اقتصاد خليجي

لماذا تستقر معدلات التضخم في السعودية؟

بعد استقرار بمعدلات التضخم في السعودية لشهرين متتالين، خلال مارس (آذار) ثم أبريل (نيسان) الماضيين، عند 2.7 في المئة، كشفت الهيئة العامة للإحصاء اليوم الخميس عن ارتفاع بسيط في مؤشر التضخم بنسبة 0.1 في المئة خلال شهر مايو (أيار) الماضي ليبلغ المعدل 2.8 في المئة.

يأتي هذا الارتفاع على أساس شهري مما يدل على استقرار المعدلات في مستوى طبيعي يتراوح بين اثنين وأربعة في المئة، إذ شهد المؤشر منذ فبراير (شباط) الماضي انخفاضاً بعدما سجل حينها ثلاثة في المئة، بينما بلغت ذروته خلال عام في يناير (كانون الثاني) 2023.

يرى اقتصاديون تحدثوا إلى “اندبندنت عربية” أن استقرار مؤشرات التضخم في السعودية عند المستويات الطبيعية بخلاف اقتصادات عدد من الدول التي تأثرت بالتداعيات السلبية للوباء ثم الحرب الروسية، يعود للإجراءات والتدابير الحكومية التي اتخذتها الرياض منذ عام 2020 لتفادي الآثار السلبية لتلك الأزمة، مما انعكس بشكل إيجابي على الأداء وأسهم في متانة الاقتصاد.

قال المحلل الاقتصادي محمد بن فريحان إن “الرياض بدأت منذ وقت باكر، وتحديداً عام 2016، في معالجة كثير من التعاملات الاقتصادية بهدف تحسين البيئة الاقتصادية المحلية، كما عززت تقلص اعتمادها على النفط كمورد رئيس للبلاد، ووضعت عدداً من البرامج الرامية إلى تنويع الاقتصاد بعيداً منه”، مضيفاً “اليوم بدأنا نلمس الأثر الإيجابي لتلك الخطط والبرامج والتي أصبحت تسهم بشكل كبير في الناتج المحلي”.

وأضاف بن فريحان “مع بداية الأزمة الاقتصادية عام 2020 فرضت الحكومة عدداً من الإجراءات الاحترازية”، واصفاً ذلك بـ”التدخل السريع الذي حمى الاقتصاد السعودي من التداعيات السلبية لجائحة كورونا في العالم”.

وأشار إلى أن “هذا الأداء انعكس بشكل إيجابي، وهذا ما نلاحظه في عدد من المؤشرات ومن بينها معدلات التضخم التي ظلت عند النسب الطبيعية، مما يعني عدم التأثر بالأزمة الجيوسياسية في أوروبا”.

 شح السيولة

وأوضح بن فريحان أن “ثبات معدلات التضخم في السعودية عند النسب الطبيعية خلال 12 شهراً منذ مطلع مايو 2022 إلى الآن يأتي في وقت تشهد اقتصادات عدد من الدول الكبرى ارتفاعات كبيرة بمعدلات التضخم نتجت من تضخم أسعار السلع عالمياً”.

وحول أسعار الفائدة قال إن “البنوك المركزية في دول العالم انتهجت سياسة التشديد النقدي برفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم”، مضيفاً أن “محاولات كبح التضخم المرتفع تسببت في حدوث إشكال اقتصادي آخر يعانيه الاقتصاد في الوقت الحالي ويتمثل في شح السيولة”، مؤكداً أن هناك نوعاً من التباطؤ في عمليات الطلب عالمياً مما أدى إلى نوع من الركود العالمي.

تراجع عالمي

وأشار بن فريحان إلى أن الركود الاقتصادي الذي أصاب عدداً من الدول أسهم بشكل كبير في خفض التضخم لديها، موضحاً أنه “في أميركا وصلت معدلات التضخم قبل 11 شهراً إلى مستويات قياسية وفوق تسعة في المئة، ومع رفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة لعدة مرات متتالية بدأ في الانخفاض ليهبط معدل التضخم الثلاثاء الماضي إلى أربعة في المئة، ليكون في النطاق الطبيعي، مما دفع البنك المركزي الأميركي إلى تثبيت سعر الفائدة”، لافتاً إلى أن ذلك يعد أول مؤشر إيجابي يلمح إلى بدء مرحلة التعافي الاقتصادي العالمي.

وأكد أن “بدء انخفاض مؤشرات التضخم عالمياً سيدفع باتجاه خفض أسعار الفائدة مما يسمح بسريان التدفقات المالية في الأسواق وينهي حال الركود الحالية في العالم”.

اقتصادات الفصول

بالعودة لمؤشر التضخم السعودي، الذي شهد ارتفاعاً بسيط خلال مايو الماضي، يرى المحلل الاقتصادي أن التضخم محلياً لم يتأثر بالمؤشرات العالمية، بل إن قوة الاقتصاد السعودي والخطط التي أطلقتها البلاد من خلال توجيه السيولة لدعم المشاريع الاقتصادية محلياً، إضافة إلى الإجراءات المتخذة منذ سنوات لتحسين البيئة الاقتصادية المحلية، كان لها أثر إيجابي في حفاظ السعودية على معدلات طبيعية للتضخم.

ارتفاع في السكن والطاقة

وبالعودة لتقرير الهيئة الصادر اليوم، فقد أشارت فيه إلى أن ارتفاع مؤشر التضخم على أساس شهري بعد ثبات خلال شهري مارس وأبريل الماضيين، يعود لارتفاع أسعار السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 8.4 في المئة، وأسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 0.9 في المئة.

وعلى أساس سنوي ارتفع المؤشر بما يقارب 0.5 في المئة، إذ كان في مايو من عام 2022 عند 2.2 في المئة.

 وبحسب الهيئة فإن أسعار الإيجارات كانت هي العامل الرئيس في زيادة معدلات التضخم خلال الشهر الماضي، إذ ارتفعت أسعار الإيجارات للمساكن بمعدل 9.9 في المئة، وتحديداً أسعار إيجارات الشقق السكنية، بعد أن ارتفعت بنسبة 23.7 في المئة مقارنة بشهر مايو 2022.

وفي السياق ذاته، وصف الاقتصادي صلاح الشلهوب التضخم بالأزمة المعقدة التي لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد بوجه العموم، مضيفاً أنه “لا يمكن وصف هذا الارتفاع البسيط في المعدل خلال الشهر الماضي بالإشكال، فهو لا يزال ضمن النطاق الطبيعي”.

وأرجع ذلك إلى سلسلة التدابير والإجراءات التي سارعت البلاد إلى اتخاذها لمواجهة الارتفاع في معدلات التضخم، قائلاً إن “تلك التدابير والإجراءات كان لها الأثر الإيجابي في استقرار معدلات التضخم محلياً والذي لم يتجاوز المعدل الطبيعي خلال الأشهر الماضية، ولم يتأثر بالارتفاعات العالمية”.

زيادات في أقسام أخرى

ولم تتوقف الزيادة في سلة السلع والخدمات التي تقاس بها معدلات التضخم في البلاد والمكونة من 490 عنصراً على عنصري السكن والوقود وحسب، بل شملت بحسب البيان التفصيلي لمؤشر أسعار المستهلك عن شهر مايو الماضي والذي اطلعت عليه “اندبندنت عربية”، ارتفاع قسم الأغذية والمشروبات بمعدل 0.1 في المئة على أساس شهري، كما ارتفع قسم النقل بمعدل 0.5 في المئة وكذلك قسم الترفيه والثقافة بمعدل 0.5 في المئة وقسم الصحة بمعدل 0.1 في المئة.

وفي المقابل أشار البيان إلى انخفاض في أقسام أخرى أبرزها قسما الإثاث وتجهيز المنازل، والذي انخفض بمعدل 0.1 في المئة على أساس شهري، وكذلك قطاع الاتصالات الذي سجل نسبة (0.2-) في المئة، وكذلك المطاعم والفنادق التي انخفضت هي الأخرى بمعدل (0.3-) في المئة مقارنة بأبريل الماضي، بينما لم تطرأ أية تغييرات في قطاع خدمات التعليم أو منتجات التبغ بحسب البيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى