مختارات اقتصادية

لماذا يتراجع المعروض النقدي في الولايات المتحدة لأول مرة في 74 عامًا؟

يشهد المعروض النقدي في الولايات المتحدة حالة انكماش للمرة الأولى منذ عام 1949، مع السياسة النقدية المتشددة للاحتياطي الفيدرالي وتراجع ودائع البنوك.

 

ويثير التراجع في المعروض النقدي تكهنات متباينة بشأن التداعيات المحتملة على التضخم وأسعار الأصول والاقتصاد الأوسع.

 

انكماش المعروض النقدي

 

– المعروض النقدي يمثل مؤشر النقود والأصول سريعة التسييل قيد التداول في الاقتصاد.

 

– يشكل “M2” مقياسا واسعا للمعروض النقدي، ما يشمل العملة وأنواعا مختلفة من ودائع البنوك وصناديق الاستثمار المشتركة في أسواق المال والتي تكون سائلة نسبياً.

 

– بلغ المعروض النقدي الأمريكي “M2” نحو 20.783 تريليون دولار في شهر يوليو الماضي، مقابل 20.802 تريليون دولار في يونيو.

 

– يعتبر المعروض النقدي في الولايات المتحدة أقل بشكل ملحوظ من الذروة المسجلة في يوليو 2022 عند 21.578 تريليون دولار.

 

– على أساس سنوي، شهد المعروض النقدي أسرع وتيرة هبوط منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

 

 

– رغم التراجع القوي مؤخرًا، لا يزال “M2” الأمريكي أعلى بمقدار 5 تريليونات دولار من مستويات ما قبل الوباء.

 

لماذا يتراجع المعروض النقدي؟

 

– يعكس هبوط المعروض النقدي إلى حد كبير التحول الملحوظ عن سياسة التحفيز المالي والنقدي الضخم خلال ذروة وباء “كورونا”.

 

– ضخت الحكومة الأمريكية مليارات الدولارات في الاقتصاد عبر إرسال أموال بشكل مباشر إلى الأمريكيين وإقرار حزم دعم للشركات، لتجاوز تداعيات الوباء وتحفيز الاقتصاد.

 

– نما المعروض النقدي الأمريكي بوتيرة قياسية خلال جائحة “كوفيد-19” في الفترة بين مارس 2020 حتى يوليو 2022 وصلت إلى 5.7 تريليون دولار.

 

– تجاوز معدل النمو السنوي في بداية تلك الفترة ما حدث خلال برنامجي التيسير الكمي في 2008 و2015 أو التضخم القوي في السبعينيات والثمانينيات.

 

– لكن مع تسارع التضخم، تحول الاحتياطي الفيدرالي للتشديد النقدي مع رفع معدلات الفائدة لتهدئة الإنفاق.

 

– رفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة من مستوى قرب الصفر في مارس 2022 إلى نطاق 5.25% و5.5% حالياً.

 

 

– كما قام الاحتياطي الفيدرالي بتقليص ميزانيته العمومية، بالإضافة إلى تراجع الودائع في المصارف وضعف الطلب على الائتمان.

 

– بدأ المعروض النقدي في التراجع بوتيرة حادة مع نهاية العام الماضي، ليشهد “M2” أول هبوط على أساس سنوي منذ عام 1949 على الأقل.

 

– كما شهد القطاع المصرفي الأمريكي اضطرابات قوية في مارس الماضي، حيث انهار مصرفا “سيليكون فالي” و”سينجنتشر بنك”، ما تسبب في أزمة ائتمان وتقلبات في الأسواق المالية.

 

– ساهمت عمليات تخارج الودائع من البنوك الأمريكية – خاصة المصارف المحلية – في أثر ملحوظ على تسارع هبوط المعروض النقدي.

 

هل نشهد تباطؤًا للتضخم؟

 

– خلال ذروة وباء “كورونا”، ألقى محللون باللوم في تسارع التضخم الأمريكي على النمو التاريخي للمعروض النقدي.

 

– قال “مايك ويلسون” المحلل في “مورجان ستانلي” في ذلك الوقت، إن عدم سيطرة الاحتياطي الفيدرالي على نمو المعروض النقدي يعني أنه لن يمتلك أي سيطرة على التضخم أيضًا.

 

– بالفعل، ارتفع معدل التضخم الأمريكي في منتصف العام الماضي أعلى 9% لأول مرة في 40 عامًا.

 

– لكن تراجُع المعروض النقدي يترك المستهلكين مع سيولة نقدية أقل متاحة للإنفاق على السلع والخدمات، ما قد يساعد على تهدئة التضخم.

 

– بالفعل، شهد التضخم الأمريكي تباطؤًا حادًا في الأشهر الماضية ليصل إلى 3.2% في يوليو الماضي على أساس سنوي.

 

 

– قال “ستيفن أناستاسيو” الاقتصادي في “إيكونوميكس أنكوفر”، إن الهبوط في المعروض النقدي يعني أن التضخم من المرجح أن يتباطأ بمرور الوقت.

 

– يعتقد “دونالد لوسكين” كبير مسؤولي الاستثمار في “تريند ماكروليتيكس”، أن التراجع المستمر في المعروض النقدي سيكون له تأثير ملحوظ على الأسعار، وهو ما قد يؤدي، بالتزامن مع رفع معدلات الفائدة، إلى التحول إلى انكماش الأسعار.

 

آثار محتملة على الأصول والاقتصاد

 

– تاريخياً، يعتبر تراجع المعروض النقدي الأوسع أمرًا نادرًا في الاقتصاد الأمريكي.

 

– عادة ما كان يرتبط هبوط “M2” بركود اقتصادي وارتفاع قوي لمعدلات البطالة وانخفاض لأسعار الأصول.

 

– قال “مات كينج” المحلل في “سيتي بنك” إن “M2” هو محرك لتضخم أسعار الأصول وأسعار المستهلكين والأسهم والعقارات، ما يعني أن تراجعه يمثل إشارة سلبية لكل هذه الأصول ويغذي ضعف الاقتصاد الأوسع.

 

 

– من شأن تراجع المعروض النقدي أن يقلص النقد المتاح للإنفاق، ما قد يضر الشركات ويؤدي لتسريح عمالة وانخفاض سوق الأسهم بالتبعية.

 

– لكن على الجانب الأخر، يرى “مانويل أبياكسيس” الاقتصادي في “جولدمان ساكس” أن المقاييس النقدية الرئيسية مثل “M2” لم تكن موثوقة للتنبؤ بالوضع الاقتصادي لعدة عقود.

 

– تراجع اهتمام صناع السياسة بالمعروض النقدي طوال معظم الثلاثين عامًا الماضية، منذ أن بدأت البنوك المركزية في استخدام معدلات الفائدة كأداة رئيسية لتحقيق مستهدفات التضخم.

 

– ساعد مزيج من ضعف التضخم وإلغاء القيود التنظيمية المالية في الثمانينيات والتسعينيات على تخفيف العلاقة بين استهداف المعروض من الأموال ونمو الناتج المحلي الإجمالي، ليتم اعتبار المعروض النقدي أساساً أقل موثوقية لعملية صنع السياسات.

 

– كما ساهم الابتكار المالي في تغيير الأمور، حيث إن بطاقات الائتمان والخصم تسببت في تقليص المبالغ النقدية اللازمة لإجراء المعاملات، كما أصبح من الأسهل والأرخص للأسر شراء الأصول المالية، ما يعني أن حصةً أصغر من المدخرات تنتهي في شكل ودائع يتم تضمينها في أرقام المقاييس النقدية.

 

– كما أدى الطلب الخارجي على الدولار إلى تشوية العلاقة بين المقاييس النقدية والنتائج الاقتصادية، حيث ارتفع الطلب الأجنبي على العملة الأمريكية بشكل مطرد منذ بداية التسعينيات.

 

– لا يعني الطلب على الدولار أنه سيكون هناك المزيد من المعاملات في الولايات المتحدة.

 

– على جانب موازٍ، ترى “لين ألدن” خبيرة الاقتصاد الكلي، أن انخفاض المعروض النقدي الأمريكي من غير المرجح أن يستمر لفترة طويلة.

 

– أشارت “ألدن” إلى أنه في حال لم يرتفع المعروض النقدي الأوسع، فمن غير المرجح أن ترتفع أسعار الأصول أيضًا، مما يؤدي بالتبعية إلى ركود إيرادات الضرائب واتساع العجز المالي، وهو ما سيدفع الحكومة الفيدرالية لإصدار المزيد من السندات لتمويل العجز، الأمر الذي يؤدي لزيادة “M2” مجددًا.

 

المصادر: أرقام – مجلس الاحتياطي الفيدرالي – بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس – مورجان ستانلي – رويترز – إس آند بي جلوبال – بانكيج ريتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى