مقالات اقتصادية

شركات السيارات اليابانية بحاجة للتحرك بسبب سرعة تغير القطاع

كتب اسامة صالح

أشارت تقارير وسائل الإعلام إلى شراكة محتملة بين شركتي صناعة السيارات اليابانيتين المتنافستين، “نيسان موتور” و”هوندا موتور”، وهو ما يبدو مستبعداً، كما هو مستبعد أن ينضم ميسي ورونالدو إلى فريق كرة قدم واحد، أو أن تطرح المغنية تايلور سويفت ألبوماً مع كانييه ويست.

تتنافس الشركتان منذ سنوات على المرتبة الثانية بعد “تويوتا موتورز”، ورفضتا بشكل قاطع عقد محادثات اندماج اقترحها مسؤولون في الحكومة قبل 5 سنوات، وفق ما كشفته صحيفة “فاينانشال تايمز” في 2020. وضع سوق السيارات في اليابان والمخاوف من احتمال إفلاس “نيسان” دفع السلطات إلى اقتراح ذلك الاندماج، حسبما ذكرت الصحيفة.

قصة هذا الأسبوع أقل طموحاً بكثير، فهي تدور حول مجرد شراكة محتملة في إنتاج وتطوير مركبة كهربائية. لكن ربما أصبحت الحاجة إلى حشد القوتين في الفترة الحالية أكثر إلحاحاً، حيث تعاني مبيعات كلتا الشركتين في الصين من حالة سقوط حر، إذ يتحول العملاء في أكبر سوق للسيارات في العالم إلى المركبات الكهربائية.

حاجة لاستثمار كبير في التكنولوجيا

لا أصدق الفكرة السائدة أن اليابان تتحول “ببطء” في ضوء تراجع نمو المبيعات، ويتضح أكثر فأكثر أن السباق المحموم نحو مستقبل تهيمن فيه المركبات الكهربائية وحدها كان خطأً استراتيجياً على الأرجح، وأن السيارات الكهربائية بالكامل ستكون جزءاً واحداً من مستقبل قطاع السيارات.

المؤكد أن القطاع يشهد حالة تغير سريع. ترى الصين فرصة للهيمنة، وكما حدث في قطاعات تشمل الصلب وألواح الطاقة الشمسية، يُستبعد أن تلعب دوماً وفق القواعد المتبعة. هناك حاجة إلى استثمار ضخم في التكنولوجيا، من البطاريات إلى نظم القيادة الذاتية، فيما تسعى “هون هاي بريسيشن إندستري” (Hon Hai Precision Industry) -ومقرها في تايوان- المعروفة باسم “فوكسكون” مصنعة “أيفون”، إلى تحويل إنتاج السيارات إلى سلعة، مثل الهواتف الذكية تماماً.

“تويوتا” توطد علاقاتها

في هذه البيئة، يُعد استمرار الصراع بين شركات السيارات اليابانية على الفتات أمراً يفتقر إلى المنطق. هناك 7 شركات سيارات مُدرجة في البلاد، لكن “تويوتا” أصبحت على علاقة أكثر ودية مع 3 شركات منها؛ إذ اشترت 5% من “مازدا موتور” (Mazda Motor) في 2017، وحصة مماثلة في “سوزوكي موتور” في 2019، وتتحالف مع “سوبارو” (Subaru) منذ 2005، وزادت حصتها فيها إلى 20% في 2019.

تملك “تويوتا” أيضاً نصف شركة صنع الشاحنات “هينو موتورز” (.Hino Motors Ltd)، وحصة 5% أخرى في “إيسوزو موتورز” (Isuzu Motors Ltd)، فضلاً عن الاستحواذ على شريكتها القديمة “دايهاتسو” (Daihatsu) في 2016. حققت “تويوتا” أكبر مبيعات سيارات في العالم للعام الرابع على التوالي، وتحظى سياراتها الهجينة التي استأثرت بريادتها برواج كبير في الفترة الحالية.

يترك ذلك “نيسان“، بشراكتها مع “ميتسوبيشي موتورز”، واللتين شكلتا مع “رينو” (Renault) تحالفاً هشاً، في الأغلب حافظ عليه كارلوس غصن الذي تلاحقه الفضائح. ومعروف أن “هوندا” ستظل وحدها، رغم شراكتها مع “سوني غروب” (.Sony Group Corp) في المركبات الكهربائية.

فرصة العودة إلى الاندماجات

رغم ذلك، فالأمر لا يقتصر على اليابان فقط، حيث صرح الرئيس التنفيذي لشركة “ستيلانتيس” في الآونة الأخيرة بأن تحول القطاع قد يفسح المجال لخمس من أكبر شركات السيارات في العالم فقط، كما نفت الشركة المالكة لـ”بيجو” (Peugeot) أيضاً التكهنات باحتمال إبرام شراكة مع “رينو”.

في هذا السيناريو، كم من شركات السيارات الناجية ستكون يابانية؟ يبدو أن قطاع السيارات في اليابان سيتجه إلى تكوين مجموعتين، إحداها تضم شركات مرتبطة بـ”تويوتا”، والثانية تشمل الشركات الأخرى. لكن البلاد لن تتحمل السير بوتيرة الماضي نفسها، لن يمكنها أن تقضي نصف القرن الذي مر منذ استثمار “تويوتا” في “دايهاتسو” أول مرة حتى شرائها كاملة في النهاية.

يجب أن تستغل شركات السيارات اليابانية التحول الجاري في الاندماج مرة أخرى. فقد شهدنا في حالات سابقة كيف فقدت الشركات في البلاد السيطرة على قطاعات نتيجة تركيزها الشديد على التنافس للفوز بحصة أكبر من كعكة السوق المحلية المنكمشة. فالهواتف المحمولة، وألواح الطاقة الشمسية، وبطاريات الليثيوم، كلها كانت قطاعات قادتها اليابان وهيمنت عليها، لذا؛ لا يمكن للبلاد أن تتحمل حدوث ذلك في السيارات.

في الحقيقة، ربما لا يكون قطاع السيارات هو الوحيد الذي قد تستفيد فيه الشركات اليابانية من الاندماج؛ فهناك 4 شركات كبرى لإنتاج الجعّة، كلها تصنع منتجات متشابهة، وكلها تواجه صعوبات في منافسة شركات تخمير الجعّة العملاقة في الفترة الحالية على الساحة العالمية. كما تشتت قطاع التجزئة بلا داعٍ، من صيدليات إلى متاجر بقالة إلى متاجر المفروشات والأدوات والمعدات المنزلية. لن نتطرق إلى أكثر من 350 بنكاً في البلاد، فالحديث عنها يطول.

الانتظار هو الخطر الأكبر

بينما نجحت وزارة التجارة الدولية والصناعة اليابانية البائدة في تنسيق صفقات، مثل إعادة الهيكلة التي دمجت “برينس موتورز” (Prince Motor) مع “نيسان”، فإن تقليد الصين في بناء “شركات وطنية عملاقة” في السوق الحرة أمر صعب.

لكن الأمر يؤول باليابان إلى القيام بذلك بأي حال في بعض الأحيان، فقط في موقف الضعف، حيث تنسق اندماجات القطاعات المتعثرة، مثل الاندماج الذي نتج عنه تأسيس مصنعة الشاشات المشؤومة “جابان ديسبلاي” (.Japan Display Inc). رغم ذلك، فتنسيق البلاد في الآونة الأخيرة الاستثمار في أشباه الموصلات يشير إلى أنها تتصرف بشكل أكثر ذكاءً.

صحيح أن الشركتين في غاية الاختلاف لدرجة أن دمج تقنيتيهما للمركبات التي تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي ستحقق منافع محدودة. إلا أن تقليص المنافسة لن يفيد العميل، وكما اكتشفت “تويوتا” من خلال مشكلات اختبارات الأمان في “دايهاتسو”، فالتقارب أكثر من اللازم محفوف بالمخاطر.

لكن الخطر الأكبر قد يكمن في الانتظار أكثر من اللازم قبل توحيد الجهود، فكلتا الشركتين، “هوندا” و”نيسان”، تشتهران بمركباتهما التي تعمل بالوقود عالي الأوكتان، مثل طرازي “هوندا إن إس إكس” (NSX) أو “نيسان جي تي-آر” (GT-R)، وعندما يتعلق الأمر بالتعاون، عليهما التحرك بسرعة أكبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى