منوعات اقتصادية

أداني جروب .. ما القصة وراء محو 72 مليار دولار من قيمة إحدى أكبر الشركات الهندية؟

«أداني جروب» إحدى أشهر الشركات الهندية على مستوى العالم واجهت كابوسا لم يتوقف حتى وقتنا هذا بعد أن خسرت المجموعة نحو 72 مليار دولار من قيمتها السوقية في غضون أيام، وأثارت زوبعة في أسواق المال الهندية وتهدد مصير طرح ثانوي قياسي لأبرز شركات المجموعة «أداني انتربرايسيز» البالغة قيمته 2.45 مليار دولار، فيما دفع التراجع بمالك المجموعة وأغنى رجل في آسيا «غوتام أداني» من المركز الثالث بين أثرياء العالم إلى المركز السابع. ​​ جملة من الاتهامات:- القصة بدأت من الولايات المتحدة، حيث أصدرت مجموعة «هيندنبورج للأبحاث» ومقرها نيويورك المتخصصة في نشاط بيع الأسهم على المكشوف تقريرا الأسبوع الماضي قالت إن إعداده استغرق عامين واتهمت فيه الشركة بالتورط في تلاعب فاضح في الأسهم واحتيال محاسبي، وأثارت شكوكا عميقة بشأن ديونها وقيمة أسهمها واستخدامها لملاذات ضريبية خارجية. وقالت «هيندنبورج» إن الشركات الرئيسية في مجموعة «أداني» لديها ديون كبيرة، ما يجعل المجموعة بكاملها في وضع مالي غير مستقر. وأشارت إلى أن خمس من بين سبع شركات رئيسية مدرجة لأداني أعلنت عن «نسبة التداول، وهو مقياس للأصول السائلة مطروحا منها الخصوم قصيرة الأجل، يقل عن واحد، ما يشير إلى ارتفاع مخاطر السيولة في الأمد القصير».
كما هاجمت تقييمات أسهم المجموعة إذ قالت إن «التقييمات شديدة الارتفاع» دفعت أسعار أسهم سبع شركات مدرجة لأداني ما يصل إلى 85 في المائة فوق قيمتها الفعلية استنادا إلى العوامل الأساسية. كما اتهم التقرير «أداني» باستخدام غير لائق للملاذات الضريبية الخارجية.
قال التقرير إن المجموعة استخدمت كيانات خارجية في ملاذات ضريبية مثل موريشيوس وجزر الكاريبي، مضيفا أن بعض الصناديق الخارجية والشركات الوهمية (shell companies) المرتبطة بالمجموعة الهندية تمتلك «بشكل سري» أسهما في الشركات المدرجة التابعة «لأداني».
وأشارت «هيندنبورج» إلى أنها تحوز مراكز «مدينة» في مجموعة «أداني» عبر سنداتها المتداولة في الولايات المتحدة وأدوات مشتقات غير هندية متداولة.
وسرعان ما ردت المجموعة بالقول إنها تقيم اتخاذ إجراءات «إصلاحية وعقابية» ضد الشركة الأمريكية واصفة التقرير بأنه «مؤذ على نحو خبيث ويعوزه البحث. لكن «هيندنبورج» ردت بالقول إنها ستطلب وثائق في عملية استكشاف قانونية إذا أقامت المجموعة الهندية دعوى قضائية في الولايات المتحدة.
تقرير موثوق:- تسبب التقرير في صدى واسع دافعا أسهم المجموعة لتهوي 20 في المائة، ولكنه لقي دعما من كثيرين بينهم الملياردير الأمريكي المستثمر «بيل أكمان» الذي قال إن التقرير «موثوق للغاية ومبني على بحث بشكل جيد للغاية». من جانبها قالت مجموعة «إم.إس.سي.آي» للمؤشرات إنها طلبت تعقيبا من مجموعة مشاركين في السوق بشأن «أداني» والأسهم المرتبطة بها وإنها تتابع عن كثب العوامل التي ربما تؤثر على «أهلية الأسهم المرتبطة» في مؤشراتها. وهناك ما لا يقل عن ست شركات من مجموعة أداني مدرجة في مؤشرات «إم.إٍس.سي.آي» بوزن إجمالي يصل إلى 4.31 في المائة.
بنك الاستثمار الأمريكي «جيه.بي مورجان» قال إنه بينما ركز تقرير «هيندنبورج» بشكل أساسي على تقييمات الأسهم داخل المجموعة، فإننا «نشعر بالقلق بشكل أساسي حيال الملف الائتماني الأساسي لشركات المجموعة مع الأخذ في الاعتبار الانكشاف المصرفي».
وقت شديد الحساسية:- التقرير جاء في وقت شديد الحساسية «لأداني» التي تحركت لتدشين طرح ثانوي لشركتها التابعة «أداني انتربرايسيز» للمستثمرين من الأفراد والمؤسسات.
وبلغت طلبات الاكتتاب واحدا في المائة فقط من قيمة الإصدار، في الوقت الذي تراجعت فيه أسهم الشركة 11 في المائة دون الحد الأدنى لسعر الطرح، ما يثير شكوكا بشأن مضيه قدما.
«أداني» من جانبها أكدت أن بيع الأسهم سيمضي في مساره بسعر الطرح المزمع، حتى في الوقت الذي قالت فيه مصادر إن مصرفيين في أكبر بيع أسهم ثانوي في البلاد يدرسون تمديد الجدول الزمني بعد 31 يناير أو تعديل السعر بسبب تراجع سعر سهم الشركة. وتأسست الشركة عام 1988 وبدأت عملها في تجارة السلع الأولية. وارتفعت بعض أسهم مجموعة «أداني» ما يزيد على 1500 في المائة في السنوات الثلاث الماضية في ظل توسع ضخم في الأنشطة التي تشمل الموانئ، وتوليد الطاقة، والمطارات، والتعدين.
ونوعت الشركة نشاطها مقتحمة قطاعات جديدة في السنوات الماضية منها صناعة الأسمنت والإعلام، حيث استحوذت على شركات الأسمنت «إيه.سي.سي» و»أمبوجا سيمنتس» من هولسيم السويسرية مقابل 10.5 مليار دولار.
ووفقا لتقديرات «سي.إل.إس.إيه» لأسواق المال والاستثمار الهندية فإن البنوك الهندية منكشفة على نحو 40 في المائة من ديون «مجموعة أداني» البالغة تريليوني روبية (24.53 مليار دولار) في السنة المالية المنتهية في مارس 2022. رد الفعل:- لم يقتصر رد فعل المجموعة على استنكار التقرير والتهديد بدعوى قضائية، بل إنها أصدرت يوم الأحد تقريرا تفصيليا مؤلفا من 413 صفحة قالت فيه إنها تلتزم بجميع القوانين المحلية وقدمت جميع الإفصاحات التنظيمية الضرورية. وقالت إن تقرير «هيندنبورج» كان يهدف لتمكين شركة البيع على المكشوف الأمريكية من تحقيق مكاسب لكنها لم تقدم أدلة على ذلك.
وقالت أيضا إن ما سمته «بالمزاعم» ليست مجرد هجوم غير مبرر على أي شركة بعينها، بل هجوم محسوب على الهند واستقلال ونزاهة وجودة المؤسسات الهندية وقصة نمو الهند وطموحها.
وأضافت «أداني» عن تعاملاتها مع كيانات أخرى مرتبطة بالقول إن «جميع المعاملات التي أبرمتها مع الكيانات المؤهلة باعتبارها «أطرافا ذات صلة» بموجب القوانين الهندية ومعايير المحاسبة تم الإفصاح عنها.
واتهمت تقرير «هيندنبورج» بأنه «مفعم بتضارب المصالح ويهدف إلى خلق سوق مزيفة للأوراق المالية لتمكين هيندنبورج من تحقيق مكاسب مالية ضخمة من خلال وسائل غير مشروعة على حساب عدد لا يحصى من المستثمرين».
وقالت «أداني» إن التقرير البحثي قدم «ادعاءات مضللة حول كيانات خارجية» دون أن يسوق أي دليل على الإطلاق. وفي شأن «ارتفاع الديون»، قالت «أداني» إنه على مدى العقد الماضي كانت ديون مجموعة شركاتها تنخفض بشكل مستمر.
وفي سياق دفاعها عن ممارساتها المتعلقة بحصص الممولين أو المساهمين الرئيسيين المؤسسين، قالت المجموعة إن جمع التمويل مقابل الأسهم كضمان ممارسة شائعة على مستوى العالم، وإن القروض التي حصلت عليها مقدمة من بنوك ومؤسسات كبيرة على خلفية تحليل ائتماني شامل. ودافعت المجموعة عن نظام الإفصاح في الهند واصفة إياه «بالقوي» وقالت إن مراكز تعهدات المساهمين الرئيسيين عبر محفظة الشركات انخفضت، ما يزيد على 50 في المائة في مارس 2020 في بعض الأسهم المدرجة إلى ما يقل عن 20 في المائة في ديسمبر 2022. وتضمن رد «أداني» أكثر من 350 صفحة من الملاحق التي تضمنت أجزاء من التقارير السنوية والإفصاحات العامة وأحكام المحاكم السابقة.وقالت «أداني» إن «هيندنبورج» طلبت الإجابة عن 88 سؤالا في تقريرها، لكن 65 منها مرتبط بمسائل أفصحت عنها مجموعة شركاتها في تقاريرها السنوية. وقالت «أداني» إن البقية تتعلق بمساهمين من الجهات العامة وأطراف ثالثة، وبعضها «مزاعم لا أساس لها تستند إلى أنماط حقائق متخيلة».

 

من هو «غوتام أداني»

 

 

 

كان لتقرير «هيندنبورج» تأثير مزلزل على مالك المجموعة ومؤسسها «غوتام أداني»، إذ أدت الخسائر السوقية التي تكبدتها أسهم مجموعة شركاته إلى تراجع ترتيبه من ثالث أغنى رجل في العالم ليحتل المرتبة السابعة فحسب في قائمة فوربس للأثرياء.

 

ينتمي «غوتام» إلى ولاية جوجارات الهندية وهو معروف بأنه رجل عصامي بنى إمبراطوريته من الصفر وبدأها بتجارة السلع الأولية. والولاية التي جاء منها غوتام هي مسقط رأس رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي». وتقول تقارير إن الإثنين يتمتعان بعلاقة مميزة كانت دائما مثار جدل من معارضي مودي.

 

توسع نشاط «غوتام» ليشمل الموانئ وتوليد الطاقة والمطارات والتعدين وزيوت الطعام والطاقة المتجددة والإعلام والأسمنت وتقدم ليصبح ثالث أغنى شخص في العالم، وفقا لمجلة فوريس بثروة صافية قدرها 127 مليار دولار بعد «برنارد أرنو» الفرنسي والأمريكي «إيلون ماسك».

 

و»غوتام» البالغ من العمر 60 عاما جاء من نسيج الطبقة المتوسطة، وكان أقل شهرة بكثير من المليارديرات الآخرين في بلد يرث الكثيرون فيه ثرواتهم. وهو متزوج من طبيبة أسنان ولديه ولدان وكلاهما يعملان معه في مجموعة شركاته.

 

في السنوات الأخيرة، اجتذبت المجموعة البالغ حجمها 220 مليار دولار استثمارات أجنبية. فقد أبرمت «توتال إنرجيز» الفرنسية شراكة مع «أداني» العام الماضي لتطوير أكبر نظام للهيدروجين الأخضر في العالم.

 

ويقول مراقبون إن «غوتام» اتخذ في السنوات الأخيرة نهجا استباقيا في بناء صورته العامة، حيث أجرى مقابلات مع العديد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، كان أبرزها ظهوره في برنامج تلفزيوني هندي شهير يسمي «محكمة الشعب» أو (People›s Court)، حيث جلس «أداني» فيما يشبه محكمة وأجاب على أسئلة حول مجموعته مقدما مستوى غير مسبوق من التدقيق.

 

ووصف حينذاك نفسه بأنه شخص خجول وأرجع ارتفاع شعبيته جزئيا إلى الهجمات السياسية التي واجهها.

 

تخضع علاقة «أداني» برئيس الوزراء لانتقادات منها استخدام «مودي» لطائرات شركة «أداني» وهو ما رد عليه «أداني» بأنه استخدام بمقابل سدده رئيس الوزراء بالكامل. واستهدف رئيس حزب المؤتمر المعارض «راهول غاندي» الملياردير الهندي في انتخابات 2014 منتقدا علاقته بمودي وزاعما أنه يحصل من ورائها على تفضيلات.

 

والأزمة التي يواجهها «أداني» هذه المرة ليست بتحد جديد. فقد واجه احتجاجا للصيادين على بناء ميناء بقيمة 900 مليون دولار في ولاية كيرالا جنوب الهند، حيث أقام دعوى قضائية ضد حكومة الولاية وقادة الصيادين. وفي أستراليا، احتج نشطاء البيئة لسنوات على مشروع منجم «كارمايكل» للفحم التابع لشركة «أداني» في كوينزلاند بسبب مخاوف من ضرر بيئي.

 

وقال «أداني» لتلفزيون «الهند اليوم» في ديسمبر إن الأشخاص الذين يثيرون تساؤلات بشأن ديون المجموعة لم يفحصوا بعمق بياناتها المالية، ولم يذكر إلى من يشير بحديثه.

 

ومع اندلاع أزمة انخفاض أسهم شركاته في بورصات مومباي لم يختف أداني، بل إنه شوهد متوجها إلى اجتماع في مكتب وزير الطاقة الاتحادي في نيودلهي.

 

وتقول مجموعة «جيفريز» الأمريكية للاستثمار إن إجمالي الدين المجمع للمجموعة يبلغ 23.34 مليار دولار، وقالت المجموعة مرارا إن قروضها تحت السيطرة ولم يبد أي من مستثمريها مخاوف في هذا الشأن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى