مختارات اقتصادية

هل استحقت الولايات المتحدة فقدان التصنيف الائتماني الممتاز؟

أثار قرار وكالة “فيتش” بخفض التصنيف الائتماني للديون السيادية الأمريكية طويلة الآجل حالة من الانقسام بين الاقتصاديين، وسط خلافات حول ما إذا كانت واشنطن تستحق هذا التخفيض.

ومع فقدان الولايات المتحدة التصنيف الممتاز “AAA” من اثنتين من أكبر ثلاث وكالات تصنيف ائتماني، تبرز التساؤلات بشأن ما إذا كانت واشنطن تحتاج إلى مراجعة خططها بشأن المالية العامة ونهم الاقتراض.

الديون والعجز والحوكمة

– يعكس تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة التدهور المالي المتوقع على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وعبء الدين الحكومي المرتفع والمتصاعد، وضعف الحوكمة مقارنة بالدول في نفس الفئة الائتمانية.

– يتجلى تآكل الحوكمة في الأزمات المتكررة بشأن سقف الدين والتي تنتهي في اللحظات الأخيرة، بالإضافة إلى الاستقطاب السياسي الذي انعكس على أزمة السادس من يناير 2021.

– تتوقع “فيتش” ارتفاع العجز الحكومي الأمريكي إلى 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الجاري و6.6% في 2024 و6.9% في العام التالي، مقابل 3.7% في العام الماضي.

– بررت الوكالة توقعاتها لزيادة العجز المالي الأمريكي بضعف الإيرادات الفيدرالية الدورية، وخطط الإنفاق الجديدة، وارتفاع عبء الفوائد.

– فيما يتعلق بالديون، أشارت “فيتش” إلى أنها تتوقع ارتفاع الدين الحكومي الأمريكي نسبة إلى الناتج المحلي عند 118% في عام 2025 من 112.9% هذا العام، لكنه يظل أقل من مستويات عام 2020 القياسية البالغة 122.3%.

– يعتبر هذا المستوى من الديون أعلى مرتين ونصف من متوسط الدين للدول في الفئة “AAA” والبالغ 39.3% من الناتج المحلي و44.7% للفئة “AA“.

– هذا هو الخفض الأول للتصنيف الائتماني الأمريكي بعد قرار مماثل من وكالة “إس آند بي” في عام 2011.

– أصبحت “موديز” الوكالة الوحيدة من الثلاثة الكبار التي تحتفظ بالتصنيف الائتماني للولايات المتحدة عند المستوى الممتاز.

– على جانب التوقعات الاقتصادية، توقعت “فيتش” دخول الاقتصاد الأمريكي في براثن الركود في الربع الرابع من العام الجاري والربع الأول من 2024، بفعل تشدد الظروف الائتمانية وضعف استثمارات الشركات وتباطؤ الاستهلاك.

– وأشارت الوكالة إلى أنها تتوقع قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع معدلات الفائدة مرة إضافية في سبتمبر المقبل إلى نطاق 5.5% و5.75%.

– على الجانب الآخر، انتقد البيت الأبيض بشدة قرار “فيتش”، كما وصفته وزيرة الخزانة “جانيت يلين” بـ”العشوائي ويستند لبيانات قديمة”.

– قال مساعد وزير الخزانة “جوش فروست” إنه لا يزال هناك طلب قوي على السندات الأمريكية، مشيرًا إلى أن القرار لا يغير ما يعرفه الجميع بالفعل وهو أن سندات الخزانة تظل الأصول الأكثر أماناً وسيولة في العالم.

خسائر للأسهم وصعود للدولار

– تعرضت أسواق الأسهم العالمية لخسائر قوية خلال جلسة الأربعاء، مع تداعيات خفض التصنيف الائتماني الأمريكي.

– انخفض مؤشر “ستوكس 600” الأوروبي بنسبة 1.3% عند إغلاق جلسة الأربعاء، كما هبط “نيكي” الياباني 2.3%، في أكبر هبوط يومي منذ ديسمبر الماضي.

– كما تعرضت الأسهم الأمريكية لخسائر مماثلة، ليهبط “داو جونز” بنحو 1% أو 348 نقطة، وينخفض مؤشرا “إس آند بي 500″ و”ناسداك” بنسبة 1.4% و2.2% على الترتيب.

– تعتبر وتيرة الهبوط للأسهم الأمريكية محدودة للغاية بالنظر لما حدث قبل 12 عامًا بعد القرار المماثل من وكالة “إس آند بي 500″، حينما انخفضت المؤشرات الثلاثة بنسبة تتراوح بين  5.6% إلى 6.9% في الجلسة التالية لخفض التصنيف آنذاك.

– الذهب لم ينجح في الاستفادة من خسائر الأصول الخطرة، لينهي عقد المعدن النفيس تسليم شهر ديسمبر تعاملات الأربعاء منخفضًا 0.2% أو أقل من 4 دولارات مسجلًا 1975 دولار للأوقية.

– على جانب آخر، ارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات لأعلى مستوى منذ نوفمبر 2022 عند 4.1%، مع قيام وزارة الخزانة ببيع أوراق مالية طويلة الأجل بقيمة 103 مليارات دولار.

– كما صعد مؤشر الدولار – الذي يرصد أداء العملة الأمريكية مقابل ست عملات رئيسية – بنحو 0.3%، بعد بيانات أظهرت إضافة القطاع الخاص وظائف أعلى من المتوقع في يوليو.

اقتصاديون ومحللون ضد القرار

– انتقد الكثير من المحللين والاقتصاديين قرار “فيتش”، باعتباره يحمل معلومات قديمة ويأتي بعد حل أزمة سقف الدين الفيدرالي وبالتزامن مع نمو قوي للاقتصاد.

– يعتقد “أليك فيليبس” كبير السياسات الاقتصادية في “جولدمان ساكس” أن القرار لا يعتمد على معلومات مالية جديدة، وبالتالي لا يتوقع أن يكون له تأثير طويل على معنويات السوق بعد صدمة البيع المفاجئة يوم الأربعاء.

– أوضح “فيليبس” أن خفض التصنيف الأمريكي سيكون له تأثير مباشر ضعيف على الأسواق المالية لأنه من غير المرجح أن يكون هناك حائزون كبار لسندات الخزانة مضطرين إلى البيع بعد قرار خفض التصنيف.

– اعتبر المحلل أن سندات الخزانة هي فئة أصول مهمة، حيث إن معظم السلطات التنظيمية تشير إليها بشكل محدد وليس باعتبارها من ضمن الديون التي تحمل التصنيف “AAA“.

– كما يشير “جيمي ديمون” الرئيس التنفيذي لبنك “جيه بي مورجان” إلى أن تخفيض التصنيف الائتماني طويل الأجل للولايات المتحدة “غير مهم لأن السوق وليس وكالات التصنيف هو الذي يحدد تكاليف الاقتراض”.

– ذكر “ديمون”: “من السخف أن تتمتع دول مثل كندا بتصنيفات ائتمانية أعلى من الولايات المتحدة، واشنطن لا تزال الأكثر ازدهارًا على هذا الكوكب”.

–  يرى وزير الخزانة الأمريكي الأسبق “لاري سمرز” أن الولايات المتحدة تواجه تحديات مالية خطيرة طويلة المدى، لكن قرار “فيتش” في الوقت الذي يبدو فيه الاقتصاد أقوى من المتوقع يعتبر غريباً وغير صحيح.

– “محمد العريان” كبير المستشارين الاقتصاديين في “أليانز” اعتبر أن القرار يمثل مفاجأة وخاصة فيما يتعلق بالتوقيت، مشيرًا إلى أن احتمالات تجاهله تتجاوز أن يكون له تأثير مستمر على الاقتصاد والأسواق الأمريكية.

– يشير “كريس هارفي” كبير استراتيجي الأسهم في “ويلز فارجو سيكيوريتيز” إلى أن قرار “فيتش” لا يجب أن يكون له تأثير مماثل لما حدث في عام 2011 حينما خفضت “إس آند بي” التصنيف الأمريكي.

– يوضح “هارفي” أن أي تراجع في الأسهم سيكون قصير الأجل ومحدودًا نسبيًا، مشيرًا إلى أنه في عام 2011 كانت الأسهم في منطقة تصحيح بالفعل، والفوارق الائتمانية تتسع ومعدلات الفائدة تتراجع والأزمة المالية لا تزال في الوجدان الجمعي للسوق، بينما الظروف الحالية على العكس تقريبًا.

ماذا عن المؤيدين للقرار؟

– رغم أن آراء معظم الاقتصاديين والمحللين تدور حول انتقاد قرار “فيتش” وإبداء الثقة في عدم تأثر الأسواق بشكل كبير، فإن هناك بعض الأصوات التي تحمل وجهات نظر مختلفة.

– يقول المستثمر الشهير “مارك موبيوس” إن قرار خفض التصنيف الأمريكي قد يدفع المستثمرين إلى إعادة التفكير في استراتيجياتهم المتعلقة بأسواق الديون الأمريكية والعملة.

– ذكر “موبيوس” أن المستثمرين سيبدأون في التفكير في تنويع حيازتهم بعيدًا عن الولايات المتحدة ونحو الأسهم للحماية من أي تدهور في الدولار.

– يرى “ستيوارت بول” و”آنا وونغ” الاقتصاديان في “بلومبرج إيكونوميكس” أن قرار “فيتش” بخفض التصنيف بسبب تدهور الحوكمة والمخاوف الخاصة باستدامة مدفوعات الضمان الاجتماعي وتزايد مدفوعات الفائدة ليس خطأ.

– لكن المحللين أشارا إلى أنه بعد شهرين من حل أزمة سقف الدين ومع النمو المفاجئ القوي للاقتصاد في الربع الثاني، فإن توقيت القرار يعتبر غريباً، كما أنه لا يخبر الأسواق بأمور لم تكن تعرفها بالفعل.

– كما يعتقد “مايكل سترين” مدير دراسات السياسات الاقتصادية في معهد “أمريكان إنتربرايز” أنه رغم جدلية توقيت القرار، فإن هذه الخطوة لا تزال تشير إلى مشكلات أساسية مثل المسار المالي غير المستدام والنظام السياسي الذي لا يبدو مناسباً لمستوى التحدي الحالي.

– يتوقع أيضًا “ستيفن ريتشيوتو” كبير اقتصاديي الولايات المتحدة في “ميتزوهو سيكيوريتيز” صدور المزيد من التحذيرات بشأن الإنفاق الأمريكي، مشيرًا إلى أن واشنطن وصلت إلى نقطة يكون فيها صافي الفوائد على الدين العام أعلى من قدرة الاقتصاد على النمو.

– اعتبر “ستيفن” أن حالة الموازنة الأمريكية أصبحت غير مستدامة، حيث سيتعين على الحكومة إما معالجة المشكلة أو قبول عواقب المزيد من عمليات الخفض المحتملة للتصنيف الائتماني.

المصادر: أرقام – فيتش – تويتر –  بلومبرج – رويترز – سي إن بي سي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى