مقالات اقتصادية

هل يخلف وقف اتفاق الحبوب أزمات اقتصادية في أفريقيا؟

كتب أسامة صالح

شهدت أسعار القمح ارتفاعاً منذ إعلان روسيا انسحابها من اتفاقية البحر الأسود لتصدير الحبوب الأوكرانية، وارتفع سعر الطن إلى 288.9 دولار في تعاملات مطلع الأسبوع الجاري.
ضمنت الاتفاقية في وقت سابق التصدير الأمن للحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود أي من دون استهدافه بالقصف الروسي، وكان الاتفاق وقع بين روسيا وأوكرانيا بوساطة الأمم المتحدة، لتفادي أزمة الغذاء العالمية التي تفاقمت منذ بدء الحرب، ثم مددت ثلاث مرات قبل أن تعلق روسيا العمل بها.
وبررت قرارها بعدم احترام شروط الاتفاق وأهمه عدم تزويد الدول الفقيرة بالحبوب وتصديره للدول عالية ومتوسطة الدخل، وبعد أن سحبت روسيا ضماناتها الأمنية لعمليات الشحن عبر البحر الأسود من الموانئ الأوكرانية، اشتعلت الأسعار منذرة بأزمة غذائية لدى البلدان الفقيرة الموردة للقمح الأوكراني، وتأتي البلدان الأفريقية على رأس قائمة هذه الدول، إذ يستورد 25 بلداً بالقارة السمراء أكثر من ثلث حاجاته من الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
ورد القرار قبل أيام قليلة من القمة الروسية- الأفريقية الثانية التي ستعقد بين يومي الخميس والجمعة المقبلين في سان بطرسبرغ، ولمحت روسيا إلى قدرتها على تعويض الصادرات الأوكرانية وتغطية حاجات البلدان الأفريقية الموردة للقمح الأكراني وذلك على لسان رئيسها.

وصرح بوتين قائلاً “بلادنا قادرة على استبدال الحبوب الأوكرانية تجارياً بل مجاناً، بخاصة أننا نتوقع مرة أخرى حصاداً قياسياً هذا العام” متعهداً بتوفير الحبوب للدول الأفريقية التي لا تستطيع الحصول عليها من أوكرانيا. وعلل انسحابه من الاتفاق بعدم تمكن دول أفريقية تواجه صعوبات مالية من توريد الحبوب الأوكرانية، إذ لم تتحصل سوى على ثلاثة في المئة من القمح الأوكراني.
وخص بالذكر، إثيوبيا والسودان والصومال، وعاد ليشير إلى تزويد روسيا أفريقيا بالحبوب، إذ بلغت الكميات التي أرسلتها 11.5 مليون طن عام 2022، و10 ملايين طن إلى حدود يونيو الماضي.
واختلف خبراء تحدثوا إلى “اندبندنت عربية” حول مدى تداعيات القرار والوعود الروسية على التوازنات الاقتصادية والأمن الغذائي لبعض البلدان الأفريقية الموردة للحبوب من أوكرانيا.

وبالعودة إلى القمة الروسية الأفريقية الثانية، ستنعقد في الفترة الممتدة بين 26 و29 يوليو (تموز) الجاري في سان بطرسبورغ، وقد دعت إليها روسيا 54 دولة أفريقية، وينتظم خلالها المنتدى الاقتصادي الروسي الأفريقي اليوم الخميس، إذ سيتناول بالنقاش مجال الاقتصاد والتجارة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة النووية والفضاء، ويذكر أن أوكرانيا وروسيا تزودان القارة الأفريقية بأكثر من 40 في المئة من حاجاتها من القمح وفق البنك الأفريقي للتنمية.
وتسببت الحرب في نقص في الغذاء قدر بـ30 مليون طن بالقارة السمراء كما أدت إلى تضخم سعر المواد الغذائية بنسبة 40 في المئة، واقترن اندلاع الحرب بموجة جفاف تسببت في نقص كبير في التزود بالغذاء، إذ انخفضت المحاصيل بنسبة 25 في المئة، وتراجع الإنتاج بنسبة 37 في المئة، ما تحول إلى أزمة غذاء وهدد بعض الدول بالمجاعة، كما ارتفعت تكاليف تسديد واردات المواد الغذائية نتيجة لارتفاع أسعار القمح بالسوق العالمية.
أسواق القمح الروسي
حذرت منظمات أممية من مجاعات بسبب اعتماد عدد كبير من الدول على الحبوب الروسية والأوكرانية، ونبه برنامج الأغذية العالمي من إمكانية حدوث مجاعات في بوركينا فاسو ومالي، إذ يعاني 45 مليون شخص من مستويات متفاوتة من الجوع، وقد زاد ارتفاع أسعار المواد الغذائية من حالات الجوع وسوء التغذية في غرب أفريقيا، ورجحت المنظمة أن يفتقر 48 مليون شخص إلى الغذاء بين شهري يونيو وأغسطس (آب) 2023 مع توسع رقعة الجوع.
ارتفعت فواتير استيراد المواد الغذائية بسبب انخفاض قيمة العملات في عدد من البلدان الأفريقية، كما تفاقم التضخم، في وقت تعتمد المنطقة على صافي الواردات من الحبوب، وزادت المخاوف بخصوص الحصول على الغذاء مع انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.
واستبعد المحلل ووزير الاقتصاد الموريتاني السابق محمد ولد العابد خضوع الدول الأفريقية المستوردة للحبوب الأوكرانية والروسية لظروف استثنائية بعد القرار الروسي .
واعتبر أن الأوضاع لن تكون أكثر سوءاً من الفترات التي تلت الحرب مباشرة بتوقف الصادرات آنذاك والصدمة التي أحدثتها، وسيظل التأثير محدوداً بحكم لجوء البلدان الموردة للحبوب الروسية – الأوكرانية إلى أسواق جديدة إضافية بعد اندلاع النزاع منذ أكثر من عام.
تقلص حجم الإنتاج الأوكراني للحبوب إلى النصف منذ بداية الحرب بالتالي البلدان التي كانت مرتبطة بوارداتها تقلص عددها وحجم مشترياتها نتيجة تناقص التصدير، وقد اتخذت عديد من الدول الأفريقية الإجراءات اللازمة للحد من تبعيتها للتوريد من البحر الأسود رغم أن البحث عن أسواق جديدة سيكون مكلفاً بزيادة النفقات المترتبة عن استيراد القمح من أسواق بديلة بخاصة بعد إيقاف الاتفاقية المذكورة.

وأشار ولد العابد إلى الدول الأكثر تأثراً وهي المغرب، ليبيا، تونس، مصر، جيبوتي، الكاميرون وموريتانيا.
في حين رأى المحلل أبو القاسم إبراهيم أن تبادل العقوبات بين الغرب وروسيا سيؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار الغذاء وضغوط تضخمية للدول الأفريقية والأوروبية على حد السواء، ما سيؤدي إلى تفاقم الإشكاليات التي تعانيها عديد من بلدان القارة الأفريقية بحكم اعتمادها على التوريد من هذه المنطقة، على أن تستفيد روسيا من هذه الأوضاع بالحصول على أسواق جديدة وهي مقبلة على عقد قمة أفريقية من شأنها أن تخول لها توسيع مساحة تدخلها اقتصادياً بمنطقة جنوب الصحراء وشمال أفريقيا.
ويندرج القرار الروسي ضمن الضغوط الممارسة على الاقتصادات المنافسة ويظل التدخل لسد الفجوة الغذائية في شمال وغرب أفريقيا إحدى السبل إلى ذلك، أما الآثار السلبية فلن تقتصر على دول أفريقيا الفقيرة والمتوسطة الدخل بل سيطال الجميع وفق إبراهيم.
بينما نبه المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد الناير إلى التطور الملحوظ في أسعار القمح وما سيترتب عنه من ارتفاع فواتير الغذاء ببلدان أفريقية تشكو التضخم وتراجع قيمة العملة، في حين تتفاوت التداعيات على دول القارة بحسب الوضعية الاقتصادية والمالية للحكومات.
لكنه عاد ليشير إلى الحاجة الماسة لاستثمارات ضخمة في مجال زراعة الحبوب بعدد من البلدان الأفريقية وبخاصة منها السودان بحكم المساحات المتوفرة فيه، بهدف تعزيز قدرات الاقتصادات المحلية على تحمل الصدمات ومنح الأولوية للحلول المحلية وطويلة الأجل لإنتاج الغذاء والتخفيف من نسبة التبعية وأخطار الجوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى