اقتصاد دولي

تونس تستعد لإطلاق قانون صرف جديد لمسايرة الاقتصاد العالمي

ينتظر الفاعلون الاقتصاديون والمستثمرون في تونس، وخصوصاً أصحاب الشركات الناشئة إطلاق قانون الصرف الجديد المطلوب بشدة من طرف كل المعنيين بالشأن الاقتصادي والاستثماري الخاص للحاجة الماسة والملحة إلى قانون صرف يواكب التحولات والتطورات التكنولوجية ويقطع مع قانون قديم متكلس وصفه المتخصصون «بالمتخلف».
ومنذ سنوات عدة يطالب أصحاب الشركات الخاصة المقيمة داخل تونس أو خارجها السلطات النقدية وفي مقدمتها البنك المركزي التونسي بضرورة تنقيح جذري على قانون الصرف في البلاد لكي يكون مواكباً لما يجري على الساحة المالية العالمية من تحولات عميقة خصوصاً في مستوى التحويلات المالية.
وبعد ضغوط كبيرة ومتكررة من الفاعلين الاقتصاديين في تونس مع توصية «ملحة» من صندوق النقد الدولي بوجوب إقرار تحوير على قانون الصرف التونسي، تحركت عجلة الإصلاح بانطلاق المشاورات بصفة رسمية بخصوص مشروع مجلة الصرف الجديدة (قوانين الصرف).
اقتناع:- تحت إشراف رئيسة الحكومة نجلاء بودن انطلقت مطلع هذا الأسبوع بصفة رسمية المشاورات حول مشروع مجلة الصرف الجديدة التي تهدف إلى «تنقيح منظومة الصرف وإقرار مبدأ مواصلة الإصلاح والتحرير التدريجي وصولاً إلى مرحلة التحرير الكلي للعلاقات المالية مع الخارج مع المحافظة على التوازنات الاقتصادية الكلية للبلاد.
وأجمع المسؤولون الحكوميون ضمن فعاليات ورشة فنية جمعت ممثلي الوزارات المعنية والبنك المركزي على أهمية مشروع المجلة (القانون) في ظل استجابته لمتطلبات المرحلة .
ويندرج مشروع المجلة في إطار تحسين مناخ الأعمال و العمل على مواكبة تشريع الصرف للتطور، الذي شهدته مختلف التشريعات الوطنية الأخرى والتشريعات الدولية واستجابة لمتطلبات الأفراد والمؤسسات في المجال وتبسيط الإجراءات بما يمكن من رفع العوائق العملية، التي تواجه المؤسسة التونسية في علاقتها المالية والتجارية مع الخارج.
تبسيط الإجراءات:- على رغم التحفظ الكبير حول فحوى ومضمون مجلة الصرف الجديدة التي هي بصدد وضع اللمسات الأخيرة عليها، فإن الخطوط العريضة وفق ما تحصلت عليه «اندبندنت عربية» من معلومات في هذا الشأن تبرز أن قانون الصرف الجديد، من المفروض أن يتم الانتهاء منه خلال العام الحالي. ويتضمن قانون الصرف الجديد حزمة من التوجهات تتعلق أساساً بالإسهام في تحسين مناخ الأعمال لحفز المبادرة واقتحام الأسواق الخارجية، خصوصاً تجاوز العوائق التي تجابهها المؤسسات وقطاع الأعمال في ما يخص المعاملات بالعملة الأجنبية، وذلك من خلال تجسيم الإصلاحات العملية التي تمت دراستها ضمن مجالس مناخ الأعمال.
وستشمل هذه الإصلاحات خصوصاً مراجعة الآجال وتبسيط الإجراءات المتعلقة بفتح الحسابات بالعملة الأجنبية بالنسبة إلى المستثمرين والسماح وفق شروط الوسطاء المرخص لهم المقيمين باعتمادهم كضامن للبنوك الأجنبية وللفروع المفتوحة في الخارج بما يسمح بتنفيذ التمويل المطلوب من قبل المؤسسات المتعاملة مع الأسواق الخارجية.
وستسمح الإجراءات الجديدة بتحرير التحويلات المالية العائدة بعنوان التخلي عن الطلبيات وإرجاع السلع في حالة عدم استكمال عمليات التصدير وإلغاء رصيد تحويلات مالية جراء خطأ أو عدم توفر في الحساب البنكي أو إشكال في عملية الدفع الإلكتروني.
كما سيتم العمل على إقرار حوافز لفائدة المستثمرين قصد إيداع مدخرات وإيراداتهم لدى البنوك التونسية، وكذلك استقطاب القطاع غير المنظم نحو مسالك التمويل الرسمية.
وسيتضمن الإطار التشريعي الجديد للصرف أيضاً تشجيعات لفائدة البنوك من أجل استقطاب موارد الادخار والتحويلات بالعملة وفق شروط تفاضلية موحدة.
تحرير متدرج للدينار:- وتشمل التعديلات أيضاً وفقاً لتصريحات إعلامية لمحافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي قال خلالها، إن «قانون الصرف الجديد سيسمح بشكل تدريجي بالتحرير الكلي للدينار التونسي»، مؤكداً «أن القانون الجديد لن يفضي حتماً إلى فتح أرصدة بالعملة الأجنبية لكل التونسيين». ولم يفصح العباسي عن تفاصيل مكتفياً بتقديم بعض التوجهات العامة وقال إنه تم الانتهاء من صياغته وإحالته إلى رئاسة الحكومة لإبداء الرأي فيه.
قانون بلغ مرحلة «الشيخوخة»:- يمثل قانون الصرف الحالي الذي يعود تاريخ إصداره إلى عام 1976 حاجزاً أمام سلاسة حركة الأموال والتحويلات الخاصة بالمستثمرين أو الباعثين الشبان، فضلاً عن وضع عقبات أمام مجاراته للتطورات والمستجدات. وعلى امتداد أكثر من اربعة عقود نقحت السلطات المالية التونسية قانون الصرف في مناسبة واحدة سنة 1993، بينما كانت سوق الصرف الموازية تحتل مساحات واسعة في الاقتصاد، مستفيدة من التضييقيات التي يفترض أن يستهدفها القانون الجديد. وقال المتخصص في الشأن الاقتصادي، خالد النوري، إن «الهدف من إصدار قانون صرف جديد، هو تحسين الواجهة الاقتصادية والمالية للبلاد التي تعاني من أزمات غير مسبوقة». وزير الاقتصاد التونسي: منظومة الدعم «فاشلة» من جهته قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي، إن «قانون الصرف الحالي وصل إلى مرحلة الشيخوخة، وأصبح يعطي مفعولاً عكسياً وأصبح معوقاً للصرف، بسبب منع أغلب التحويلات المالية، بما في ذلك تحويلات التصدير التي تحتاج إلى تراخيص مسبقة من البنك المركزي التونسي إلى جانب منع مسك الأفراد لحسابات بالعملة الصعبة»، مضيفاً أن «القانون الجديد سيرفع العراقيل أمام الشركات الناشئة وجيل من المستثمرين يتطلع إلى الاندماج الشامل في الاقتصاد الجديد الذي لا يعترف بالحدود والحواجز»، متابعاً أن
«حديث محافظ البنك المركزي التونسي عن قانون صرف جديد هو إقرار ضمني بعدم جدوى السياسة النقدية الحالية». وأشار الشكندالي إلى أن «السياسة النقدية المعتمدة برفع نسبة الفائدة الرئيسة هي سياسة غير مجدية في محاربة التضخم المالي المتأتي من تراجع قيمة الدينار التونسي» قائلاً «أي سياسة الصرف المعتمدة، بالتالي هو إقرار بضرورة تغيير سياسة الصرف لتكون في مجابهة التضخم المالي وارتفاع الأسعار».
مرونة أكبر في التصرف المالي:- ومن جانبه دعا رئيس مجلس الأعمال التونسي الأفريقي، أنسي الجزيري، إلى التسريع بإصدار قانون الصرف الجديد لتجاوز العوائق التي يضعها القانون الحالي امام المستثمرين وتسهيل عملية تمركز الشركات الليبية في تونس، مقترحاً إصدار مرسوم للتعامل بالعملة الصعبة في انتظار تفعيل قانون الصرف الجديد. وشدد على أن «إصدار مرسوم سيمكن من تيسير المعاملات المالية لليبيين في تونس من خلال فتح حساب بنكي للعملة الصعبة ومرونة أكبر في التصرف المالي في ظل تحسن المبادلات التجارية بين البلدين»
وجوب توفر رصيد من النقد الأجنبي:- وفي الجانب نفسه قال المحلل المالي، بسام النيفر، إن «القانون الجديد من المفروض أن يضفي إلى تحرير الدينار التونسي»، مستدركاً «لكن الأمر سيهم الشركات وليس الأفراد». وتابع أن «القانون الجديد يرمي إلى تحسين مناخ الاستثمار وإزالة جملة من العوائق في مجال الاستثمار الذي ظلت فيه تونس متأخرة مقارنة مع وجهات الاستثمار الأخرى في البحر الأبيض المتوسط».
وأقر النيفر أن «مجلة الصرف التونسية الحالية لم تعد مواكبة للتطورات وأن قانون الصرف الجديد سيسمح بإجراء العمليات المالية بطريقة مرنة وسلسة بالمقارنة مع الإجراءات المعقدة السابقة»، مؤكداً على أنه «سيعطي ثقة أكبر للمستثمر الأجنبي القائم في البلاد، خصوصاً عند تحويل أمواله الى الخارج وإزالة المخاوف المحيطة بإخراج العملة».

ولفت إلى أن «شروط نحاج القانون هي أن يكون لتونس مخزون مهم من النقد الأجنبي الذي اعتبره أمراً مهماً»، قائلاً «لا يمكن لتونس اتخاذ هذه الخطوة في ظل ضعف للنقد الأجنبي وإن هذه العملية يمكن أن تخلق نوعاً من الضغوط لمدة قصيرة يمكن تجاوزها عند كسب ثقة المستثمرين».

وأشار النيفر إلى أنه «مع تطبيق قانون الصرف الجديد ودخوله حيز التنفيذ، سيسهل التعامل من طرف المصارف التونسية وتفادي الصعوبات السابقة، خصوصاً على مستوى إخراج أرباح الأموال إلى الخارج»، مضيفاً أنه «سيتطلب أيضاً توفر نظم معلوماتية متطورة لتفعيل قانون الصرف الجديد».

بشكل إجمالي دخلت تونس بفضل الإصلاحات الاقتصادية والمالية المزمع تنفيذها منعرجاً مهماً وحاسماً للمرور إلى مرحلة اقتصادية أخرى تقطع مع ممارسات إدارية وقانونية أضحت بالية، لكن الأمر الضروري يظل في حسن تطبيق القوانين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى