اقتصاد خليجي

حوادث المرور تتراجع في السعودية وأسعار التأمين ترتفع

على رغم وجود أنظمة واضحة تحمي المنافسة بين الشركات داخل السعودية وتتصدى لآفة الاحتكار التي تؤثر في مصلحة المستهلك، إلا أن الأسابيع الماضية شهدت تصاعداً متزامناً لأسعار مركبات السيارات في ما يشبه التنسيق الضمني بين مزودي الخدمات، ما عده مراقبون سلوكاً احتكارياً. أثارت هذه الزيادة استياءً بين السعوديين بسبب أن تأمين المركبات سلعة أساسية إجبارية تبعاً لقانون المرور السعودي، الذي جعل ضبط مخالفات عدم سريانه آلياً ويعاقب بغرامة مالية لا تزيد على 150 ريالاً (39 دولاراً).تتزامن هذه الزيادة التي تبررها الشركات بارتفاع الخسائر من تعويضات التأمين على الحوادث، مع تقارير رسمية تقول بأن الحوادث المرورية تشهد انخفاضاً ملحوظاً خلال السنوات الماضية.
الأسعار:- وقبل تفنيد الأسباب يجب استعراض أسعار التأمين والمستويات التي وصلت إليها، فبين عشية وضحاها لمس المواطنون قفزات قياسية في قطاع التأمين على المركبات، مثل تلك التي حكى عنها خالد السعيد، وهو مواطن تحدثت معه «اندبندنت عربية»، عندما قرر تجديد وثيقة تأمين سيارته التي يمتلكها منذ ثلاث سنوات ليكتشف أن السعر الذي كان لا يتجاوز 600 ريال (159 دولاراً) خلال السنوات الماضية بات يناهز 1240 ريالاً (332 دولاراً).
احتكار العرض أو البيع يعني السيطرة من قبل شركة أو شخص أو مجموعة على إنتاج سلعة، ومن ثم التحكم في حركة سعرها، كما يعد توحيد الأسعار جريمة في دول العالم المختلفة حينما يقوم مجموعة من رجال الأعمال بالاتفاق على رفع سعر السلعة الضرورية بشكل موحد ويكون فوق المعتاد غالباً.
التسعيرة الاكتوارية:- اتفق ممثلو شركات التأمين والمتخصصين على أسباب محددة أدت لرفع أسعار وثائق التأمين رافضين تهم الاحتكار، وأن السبب الرئيس للارتفاع جاء نتيجة الخسائر التي تتعرض لها شركات التأمين سواءً في السيارات أو التأمين الصحي. وكانت زيادة نسبة الحوادث المرورية البسيطة التي لا تؤدي إلى الوفاة أحد أهم الأسباب إلى جانب ارتفاع معدل الدفع مقابل الإصلاحات وزيادة أسعار قطع الغيار.
وتستند تعريفات التأمين على السيارات في السعودية على «التسعيرة الاكتوارية»، ويعني أن التعريفات الحالية للتأمين على السيارات تحسب بطريقة رياضية، وهي لا تعكس فقط وتيرة وشدة الحوادث المرورية، بل التكاليف المرتفعة في ما يتعلق بنفقات التوظيف والتنظيم والضرائب وغيرها من النفقات التشغيلية التي لا يمكن تجنبها.
وعن طريقة حساب تكلفة التأمين تستخدم الشركات عديداً من العوامل، وذلك بناءً على الفرد وقيادته، إضافة إلى نوع السيارة وطرازها وسعرها في السوق. في المقابل، لا تنخفض التعرفة في حال خلو سجل الفرد المروري من أي مخالفات أو حوادث، الأمر الذي لم نجد له إجابات لدى شركات التأمين.
في هذا الخصوص، برر أمير السنان، الرئيس التنفيذي الفني لشركة الاتحاد للتأمين التعاوني، ارتفاع الأسعار جراء خسارة القطاع خلال الأزمات الماضية، وأضاف «واجه القطاع ضغوطًا بسب الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالعالم، كما يواجه القطاع تحديات ومخاطر كبيرة تتسبب في تذبذبات حادة في نتائجه المالية».
وأضاف «الأسعار السابقة غير عادلة وتسببت في خسائر متراكمة للشركات على مر السنوات»، مشيراً إلى أن شركات التأمين لا تبالغ في تقدير أسعارها والدليل «مايواجهه بعضها من خسائر معلنة أو أرباح متدنية مقارنة مع شركات القطاع في دول أخرى». وبحسب تقرير البنك المركزي لقطاع التأمين في الربع الثالث من عام 2022، فقد بلغت المطالبات المتكبدة في التأمين على المركبات 6.2 مليار ريال (1.65 مليار دولار) وهو ما يمثل معدل خسائر بنسبة 82.5 في المئة. انخفاض الحوادث:- وكانت وزارة الداخلية السعودية قد نشرت في تقرير العام الماضي، تؤكد فيه انخفاض أعداد الحوادث الجسيمة خلال السنوات الماضية بنسبة 34 في المئة، ومعها انخفضت أعداد الوفيات المرورية بنسبة 51 في المئة، فقد كانت سابقاً 28 وفاة لكل 100 ألف نسمة، لتصبح أخيراً 13.5 وفاة لكل 100 ألف نسمة. عد مراقبون هذا التقرير دليلاً على عدم دقة الحجج التي تبرر الزيادة بارتفاع الحوادث، وهو ما رد عليه السنان بالقول «الحوادث المرورية المسببة للوفاة قد انخفضت فعلاً، لكن الحوادث البسيطة التي تتطلب تعويضاً من شركات التأمين قد ارتفعت بشكل كبير، فللازدحام المروري في منطقة الرياض تأثيرات سلبية في القطاع».
وأشار الرئيس التنفيذي الفني لشركة «الاتحاد للتأمين التعاوني»، لتوفر فرص اختيار تأمين مناسب عبر مقارنة الأسعار، فقد أصبحت المنصات والمواقع الإلكترونية بمثابة مستشار لتوفير الأموال قبل التسوق، حيث يمكنه مقارنة الأسعار التي تقدم من شركات التأمين واختيار السعر الأنسب. العزوف عن التأمين:- وسجل الاقتصاد السعودي أداء جيداً العام الماضي على رغم تقلبات الاقتصاد العالمي، لا سيما مع ارتفاع أسعار النفط وتحقيق الميزانية فائضاً لأول مرة منذ سنوات، ما انعكس على مختلف الأنشطة الاقتصادية ومنها التأمين. فبحسب تقرير البنك المركزي السعودي، بلغ صافي دخل شركات التأمين 449.7 مليون ريال (119.6 مليون دولار) خلال الربع الثالث من عام 2022 مقابل صافي خسارة قدرها 6.9 مليون ريال (حوالى 266 ألف دولار) للربع الثالث من عام 2021. وارتفع إجمالي أقساط التأمين في السعودية ليصل إلى 13 مليار ريال (حوالى 3.46 مليار دولار) في الربع الثالث من 2022 مقابل 9.9 مليار (2.64 مليار دولار) في الربع المماثل من 2021. ووفقاً للتقرير ذاته، فقد سجلت معظم فئات التأمين نمواً، حيث تصدر قطاع السيارات والقطاع الطبي القائمة بأكبر مساهمات لهما بنسبة 78 في المئة، و66 في المئة من إجمالي أرباح الاكتتاب وصافي دخل الاكتتاب على التوالي خلال التسعة أشهر الأولى من 2022. وقد صرح متحدث التأمين في عدد من المقابلات بأن نصف قائدي المركبات في السعودية يقودون من دون تأمين، وأشار وليد الحميد المستشار وخبير التأمين أن «الارتفاع المهول في الأسعار سيتسبب في إثقال كاهل السائق وعزوف البعض عن التأمين بدلاً من تشجيعه على ذلك، وسنشاهد خلال الأيام المقبلة زيادة في أرقام عدم التأمين».
أمام كل ذلك التزم البنك المركزي الصمت، على رغم كونه المسؤول الأول في الإشراف والرقابة على قطاع التأمين، وغاب صوت جمعية حماية المستهلك للإجابة عن أي استفسار على رغم محاولات «اندبندنت عربية» التواصل معها.
وتبني شركات التأمين نماذج أعمالها حول افتراض المخاطر وتنويعها، إذ يتضمن نموذج التأمين الأساسي تجميع المخاطر من الأفراد الدافعين وإعادة توزيعها عبر محفظة أكبر، وتحقق معظم شركات التأمين إيراداتها بفرض أقساط مقابل تغطية تأمينية، ثم إعادة استثمار تلك الأقساط في أصول أخرى مدرة للفوائد مثل جميع الشركات الخاصة.
هيئة التأمين:- وفي هذا السياق يعد قطاع التأمين عنصراً مهماً في اقتصادات الدول، إذ يقلل من المخاطر ويعوض المتضررين، مما يؤدي إلى تطور النشاط الاقتصادي. ولا تزال السوق السعودية بحاجة إلى مزيد من الشركات، فقد بلغ عدد العاملين في القطاع 28 شركة، بعد اندماجات ألغت وجود «سوليدرتي، ومتلايف، والأهلي، والأهلية» وإيقاف شركة، وإلغاء إدراج شركتين أخريين. وتعترف السعودية أن القطاع لم يصل إلى الطموح ويحتاج إلى كيانات قوية قادرة على التوسع، فقد صرح وزير المالية السعودية محمد الجدعان، في 28 سبتمبر (أيلول) الماضي، أن بلاده تنوي إنشاء هيئة جديدة لقطاع التأمين، وقد وصل إسهام تأمين المركبات في الناتج المحلي الإجمالي السعودي إلى 0.32 في المئة عام 2020.
وأشار الكاتب الاقتصادي سليمان العساف، أنه من المتوقع على المدى المتوسط والبعيد أن تسهم برامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي المتعددة في دعم البنية التشريعية والقانونية لقطاع التأمين، مضيفاً «إنشاء هيئة متخصصة بالتأمين، سيسهم في تنظيم القطاع بصورة أفضل ويعمق حجم السوق».

وأضاف قطاع التأمين قطاع خدمي لا يحتاج لبناء أصول أو إنشاء بنية تحتية معقدة، بل يعتمد على كيفية إدارة المخاطر وإدارة السيولة المالية المتوفرة في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى