مقالات اقتصادية

توقعات انحسار التضخم في أميركا قد لا تكفي لوقف رفع الفائدة

كتب أسامة صالح 

من المحتمل أن تكون مؤشرات التضخم المفضلة من قبل الاحتياطي الفيدرالي قد تباطأت في ديسمبر بأكبر وتيرة لها منذ أكثر من عام، داعمة احتمال خفض وتيرة رفع أسعار الفائدة. لكن هذا التباطؤ قد لا يكون كافياً لدفع واضعي السياسة النقدية لمناقشة وقف رفع الفائدة.

يتوقع خبراء الاقتصاد حدوث زيادة في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، المقرر الإعلان عنه الجمعة، نسبتها 5% على أساس سنوي، وكذلك ارتفاع مؤشر التضخم الأساسي، الذي يستثني الغذاء والطاقة، 4.4%، ليسجل كلاهما أصغر ارتفاعات منذ نهاية 2021؛ وأن تشير تقديرات الزيادات الشهرية أيضاً إلى تباطؤ معدل الارتفاع مقارنة بأوائل العام الماضي.

تتوافق مثل هذه الأرقام مع توقعات بأن يبطئ الاحتياطي الفيدرالي وتيرة رفع أسعار الفائدة إلى 0.25% في ختام الاجتماع الذي يستمر يومين وينتهي في الأول من فبراير المقبل.

لكن بقاء معدل التضخم أعلى بكثير من المستوى المستهدف البالغ 2%، ومخاطر ضيق المعروض في سوق العمل، قد يدفعان البنك المركزي لمواصلة التشديد النقدي بقوة.

قالت بليرينا أوروتشي، كبيرة الاقتصاديين المتخصصين في الاقتصاد الأميركي لدى شركة “تي رو برايس أسوشيتس” (T. Rowe Price Associates): “يبدو أن طريقة عملهم القائمة على رد الفعل (على البيانات الاقتصادية) ستدفعهم لإبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة إلى 0.25% في كل اجتماع من الآن فصاعداً. لكن لا يُفترض أن تُغير بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي المسار كثيراً، خاصة أنها تأتي عقب أشهر من تباطؤ بيانات التضخم”.

فيما يترقب الاقتصاديون، إعلان تقديرات الناتج المحلي الإجمالي الرسمية الأولية للربع الرابع، وكذلك الإعلان عن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي وباقي مؤشرات التضخم.

الشهر الماضي، رفع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي تقديراتهم لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، لينهي 2022 عند 4.8% تقريباً مقارنةً بتقديراتهم السابقة في سبتمبر البالغة 4.5%، ما يعني ارتفاعه في ديسمبر بنسبة 0.38% على أساس شهري، مقارنةً بأوسط التقديرات البالغة 0.3%، وفقاً لحسابات بلومبرغ.

تؤيّد تلك الافتراضات منطق الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة حتى تبلغ ذروتها عند 5.1%، على أن تستمر عند ذلك المستوى خلال 2023، وهو مستوى فائدة يشك العديد من الاقتصاديين والمستثمرين في تحققه، خاصةً في ظل تباطؤ مؤشر تضخم أسعار المستهلكين، وهو مقياس آخر يُراقب باهتمام بالغ، إلى جانب تراجع الضغوط على الأجور.

يعترف صانعو السياسة النقدية بإحراز تقدم، لكنهم يؤكدون أن دورهم لم ينته بعد، إذ يركز رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وفريق عمله على مؤشر تضخم قطاع الخدمات باستثناء الطاقة والسكن، بما يضمه من خدمات الرعاية الصحية وصولاً إلى تصفيف الشعر، حيث تشكل الأجور تكلفة كبيرة في تلك الأنشطة التجارية.

وقالت نائبة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لايل برينارد، الأسبوع الماضي: “رغم التباطؤ الأحدث، لا يزال التضخم مرتفعاً، ويجب أن تكون السياسة النقدية مقيدة لنمو الأسعار بدرجة كافية لمزيد من الوقت حتى نتأكد من عودة التضخم إلى 2% بشكل مستدام”.

أعلنت “وول مارت”، أكبر شركة قطاع خاص من حيث أعداد العاملين في الولايات المتحدة الأسبوع الجاري عن رفع الأجر الأساسي 17% نتيجة ارتفاع التضخم والمنافسة الشديدة على العمالة، ليصل الحد الأقصى للراتب الأساسي للعمال الجدد 19 دولاراً في الساعة، وفقاً لمكان العمل.

رأي بلومبرغ إيكونوميكس:
==================
نعتقد أن الاحتياطي الفيدرالي لديه شكوك جادة بشأن الرأي القائل بأن خطر التضخم مضى، خاصةً وأن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي الذي يستثنى إيجارات المساكن -وهو مؤشر التضخم الذي يراقبه الاحتياطي الفيدرالي باهتمام بالغ، حسبما قال باول- ما يزال يحوم حول 4%، كما لم يظهر علامات قوية على التراجع (عكس مؤشر أسعار المستهلكين المقارن).

ابدى الاقتصاديين مخاوفهم من أن يصعد الفيدرالي بأسعار الفائدة إلى مستوى مرتفع للغاية، جزئياً بسبب سياسة تأثير القاعدة في توقعات التضخم التي هي متشائمة جداً، أو أن يبقيها مرتفعة لفترة طويلة، ما يدفع الولايات المتحدة للركود. يُتوقع أن يظهر تقرير الناتج المحلي الإجمالي تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد بنهاية العام الماضي، والذي يظل مدعوماً بزخم الإنفاق الاستهلاكي بقطاع الخدمات.

تبقى التوقعات المستقبلية أكثر ضبابية، حيث تشير إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الربعين الثاني والثالث مع هبوط الإنفاق وتراجع استثمارات الشركات وضعف الإنتاج الصناعي، وفقاً لمسح أجرته بلومبرغ للاقتصاديين في وقت سابق من الشهر الجاري، وهو أمر يزيد احتمالات حدوث ركود خلال العام المقبل إلى 65%.

يصعب التنبؤ بمستوى التضخم الذي فاجأ مساره الاحتياطي الفيدرالي من قبل. ويرى المنتقدون والعديد من مسؤولي الفيدرالي أن البنك المركزي تحرك ببطء باتجاه التشديد النقدي العام الماضي، مؤكدين على أهمية نبرة تصريحات الفيدرالي في إبقاء توقعات السوق تحت السيطرة.

قال لوك تيلي، كبير الاقتصاديين لدى “ويلمنغتون ترست” (Wilmington Trust)، الذي عمل سابقاً في الفيدرالي بولاية فيلادلفيا: “لا يريدون (مسؤولو الفيدرالي) أن يستخدموا نبرة متساهلة لأنهم لا يريدون الأوضاع المالية أن تنفرج أكثر من اللازم، لذا يتعين عليهم التمسك بخطابٍ أكثر تشدداً، وهم على حق، فالتضخم قد يرتفع من جديد”.

يأتي ذلك، بينما من المرجح أن تدعم بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي فكرة أن معدلات التضخم بدأت تتراجع، إلا أنه من المبكر أن يعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الانتصار عليها. سيصمم صناع السياسة النقدية على حاجتهم لمشاهدة قرائن أكثر تدل على انحسار زيادات الأسعار على أرض الواقع قبل الدخول في نقاش حول رفع أسعار الفائدة بصفة مؤقتة، خاصة مؤشرات الأجور مثل تكلفة العمالة، ومتوسط الدخل بالساعة، المرتقب صدورها الأسبوع المقبل.

وقال كارل ريكادونا، كبير الاقتصاديين بفريق العمل المسؤول عن السوق الأميركية لدى بنك “بي إن بي باريبا”: “إذا كنت ترغب بمنع وقوع أزمة كبيرة، عليك التأكد من القضاء على أصل المشكلة نهائياً. وهذا لم يحدث حتى الآن. ولذلك لديهم الرغبة بمواصلة العمل بطريقة أبطأ والاستمرار في رفع أسعار الفائدة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى