اقتصاد كويتي

محمد الصقر:  «وطننا في خطر شديد».. و تحقيق الإصلاح الحقيقي بتوحيد الصفوف

أكد أمام عمومية الغرفة أمس عجز الدولة وقطاعها العام عن توفير فرص عمل للقادمين الجدد الى سوق العمل

أكد رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت محمد جاسم الصقر، ان مسيرة الدول تشهد أحداث تشكل منعطفات مفصلية، لها آثار بعيدة المدى في كيانها وتاريخها، ولها انعكاسات عميقة التأثير في اتجاهاتها وتحولاتها ومستقبلها، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الكويت تمر اليوم بمنعطف مفصلي خطير لا يمكنها اجتيازه بسلاسة وسلامة، إلا بتمسك الدولة بركائزها، والاهتداء بقيمها وعقيدتها، واعتصامها بدستورها ومؤسساتها الدستورية وفي طليعتها أسرة الحكم ومجلس الأمة واستقلال القضاء، دون غضب يدفعها الى البحث عن مخارج خلفية منزلقه، ودون يأس يجرها للنكوص الى الوراء.

 وأضاف الصقر في كلمته أمام الاجتماع التاسع والخمسون للهيئة العامة لغرفة تجارة وصناعة الكويت، الذي عقد صباح أمس في مقر الغرفة، أن مستقبل الكويت وأجيالها يقوم على نجاحنا بتصميم وتنفيذ نموذج تنموي يقوم على القطاع الخاص من جهة، وعلى سياسات مالية تهدف الى تنمية الثروة واستدامتها من جهة أخرى، وإن تهربنا من هذا الاستحقاق قد أدى الى زيادة تكاليفه الاجتماعية والمالية والسياسية، والى تغذية الاحتقان والتأزيم في ثلاثية «الحكم والديموقراطية والتنمية» في الكويت. 

وأكد الصقر، انه باستثناء كارثة الغزو، فإن خيبة الأمل التي تعيشها الكويت حاليا، هي الأشد مرارة، والأعمق غورا، والأكثر قهرا، ذلك أن سقوط الصخرة هذه المرة جاء سريعا صادما، وجاء في أجواء محلية تكاد تخنقها نفاثات التجرؤ على القانون، تحت لافتة «الأوامر العليا»، ونفاثات الاجتراء على السلطات الثلاث تحت شعار «حرية الرأي»، وتفريغ مقاعد القيادات الادارية دون أسباب واضحة تحت مسمى «الاصلاح»، كما جاء السقوط هذه المرة في خضم تحولات إقليمية ودولية تعيد رسم حدود الدول، وتوزيع المصالح، وتشكيل التحالفات، بحيث لا يبقى لمن فاتهم القطار، إلا التحسر في محطات الانتظار. 

وتابع الصقر يقول: أعرف أن ما أقوله مؤلم، موجع، ومحبط..وتعلمون– بالمقابل –أنه توصيف صادق لا تنقصه اللباقه للمشهد السياسي الحالي في وطننا الكويت، وهو مشهد أمهد به لحديثي، ولكني لن أتوسع في الحديث عنه، لأن الكويت كلها ليس لها حديث سواه، ولأني أريد أن أستغل وقفتي هذه لأحدثكم عن المشهد الاقتصادي، الذي جرى – كالعادة – تناسيه أو نسيانه بفعل الهيمنة المطلقة للشأن السياسي، علما بأن المشهد الاقتصادي لا يقل أهمية عن المشهد السياسي، وقد يفوقه إيلاما وقهرا واحباطا. وأضاف: كلمتي هذه لن تتناول «المشكلة الاقتصادية نفسها»، ولن تتناول الإصلاح الاقتصادي ذاته، لأن هذه المهمة قد أنجزت منذ سنوات، ومن خلال فيض من الدراسات واللجان والتوصيات، التي سجلت إجماعا أو ما يقارب الإجماع حول تشخيص المشكلة وتحليلها، وحول سياسات الإصلاح وآلياته وشروطه وتكلفته. 

وبالتالي، فإن محور ما تبقى لي من وقت في التحدث إليكم، هو التذكير – من خلال وقفات سريعة ثلاث – بالارتباط الوثيق بين المستقبل والقطاع الخاص، والعواصف الرملية الحاجبة للرؤية، التي يعمل هذا القطاع في أجوائها. أولا- مع بداية انتاج النفط – وتواكلا عليه – اختارت الكويت نموذج التنمية المعتمدة على رأسمالية الدولة وهيمنة قطاعها العام. 

ومن الإنصاف القول إن هذا الاختيار كان له ما يبرره في ذلك الوقت، غير أن المأزق الاقتصادي الكويتي بدأ يتشكل مع استمراء الدولة لهذا النموذج التنموي، واستمرارها في تعزيز نهجه، رغم التغير الجذري في كافة الظروف والمعطيات التي بررت الأخذ به في البداية، وزاد من خطورة هذا الانحراف الشديد المديد عن دور الدولة الاقتصادي في الدول الديموقراطية، أن الكويت تبنت سياسات مالية منحازة بشكل مطلق الى توزيع الثروة بدل تنميتها، وإلى المغالاة في رفاهية الحاضر على حساب الاستدامة والمستقبل، ومن هنا انتشرت ثقافة الاعتماد على الريع السهل بكل تجلياتها الاقتصادية والمجتمعية والسياسية، والمتمثلة بصورة رئيسية في ترهل الادارة العامة وعدم كفاءتها وضعف انتاجيتها، وفي ارتفاع تكلفة الخدمات الصحية والتعليمية وانخفاض مستواها، وفي عجز الميزانية العامة وهشاشة بنيتها، فضلا عن ضعف الشفافية والمساءلة، وتوسع وتعمق البيئة الحاضنة للفساد. 

وأكد الصقر أنه نتيجة هذا كله، أصبحت الدولة وقطاعها العام عاجزين عن توفير فرص عمل مجزية ومنتجة ومستدامة للقادمين الجدد الى سوق العمل، الذين يقدر عددهم بأكثر من 100 مواطن خلال السنوات الأربع القادمة، كما أصبح القطاع الخاص عاجزا عن منافسة الدولة وقطاعها العام في اجتذاب هؤلاء المواطنين. علما أن نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص بالكويت تكاد تصل الى 14% من اجمالي قوة العمل الوطنية، بينما وصل متوسط هذه النسبة في العالم كله الى 67%، وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى 80%، أما الصين فقد أدى انفتاحها على القطاع الخاص الى انخفاض نسبة العاملين في القطاع العام من 78% في نهاية ثمانينات القرن الماضي الى أقل من 27% عام 2010. 

 ثانيا- رغم هذه الأهمية المركزية والمستقبلية للقطاع الخاص ودوره التنموي في الكويت، نلاحظ – بمزيج من الأسف والغضب والاستغراب – أن هذا القطاع بكل أنشطته ومؤسساته وأشخاصه يتعرض لحملة ظالمة لا تنال من كفاءته ودوره وجدواه فحسب، بل تشكك في تاريخه ووطنيته ومصداقيته أيضا، وتطلق هذه الحملة ادعاءات عارية من الصحة، لا سند لها ولا مستند، يغذيها حقد لا داعي له إلا فشل أصحابه، وتوجيه جاهل، وتمويل مجهول، أو هكذا نفضل أن نقول، ورغم ما تسببه هذه الحملة لنا من ألم، ما كانت لتثير اهتمامنا لولا ما نجده لها من صدى لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولولا ما تحظى به من بيئة حاضنة لدى بعض قيادات السلطتين. 

وإذا كانت السلطة التنفيذية تقف موقفا مواربا من القطاع الخاص فترفع شعارات دعمه والثقة به وتعمل بعكسها، فإن العديد من السادة أعضاء مجلس الأمة لا يفتقدون الوضوح في اعلان ارتيابهم بالقطاع الخاص، ولا ينكرون مساعيهم للحد من دوره التنموي، علما بأن غرفة تجارة وصناعة الكويت تعتز بأن يكون بين أعضائها أكثر من نصف أعضاء مجلس الأمة في معظم دوراته إن لم يكن كلها، ومنذ المجلس التأسيسي حتى اليوم، كما أن أعدادا كبيرة من موظفي الحكومة والقطاع العام يمارسون العمل التجاري من خلال شركاء أو وكلاء، وأكثر منهم من يمت بقرابة ونسب الى تجار وعائلات تجارية، وإذا نسي المفترون على القطاع الخاص كل ذلك، كيف يمكنهم أن يتناسوا دور تجار الكويت في تأسيس دولتها الحديثة، ورفع قواعد مؤسساتها الدستورية، بدعم ومشاركة ومباركة الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم رحمه الله؟ وكيف يتناسون دور تجار الكويت في الالتزام بالعمل الخيري، منذ كانت بهم خصاصة حتى اليوم؟ وكيف يغفل هؤلاء عن أن رسول الله محمد بن عبدالله قد زاول العمل التجاري؟ وأن الكثير من أهل بيته وصحابته كانوا تجارا، وقد سخروا كل ثرواتهم لدعم الاسلام ونشره؟ وكيف يتناسون أن الله سبحانه قد أحل التجارة وحرم الربا، وأن رسوله الكريم قد بين أن تسعة أعشار الرزق في التجارة؟ وكيف ينسى هؤلاء أن الكويتيين لم يقيموا مجتمعهم ودولتهم على هذه الأرض المغسولة بأشعة الشمس إلا بسبب موقعها التجاري العبقري! وأن «السفينة»، رمز التجارة والتجار، هي جزء أساسي من شعار الكويت. 

ومضى الصقر يقول أنه يكفي لنتعرف على دور التجار، وتجار منطقتنا العربية الخليجية على وجه الخصوص في نشر الاسلام أن نقول إن عدد المسلمين في البلاد التي دخلها الاسلام سلما بواسطة التجار وتجارتهم وأخلاقهم وحسن تعاملهم، يبلغ أربعة أضعاف السكان المسلمين في كافة الأقطار التي دخلها الاسلام فتحا. وأوضح الصقر أنه لا يدعو أبدا الى الحد من حرية الرأي، ولكننا ندعو الى معاقبة الكذب والافتراء والعمل على إضعاف الوحدة الوطنية، ونحن لا ندعي أبدا أنه ليس بين التجار خاطئون ومخطئون، ولا ندافع عن أي من هؤلاء إذا ثبتت ادانته، ولكننا نتساءل باستغراب: لماذا ينسحب خطأ التاجر على كل «التجار»؟ بينما تبقى خطيئة غيره من الشرائح الاجتماعية والمهنية الأخرى منحصرة بشخص المخطئ نفسه؟ ولماذا يعتبر التاجر مدانا حتى تثبت براءته، ويعتبر غيره من المتهمين أبرياء الى أن تثبت ادانتهم، وكيف نعمل على تحسين بيئة الأعمال اجتذابا للمستثمر الأجنبي، ونجعل بيئة الأعمال للمستثمر الوطني مسورة بالشك والريبة، مسممة بالحقد والكراهية، حتى ارتفاع الأسعار الذي شمل كل دول العالم دون استثناء، والذي يعرف الصغير والكبير أنه نتاج أزمة كورونا وتداعياتها، ونتاج زيادة تكاليف الانتاج والنقل، وانقطاع خطوط الامداد.. حتى هذا الارتفاع أصبح في الكويت ينسب بكل إصرار الى جشع التجار وطمعهم واحتكاراتهم. 

وزاد: إن رغبة الدولة بتعزيز دور القطاع الخاص يجب ألا تبقى لافتة بلا مضمون، بل ينبغي على الحكومة أن تترجم هذه الرغبة من خلال برامج ومشاريع وفق أطر وجداول زمنية محددة، بعيدا عن العبارات الانشائية، وفي كل الأحوال، يجب أن تبقى معالجة أي اختلافات أو نزاعات بين أجهزة الدولة ومؤسسات القطاع الخاص، في إطار القانون، ومن خلال مؤسساته واجراءاته. فلا ينزل العقاب بالتاجر أو المقاول وتبرأ ساحة الموظف العام الشريك في ذات الاتهام، ولا تطبق العقوبة قبل الادانة، ولا تطبق العقوبة بأسلوب مهين. ثالثا- في نهاية عام 2020، وتنبيها الى دلالات وانعكاسات تخفيض تصنيف الكويت الائتماني، وتحت عنوان «إن وطننا في خطر»، نشرت الغرفة مذكرة جاء في سياقها «إننا في غرفة تجارة وصناعة الكويت نعرف ونحذر من أن الكويت تتجه نحو أزمة بنيوية عامة، شاملة، ونافذة الى صميم كافة أنشطة الدولة والمجتمع بلا استثناء.. وندعو الى وقفة تستوعب التغيرات الشاملة والعميقة محليا وعالميا، تقنيا وسياسيا واقتصاديا، ونوقن بأن هذه التغيرات تفرض – بالضرورة – تغيرا بذات العمق والشمول، يؤكد حتمية الحوكمة والمساءلة، ويعيد النظر في مفاهيم العدل والرفاه والكفاءة، ويوازن بين حقوق الأجيال، أما الاستمرار في الرهبة أو التهرب من استحقاق التغيير التدريجي الهادئ، فسيؤدي الى أن يفرض الاصلاح نفسه بطريقة خاطئة وخطيرة»

. وأضاف أنه منذ اليوم التالي لنشر هذه المذكرة وحتى اليوم، والغرفة والقطاع الخاص، الذي تتشرف بتمثيله، يدفعان ثمن جرأتهما في قول الحق وكسر احتكار الوطنية، وها نحن اليوم نقول ثانية، وبكل قناعة وصراحة وصدق، «إن وطننا في خطر.. وإن وطننا في خطر شديد»، وعندما يكون الوطن في خطر شديد ليس من حقنا أن نسكت..وما كنا لنقول هذا كله لولا ثقتنا بقدرة الكويت على تحقيق اصلاح حقيقي إذا توحدت الصفوف. وما كنا لنقول هذا كله لولا خوفنا من أن سكوتنا عن الحق سيجعل أهل الباطل يعتقدون أنهم على حق. وما كنا لنقول هذا كله، لولا أخذنا بحكمة الخليفة الإمام علي بن أبي طالب «إن الحياد في مواقف الصدق لا ينصر الباطل ولكنه يخذل الحق”. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى