اقتصاد دولي

معركة عراقية شاقة ضد السوق السوداء للعملة الخضراء

معركة عراقية متواصل بالأسلحة المالية كافة يقودها البنك المركزي في بغداد ضد مهربي العملات الأجنبية والحد من تأثيرها في السوق السوداء التي تشكل عاملاً غير مستقر للاقتصاد، تزامناً مع الحملة الأمنية على المهربين والمضاربين بالدولار.

وأعلن جهاز الأمن الوطني العراقي مطلع أغسطس (آب) الجاري تنفيذ حملة واسعة لملاحقة المهربين للعملة، مؤكداً الإطاحة بكبرى شبكات التهريب وبحوزتهم 14 مليون دولار معدة للتهريب.

ووفق بيان للجهاز فإن “المتهمين الملقى القبض عليهم اعترفوا باتخاذ شركات وهمية كغطاء لتهريب العملة“، مبيناً أن “شبكة التهريب الملقى القبض عليها تتألف من 11 متهماً في بغداد، ولفت الانتباه إلى “إطاحة 12 متهماً آخرين بتهريب العملة في محافظات البصرة وديالي والمثنى”.

معركة شاقة

في هذا السياق يقول محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق إن بلاده قطعت شوطاً كبيراً في تطبيق قيود على المعروض من الدولار الأميركي، لكنها تواجه معركة شاقة في ظل نظام مصرفي غير معتاد على الرقابة الصارمة وتمسك مهربي العملة بنشاطهم.

وأوضح العلاق خلال لقائه وفداً إعلامياً أنها “معركة فعلاً لأن المستفيدين من هذا الوضع والمتضررين سيحاولون بشتى الطرق مواصلة أنشطتهم غير الشرعية”، لافتاً الانتباه إلى أنه لا يملك بيانات حول حجم الدولارات المهربة من العراق إلى إيران أو أي بلد مجاور، ومنها تركيا وسوريا، قبل تشديد الولايات المتحدة للقواعد في أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي.

وأضاف أن هناك توجهاً للحصول على الدولار داخل المطارات عبر منافذ للشركات الرصينة، مشيراً إلى أن كلفة طبع العملة العراقية، تبلغ من خمس إلى ستة سنتات للورقة الواحدة.

ونفى محافظ البنك المركزي دخول 14 مصرفاً أجنبياً العراق، منوهاً إلى أن هذا الأمر غير صحيح ووضع البنوك التي لديها مصارف مراسلة هي “سليم ورسمي وسهل” بالحوالات الخارجية.

ونوه بأن التوجه القادم هو القضاء على المضاربين بالسوق الموازية، قائلاً “نخوض معركة كبيرة لإزاحة الفئات غير الشرعية التي تستولي على العملة الصعبة”.

يشار إلى أن وزارة الخزانة الأميركية ومجلس الاحتياطي الفيدرالي منعا 14 مصرفاً عراقياً من إجراء معاملات بالدولار كجزء من حملة أوسع نطاقاً على تهريب الدولار إلى إيران عبر النظام المصرفي العراقي.

لكن العلاق أوضح أن المعاملات التي أدت إلى العقوبات جرت في 2022 قبل إطلاق منصة جديدة تهدف إلى تحسين الشفافية، كما فرض المركزي العراقي لوائح تنظيمية أكثر صرامة على التحويلات الدولارية تلزم المتعاملين بدخول منصة عبر الإنترنت وتقديم معلومات تفصيلية حول المستقبل النهائي للتحويلات.

وأضاف أن البنك المركزي العراقي يجري مراجعة للقطاع المصرفي وسيطبق لوائح وقواعد جديدة، موضحاً أنها ستشهد على الأرجح إغلاق بعض البنوك.

وزاد “هناك دائماً آثار جانبية، ولكن في الوقت نفسه علينا مسؤولية حماية مصالح البلاد من خلال محاولة إيجاد الوسائل اللازمة للمراقبة والرقابة حتى لا نعرض البلاد لأية قضايا على هذه الجبهة”.

العملات الأجنبية

من جانبه يرى المتخصص في الشأن الاقتصادي نبيل جبار العلي أن قضية التعامل مع العملات الأجنبية منها الدولار تعود إلى التسعينيات، مبيناً أنه ما قبل تلك الفترة كانت تجري الحوالات خارج العراق بالطرق الرسمية عبر المصارف لكن منذ فرض عقوبات دولية على بلاده خلال تلك الحقبة اضطر أصحاب المصارف ومكاتب الحوالات إلى استخدام السوق السوداء وغير القانونية لإجراء عملية الصرافة والحوالة وغيرها من القضايا، وذكر أن هذا الوضع ظل حتى ما بعد 2003، وعلى رغم انفتاح العراق على الاستيراد ظلت عملية الحوالات تجري لغرض الاستيراد لكن بآليات السوق السوداء نفسها، مبيناً أنه عملياً قد تكون نسبة التهريب وغسل الأموال محدودة.

وأوضح أنه قبل ثمانية أشهر فرضت الولايات المتحدة والخزانة الأميركية ضوابط ومعايير صارمة في شأن الحوالات التي باتت لا تمر إلا من طريق الدخول بالنظام الذي يفرض بدوره على التاجر أن يقدم وثائق تثبت أن حوالته لأغراض تجارية، وهذا الأمر حدث نهاية عام 2020 وكان مبنياً على اتفاق بين واشنطن وبغداد.

وبالفعل تابع البنك المركزي العراقي منذ ما يقارب سنتين هذا الموضوع، مما أربك السوق وبدأت ترتفع أسعار الصرف وغيرها من القضايا، وأصبحت عملية تمرير الحوالات ليست سهلة.

وقال إنه لا سابقاً ولا حالياً يوجد حوالات تذهب إلى إيران مع الوضع في اعتبار أن البنك المركزي العراقي يلتزم مع الأميركيين بفرض العقوبات على طهران وقبلها العقوبات الدولية لا يمرر حوالات مباشرة لهذا البلد أو المصارف فيه، ولفت العلي الانتباه إلى أن المنصة الإلكترونية التي أطلقها البنك المركزي العراقي تسمح من دون قيد أو شرط لأي شخص لديه أسباب تجارية لإجراء الحوالة بعد تقديمه أوراقه ويحول أي مبلغ بعد إجراءات المنصة.

وتابع “ترتبط المنصة تقريباً مع التاجر بشكل مباشر بينما تظل المصارف وسيطاً له هامش ربحي محدد وبسيط غير قابل إلى الزيادة”، منوهاً إلى أن المنصة الجديدة أنهت الفساد الذي كان مستشرياً بسبب احتكار بعض المصارف لنافذة بيع العملة.

سلامة عمليات التحويل

من جهته قال المتخصص في الشأن الاقتصادي صلاح حازم إن البنك المركزي العراقي يبيع الدولار بسعر محدد في مقابل تقديم المستوردين وثائق سليمة تثبت صحة طلباتهم للتحويل الخارجي، فتسديد المصارف المخولة أو البنك المركزي (التحويل الخارجي) المبالغ المستحقة هدفه تسديد كلفة الاستيرادات.

وأضاف “هنا تبرز ضرورة وضع البنك المركزي بالتشاور مع بقية الجهات ذات العلاقة قائمة بضوابط التحويل والسلع والخدمات المسموح باستيرادها وسقف المبالغ والدول والشركات المسموح بالاستيراد منها (حتى الولايات المتحدة زعيمة العالم الرأسمالي تفرض ضوابط على الاستيرادات) والوثائق المطلوبة”.

ورأى أنه يمكن تخويل عدد من المصارف للقيام بالعملية تحت إشراف البنك المركزي الذي يتولى التدقيق في سلامة عمليات التحويل وبخلافه يتحمل المصرف عواقب أي تلاعب يقوم به ذلك المصرف، مشيراً إلى أن القضية الأخرى هي السيطرة على السوق الموازية والمضاربة، و”هذه في نظري مشكلة يصعب السيطرة عليها بسبب وجود كتلة ضخمة من النقد بالدينار العراقي تطارد الدولار مصادر هذه الكتلة متعددة”.

ومضى في حديثه “أما كيفية عمل أجهزة الرقابة المصرفية فهي الحلقة الأخطر في موضوع إدارة سوق الصرف في العراق، لأنها تستطيع إذا كانت كفؤة وجادة أن تفرض قواعد الرصانة في السلوك المصرفي، وأن تفرز البنوك الرصينة التي يمكن لها العمل بنزاهة في هذا الميدان”.

وقال “الدفع الإلكتروني يمكن أن يكون حلاً لكنه يقتضي رقابة صارمة وضوابط دقيقة لكنه سيقلص حجم الدولار المتداول نقداً، ومع بقاء مصادر الطلب على الدولار على وضعها الحالي فإن الوضع يمكن أن يزداد سوءاً”.

مصادر معلومة

كان المحلل المالي والاقتصادي عبدالرحمن المشهداني عزا ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق العراقية إلى التجارة مع الدول التي عليها عقوبات دولية، موضحاً أن “المنصة الإلكترونية جعلت عمليات التحويل المالي معلومة المصادر بحيث يتعرف على الشخص المحول والمصرف الذي يتحول له، بعد أن كانت شركات الصرافة سابقاً تسيطر على عمليات التحويل خارج السيطرة”.

وأضاف في تصريح صحافي سابق أن “العراق يستورد من إيران سنوياً ما قيمته من 8 إلى 10 مليارات دولار، مما يعني أن ذلك يتطلب توفير ما بين 21 إلى 25 مليون دولار يومياً للتجار”، مبيناً أن “منفذ برويزخان الحدودي يصدر بحدود 3 ملايين دولار يومياً، والتاجر يشتري الدولار من السوق الموازية لتمويل هذه التجارة وليس من طريق المنصة الإلكترونية للبنك المركزي”.

وبحسب المشهداني فإن “المشكلة الأساسية أن العراق لديه تجارة مع الدولة الممنوعة والخاضعة للعقوبات من الولايات المتحدة التي ينبغي ألا يذهب إليها الدولار، وهذه تقريباً تشكل ربع تجارة البلاد، وهذه أيضاً تمول من السوق الموازية”، ولفت إلى أن “الدولة بإمكانها حل مشكلة السوق الموازية من خلال إيجاد آلية معينة بالاتفاق مع الأميركيين لتمويل التجارة مع الدول الممنوعة بشكل رسمي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى