يأتي على ضوء التزام غير مسبوق من كل المنتجين داخل أوبك بضبط التوازن بين العرض والطلب والذي لطالما أتى في قلب معطيات السياسة النفطية السعودية مما سمح بترسيخ أساسيات قوية لأسواق النفط.
التزام تام:- وفي وقت تظهر أسعار الخام مرونة وفقا لمعطيات السوق، يواصل المنتجون داخل أوبك وخارجها الالتزام بمعطيات خفض الإنتاج بما يدعم الأسعار ويحقق التوازن بالسوق في نفس الوقت، إذ تشير نتائج مسح لرويترز وحسابات لـ «أرقام» إلى بلوغ معدل التزام المنتجين داخل أوبك نحو 160٪ من سقف التخفيضات الطوعية المقررة سلفا. وتخطت نسبة التزام السعودية، أكبر منتج للنفط بالعالم، حاجز 100٪ بنهاية ديسمبر الماضي وفقا لمعطيات أوبك وحسابات لـ»أرقام» إذ انتجت السعودية في ديسمبر الماضي 10.45 مليون برميل ما يعني أنها خفضت أكثر من حصتها المقررة والمقدرة بنحو 526 ألف برميل. ويقول ريتشارد جون، محلل أسواق النفط لدى «أسبيكت إنرجي» إن تمسك السعودية بالتزام المنتجين داخل أوبك وخارجها بمستويات الإنتاج المحددة سلفا سمح بتوازن قوى العرض والطلب داخل السوق مع الوضع في الاعتبار أن السعودية صاحبة القسط الأكبر من التخفيضات التي وافق عليها منتجو النفط». وتشير بيانات ريفنتيف إلى بلوغ حجم إنتاج النفط داخل أوبك بنهاية الشهر الماضي نحو 24.6 مليون برميل يوميا فيما بلغ حجم الإنتاج نحو 29 مليون برميل يوميا مع احتساب النفط الإيراني والفنزويلي والليبي وهي الدول التي لا يوجد لديها التزام بخفض الإنتاج. ويتابع جون «التزام السعودية بحجم التخفيضات المقررة وعدم الرضوخ للضغوط الخارجية انعكس بالإيجاب على تماسك الأسعار».
دفة أوبك+:- واتساقا مع سياسة السعودية النفطية الرامية لضبط التوازن داخل أسواق النفط العالمية فإن كبار المنتجين خارج أوبك التزموا على نحو شبه تام بمستويات خفض الإنتاج التي أقرت اعتبارا من نوفمبر تشرين الثاني الماضي لضبط التوازن بين العرض والطلب بالسوق.
وأعلنت «أوبك+» في أواخر أكتوبر الماضي خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا ابتداءً من نوفمبر مقارنة بالإنتاج المطلوب في أغسطس وهو أكبر خفض منذ بداية وباء كورونا. وتشير بيانات «فاكت ست» إلى أن حجم الإنتاج الروسي ثابت حول مستويات أغسطس الماضي عند 10.64 مليون برميل يوميا ليكون حول مستويات الخفض المقرر علما بأن هناك عقوبات المكررة على النفط الروسي جراء الحرب الأوكرانية. ويقول ريتشارد جون، محلل أسواق النفط لدى «أسبيكت إنرجي» لـ «أرقام» إن السياسة النفطية السعودية سمحت بإحداث التوازن داخل السوق وتعويض غياب جزء من النفط الروسي عن الأسواق العالمية جراء العقوبات المفروضة عليها. ىويتابع: «لقد لبت السعودية كامل النقص داخل السوق ونجحت في كسب زبائن جدد في أوروبا على وقع الحرب الروسية الأوكرانية».
الحصة السوقية:- ورغم الخفض الكبير الذي تضطلع به السعودية في إطار دورها لضبط بوصلة أسواق النفط العالمية فإن الحصة السوقية للسعودية في اتجاه صاعد مع التركيز على كسب زبائن جدد في ظل التغيرات التي تشهدها أسواق النفط العالمية. ويقول محلل أسواق النفط لدى «ستاندرد أند بورز بلاتس»، بيتر شين، لـ لـ»أرقام» إن سياسة السعودية النفطية الحالية تقدم المصالح النفطية السعودية على أي اعتبارات أخرى ولكن بما يضمن أيضا الحفاظ على استقرار السوق من خلال كسب المزيد من الحصة السوقية مع العمل أيضا على توازن قوى العرض والطلب بالسوق. ويضيف شين «لاحظنا التطور الذي تشهده السياسة النفطية السعودية على مدار السنوات القليلة الماضية. الحصة السوقية والزبائن الجدد وأيضا استقرار السوق. هناك خط رفيع بين زيادة حصتها بالسوق والحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية». ويشير مسح للصادرات الشهرية للنفط السعودي منذ مطلع 2021 إلى بلوغ أحجام الخام المصدرة يوميا إلى نحو 7.5 مليون برميل يوميا مسجلا أعلى مستوى له في 24 شهرا رغم أن حصة السعودية من التخفيضات هي الأكبر بين كبار المنتجين بالتساوي مع روسيا. وفي تلك الأثناء تبرز أنشطة المصب كأحدى الركائز الجديدة للسياسة النفطية السعودية مع قفزة في حجم الصادرات النفطية المكررة وتوجه صريح نحو التركيز على قطاع البتروكيماويات من خلال بناء معامل تكرير عملاقة وفتح أسواق خارجية جديدة فيما بدا أن تحول نحو سلاسل القيمة المضافة لتعظيم العائد. ويقول محلل أسواق النفط لدى «موديز للأبحاث»، أتول جوبتا، لـ»أرقام» إن السياسة النفطية السعودية تشهد تحولا جذريا مع التوجه نحو التركيز على أنشطة المصب بهدف تعظيم العائد من برميل النفط وتحقيق أكبر استفادة مادية منه بما يسهم في دعم الموازنة السعودية وتحقيق الوفورات المالية اللازمة لنهضة الاقتصاد. ويشير مسح إلى قفزة في نواتج الخام المكررة من مستويات بلغت 1.7 مليون برميل من النفط المكافئ في 2009 إلى نحو 2.7 مليون برميل يوميا بنهاية العام الماضي بزيادة تقدر بنحو مليون برميل، بحسب بيانات المبادرة المشتركة للإحصاءات الشهرية للنفط «جودي». ويضيف جوبتا: «المتابع أيضا لمشهد القطاع النفطي في السعودية سيدرك التركيز على صادرات المنتجات المكررة مع ارتفاعات مطردة منذ مطلع 2016، وهو العام الذي شهد تحولا جذريا في السياسة النفطية السعودية مع التركيز على كسب زبائن جدد للمنتجات المكررة خصوصا في الأسواق الآسيوية». وتشير نتائج مسح اعتماداً على بيانات «جودي»، إلى ارتفاع مطرد في حجم صادرات المنتجات النفطية المكررة منذ مطلع العقد الماضي، وبالتحديد منذ 2016، إذ بلغ حجم تلك الصادرات نحو 1.6 مليون برميل من النفط المكافئ يوميا مقارنة مع أقل 500 ألف برميل نفط مكافئ يوميا في مطلع 2010. وفي علامة لا تخطئها العين على نجاعة السياسة النفطية السعودية، فإن قدرة الرياض على إقصاء المنافسين من كبار منتجي النفط الصخري بالولايات المتحدة ربما أكبر من أي وقت مضى. وتشير بيانات صادرة عن معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي (IEEF)، إلى تراجع أنشطة شركات النفط الصخري الأمريكي إلى أقل مستوياتها في نحو عقد من الزمان مع تراجع حاد في أعداد حفارات التنقيب في مناطق التشكيلات الرئيسية للنفط الصخري بالولايات المتحدة. ففي منطقة «باكن» بولاية نورث داكوتا التي كانت يوما ما رمزا لصناعة النفط الصخري بالولايات المتحدة، تشير بيانات هيئة معلومات الطاقة الأميركية إلى انحسار أعداد حفارات النفط إلى 39 منصة مقارنة مع 200 منصة قبل 10 أعوام من الآن كانت فيها تلك المنطقة تزخر بالزخم والحركة على مدار ساعات اليوم لنقل النفط إلى منصات التكرير.

 

ويقول محلل أسواق النفط لدى «كبلر»، همايون فلكشاهي لـ»أرقام»: «شركات النفط الصخري تشهد تراجعاً في أنشطتها على نحو حاد رغم ارتفاع أسعار النفط. كان للسياسة النفطية السعودية دور كبير في تهميش تلك الشركات فما يتحمله منتج كبير بحجم السعودية من بيئة منخفضة لأسعار النفط لا يتحمله الآخرون والحديث هنا عن شركات النفط الأميركية».

 

وفي زمن الجائحة، تسبب الهبوط الحاد في أسعار الخام بخسائر حادة لشركات النفط الأمريكية، إذ تخطت مصروفات تلك الشركات إيراداتها في المطلق رغم الخفض الكبير في الإنفاق ما تسبب في نزيف حاد بالسيولة.

 

وتشير بيانات «ريستاد إنرجي» إلى أن سعر التعادل لشركات النفط الصخري، وهو سعر برميل النفط الذي يكون عنده استخراج النفط ذا جدوى اقتصادية يصل إلى نحو 72 دولارا فيما يبلغ سعر التعادل لاستخراج برميل النفط السعودي نحو 20 دولارا فقط.

 

ويتابع فلكشاهي: «ارتفاع مطرد في تكاليف الاستخراج والعمليات يضع مستقبل تلك الشركات على المحك. لقد لعبت السياسة النفطية السعودية دورا هاما في تحجيم تلك الشركات».

 

تكلفة منصة التنقيب عن النفط الصخري

العام

تكلفة المنصة بالألف دولار

2018

17

2019

20

2020

22

2021

16

2022

29

المصدر: «إنفرس إنتيليجينس»

 

قيد البحث والتدقيق

 

السياسة النفطية للمملكة دائما قيد البحث والتدقيق من قبل المؤسسات البحثية الدولية، إذ تشير دراسة بحثية صادرة عن معهد «أوكسفورد إنرجي» إلى أن السياسة النفطية للسعودية لطالما اتسمت بالمرونة بما يضمن اتزان السوق ويحقق مصالحها في نفس الوقت إذ لعبت دور «المنتج المتأرجح» في أوقات الصدمات التي مرت بها أسواق النفط منذ سبعينيات القرن الماضي.

 

ويعرف المنتج المتأرجح في علم الاقتصاد بالمنتج الذي يوجد لديه موارد كبيرة من سلعة ما يمكنه من التدخل في السوق لضبط التوازن بين العرض والطلب سواء عن طريق خفض الإنتاج أو زيادته.

 

وتقول الدراسة إن «الركائز الأساسية للسياسة النفطية السعودية تقوم على إحداث التوازن الذي يحتاجه السوق بما يحمي مصالحها ويعظم من عوائد النفط».

 

فيما أشار تحليل لصحيفة «واشنطن بوست» تحت عنوان «السعودية أولا» إلى أن توجهات السياسة النفطية للمملكة بالوقت الحالي تضع مصلحتها في المقام الأول ما يضمن الاستدامة المالية واستشهدت الصحيفة بتصريحات سابقة لوزير النفط الأمير «عبد العزيز بن سلمان» في أكتوبر من العام الماضي قال فيها ردا على تساؤلات حول مسار السياسة النفطية السعودية: «لا ننحاز لطرف بعينه. نعمل من أجل مصلحة السعودية والشعب السعودي».

 

المصادر: أرقام- أوبك- جودي – واشنطن بوست – إنفرس إنتيليجينس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى