مقالات اقتصادية

شركات النفط الكبرى.. الاستثمار الأخضر يذهب والأسود يعود

كتب أسامة صالح

كان الاتجاه يتطور على مدى شهور، ووصل لنقطة فارقة أمس الأول عندما أعلنت شركة “شل” عما يرقى لوصفه بالعودة للوراء للتركيز على الهيدروكربونات والتعهد بتحقيق عوائد أعلى للمساهمين.

مضت تلك الأيام التي كانت تستهدف فيها “شل” خفض إنتاجها النفطي بوتيرة سنوية، والاستثمار بسخاء على أنشطة الكهرباء التجارية الخاسرة.

أما الآن، فقد وعد وائل صوان، الرئيس التنفيذي الجديد للشركة قائلاً: “ستستثمر في النماذج التي تنجح، وتحقق أعلى العوائد التي تلعب دوراً في تدعيم قوتنا”. وهذا يعني رفع الإنفاق على الوقود الأحفوري، وتقليل الإنفاق على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

يسعد المساهمون بسماع ذلك، وينقض علنية استراتيجية سلفه، بن فان بيردن. بالنهاية؛ إذا كانت “شل” ستستثمر حالياً فقط في ما سينجح، فمن البديهي أنَّ ما كانت تستثمر فيه سابقاً غير ناجح. عرض سواني بالوقت الحالي بعض هذه العمليات التشغيلية للبيع، وألغى العديد من العمليات الأخرى.

هل “شل” جادة؟
تواجه “شل” معركة مضنية لإقناع المساهمين بجديتها. ما زالت توزيعات الأرباح – ارتفعت 15% لتبلغ 33 سنتاً تقريباً للسهم بداية من الربع الحالي – أقل كثيراً من 47 سنتاً عندما قلّصها فان بيردن خلال أبريل 2020. بذلك التوقيت، كان هذا هو أول تخفيض لـ”شل” منذ الحرب العالمية الثانية.

كما ساعدت جولة أخرى من عمليات إعادة شراء الأسهم، وكذلك الوعد بكبح الإنفاق الرأسمالي. في منتصف الدليل التوجيهي، أفادت “شل” أنَّها تستهدف نفقات رأسمالية 23.5 مليار دولار خلال عامي 2024 و2025، مما يعد أقل من 25 مليار دولار في 2023.

أكدت “شل” أنَّ الجمع بين التركيز على الاستثمارات مرتفعة العائد وترشيد التكلفة سيمكّنها من تحقيق عوائد للمساهمين تتراوح من 30% إلى 40% من تدفقها النقدي عبر العمليات التشغيلية، لتزيد عن نسبة تتراوح بين 20% و30% في السابق. ستساعد هذه الزيادة “شل” على سد فجوة التقييم مع منافسيها الأميركيين.
يُتداول سهم “شل” بأقل من 3 أضعاف قيمة الشركة إلى قيمة الأرباح الأساسية، مما يجعله أرخص بفارق كبير عن “إكسون موبيل” و”شيفرون” اللتين يُتداول سهمهما بـ5 أضعاف تقريباً.

لكن من الممكن أن نتفهم شكوك المستثمرين. تركت التقلبات والتغيرات الكثيرة خلال الأعوام الخمسة الماضية التي شهدتها “شل” و”بي بي” و”توتال إنرجيز” المساهمين غير متأكدين مما سيجري مستقبلاً. كان رد الفعل على البيان ضعيفاً، إذ تحركت أسهم “شل” بقدر طفيف.

تأرجح شركات النفط الأوروبية
هل يعد أحدث تأرجح لاستراتيجية شركات قطاع النفط الأوروبي هو الأخير فعلاً ؟ من غير الوارد أن يكون الأخير . لكن بالوقت الراهن، على الأقل، سيحدث هذا التأرجح على نطاق واسع منها، لأنَّ الحكومات الأوروبية استيقظت على مخاطر خفض الاستثمار بالوقود الأحفوري في أعقاب عزل روسيا، إذ فقد اتجاه معايير الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية القوة الدافعة.

لقد توقَّع التحديث السنوي لتقرير وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب على النفط خلال الأعوام الخمسة المقبلة، حتى لو كان بمعدل أقل من معدلاته التاريخية بداية من 2026 فصاعداً بفضل مركبات الاحتراق الداخلي الأكثر كفاءة في حرق الوقود، وزيادة طفيفة باستخدام السيارات الكهربائية. مع حلول 2028، وهي السنة الأخيرة خلال فترة توقُّعات وكالة الطاقة الدولية المستقبلية؛ سيبلغ الطلب العالمي على النفط 106 ملايين برميل يومياً تقريباً، مرتفعاً من 102 مليون برميل في 2023. تجدر الملاحظة أنَّه بحسب وكالة الطاقة الدولية، يتطلب الوصول لصافي انبعاثات صفرية مع حلول 2050 تقليص الطلب على النفط إلى 75 مليون برميل يومياً بحلول 2030.

مع الأخذ بالاعتبار وجود حاجة ملحة للحد من الانبعاثات الكربونية؛ فإنَّ التناقضات تظهر بشكل واضح، حتى في بيان “شل” أمس الأول. مع استبعاد الديباجة القانونية؛ يتضمن البيان الصحفي 623 كلمة بالضبط. ذكرت “شل” فيه كل كلمة طنانة قد تتخيل أن تنطقها شركة نفط كبرى عندما تحاول استجداء الحب من “وول ستريت” مثل عمليات إعادة شراء الأسهم، والعائدات، وترشيد التكاليف. كل الكلمات الطنانة موجودة باستثناء كلمة واحدة؛ وهي النفط. على حد تعبير “شل”، ينصب تركيزها على الأنشطة التجارية لـ”السوائل” – بالطبع فإنَّها تقصد هنا “النفط”.

إذا لم تستطع شركة نفط على غرار “شل” أن تستجمع قواها لتقول إنَّها تعمل في مجال النفط، فلا أرى سبباً يجعل المساهمين يمنحون ثقتهم الكاملة التي كانوا يأملون بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى