اقتصاد خليجي

لماذا تهجر الشركات والبنوك العالمية “كناري وارف” في لندن؟

تهجر اليوم الشركات العالمية وكبرى البنوك “كناري وارف” أحد أشهر منطقة للمال والأعمال في لندن، التي تعج بالأبراج وناطحات السحاب المغطاة بمئات الآلاف من الألواح الزجاجية وتضم مقار كبرى الشركات العاملة في القطاع المالي والمصرفي، لتحل محلها الحانات والمطاعم ومراكز الترفيه فهل هي حقبة ما بعد كورونا؟.

اليوم تتجه الشركات والبنوك إلى تقليص مساحات مكاتبها وبخاصة مع مزيد من التبني لاستراتيجيات العمل من المنزل، والتي أثبتت جدواها وبخاصة في العاصمة البريطانية، مع تبني مزيد من الشركات للبناء الأخضر بعيداً من كتل الأسمنت الشاهقة.

وبالعودة إلى تاريخ تشييد المنطقة، أنشأت أواخر الثمانينيات على أرض كانت سابقاً جزءاً من الميناء النهري للمدينة ومعنى كلمة “وارف” رصيف السفن، وتسمى نواحي “كناري وارف” بأرض المراسي “دوكلندز” في مدينة لندن في بداية التسعينيات. وكما حدث في الثمانينيات، بدعم من رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك مارغريت تاتشر، تم تحويل موقع دوكلاندز المهجور إلى الحي المالي الثاني في لندن، كان على كناري وارف إعادة اختراع نفسها مرة أخرى.

ويتذكر أولئك الذين عملوا في “كناري وارف” عندما شيدت المباني الأولى في بداية التسعينيات متجر” تيسكو” الصغير للبقالة، ومحلات بيع الصحف والقليل من الأشياء الأخرى بما فيها مطعم تشيكيتو المكسيكي، الذي كان نقطة جذب النجوم آنذاك.

ولكن في السنوات الأخيرة، وتحت قيادة شوبي خان الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة “كناري وارف” في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، حاولت المنطقة الابتعاد عن جذورها في الخدمات المالية.

كانت الشركات أو البنوك الأولى التي تحركت شرقاً من المدينة نحو المنطقة هي “سيتي غروب” و”أتش أس بي سي” و”مورغان ستانلي” و”كريديت سويس” الذي انهار، أخيراً، واشترى بنك “أتش أس بي سي” فرعه في بريطانيا مقابل جنيه استرليني  (واحد 1.27 دولار)، بينما استحوذ بنك “يو بي أس” سيستحوذ على “كرديت سويس” الشركة الأم في صفقة جمعت بين أكبر بنكين في سويسرا. وسرعان ما تبعهم آخرون، بما في ذلك “ليمان براذورز” و”كليفورد تشانس” وشركة “ماجيك سيركل” للمحاماة.

في هذا الصدد يشير المتخصص في الشؤون الاقتصادية صالح طربية إلى أن تداعيات “بريكست“، والتطورات في الأسواق، أدخلت منطقة “كناري وارف” في مأزق مع هجرة الشركات، إلى وسط لندن، إضافة إلى أنه ومنذ عدة سنوات حتى الآن لا تريد منطقة المال والأعمال أن ينظر إليها على أنها مركز للمصرفيين والمحامين وغيرهم من صانعي الصفقات، وهو عمل جيد لكنه ليس كذلك بشكل متزايد.

الانشقاقات وحقبة ما بعد كورونا

في حين أثارت التخارجات تساؤلات حول مستقبل منطقة المال والأعمال العريقة في بريطانيا، قال أحد وكلاء تأجير مكاتب لندن لصحيفة “التايمز”، “إنه أمر غريب” فالمنطقة بصراحة واحدة من أغنى المناطق في لندن من حيث وسائل الراحة اليوم وهي متصلة جيداً بشكل كبير”.

فيما الآخرون في الصناعة أقل دهشة، كما أوضح أحد المستشارين العقاريين، “فالألواح الزجاجية الكبيرة” التي تشتهر بها “كناري وارف” لم تعد ما تسعى إليه معظم الشركات، لا سيما في عالم ما بعد الوباء، فالكل يبحث عما هو “أصغر ولكن أفضل” وهي الطريقة التي وصف بها وكيل تأجير آخر اتجاه ما بعد الجائحة في المكاتب، إذ يقوم بنك “أتش أس بي سي” بتخفيض حجم مكتبه إلى النصف، بينما تقوم شركة “كليفورد تشانس” أيضاً بالتخلص من قدر كبير من المساحة.

في الوقت ذاته أشار المتخصص صالح طربية إلى أن العمل من المنزل أدى إلى جعل الشركات تعيد التفكير في بصماتها العقارية، في حين بدأ معظمها في التكيف مع حاجات ورغبات موظفيها، لا سيما مع سوق الوظائف شديد التنافس على مدار العامين الماضيين.

هذا، إلى جانب الالتزامات البيئية الملحة، التي دفعت عديداً من الشركات إلى البحث عن أكثر المكاتب حداثة وخضرة، والتي يسعدون بدفع دولارات أعلى مقابلها، في حين تظهر الأبحاث التي أجرتها “جونز لانغ لاسال”، وهي شركة عقارية، أن المكاتب “الخضراء” تحقق إيجارات “أعلى بشكل ملحوظ” من الكتل القديمة.

وبالنظر إلى المباني المشيدة في “كناري وارف” فإن عديداً منها عمرها الآن عقود وتتطلب بعض الجهد لترقيتها إلى المعايير الحديثة. ويعتزم بنك “وول ستريت – سيتي” إلى البقاء في موقعه في “كناري وارف”، لكنه ينفق ما يقدر بـ100 مليون جنيه استرليني (127 مليون دولار) لتجديد ناطحة السحاب التي يستأجرها والمكونة من 42 طابقاً على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

أكثر من مجرد مركز للخدمات المالية 

حتى قبل الوباء، بدا أن مجموعة “كناري وارف”، المملوكة لجهاز قطر للاستثمار و”بروكفيلد” الكندية لإدارة الأصول، تدرك أنها في حاجة إلى أن تكون أكثر من مجرد مركز للخدمات المالية.

لذلك بدأ سعيها للتطور والتكيف في عام 2015، عندما بدأت في التطوير وقامت منذ ذلك الحين ببناء مئات الشقق هناك، مما رفع عدد السكان المحليين من صفر إلى 3500 في ثلاث سنوات بحسب الصحيفة.

تعرضت شقق الإيجار لانتقادات من البعض بسبب ارتفاع الأسعار، إذ تبدأ أسعار الأستوديوهات من 2300 جنيه استرليني (2922 دولاراً) شهرياً، فيما تجاوز إيجار شقة مكونة من ثلاث غرف نوم ثمانية آلاف جنيه استرليني (10165 دولاراً) في الشهر، كما أن هناك عديداً من الشقق المخطط لها بوجود 2.4 مليون قدم مربع من المساحة قيد الإنشاء في المنطقة، ثلاثة أرباعها مخصصة للسكن.

تراجع الدخل من تأجير المكاتب 

في حين كان جلب مطاعم وبارات جديدة هدفاً رئيساً لخان وفريقه، فقبل الوباء، كان هناك 30 مقهى وباراً ومطعماً، لكن ذلك زاد منذ ذلك الحين إلى 70، وقبل 20 عاماً، كان 95 في المئة من دخل إيجارات “كناري وارف” يأتي من مستأجري مكاتب وخمسة في المئة فقط من المتاجر، وعلى رغم أن دخلها لا يزال يميل نحو مكاتبها، وهذا أمر مفهوم، لكنه انخفض، فاليوم 74 في المئة من دخل مجموعة “كناري وارف” مصدره الإيجارات، التي تأتي من مستأجري المكاتب و18 في المئة من تجارة التجزئة والترفيه، وثمانية في المئة من أعمالها السكنية المتنامية.

كما بدأ العمل في تحويل قطعة أرض مهجورة تبلغ مساحتها ثمانية أفدنة، بجوار محطة إليزابيث لاين الجديدة، إلى مبنى تجاري من 22 طابقاً بقيمة 500 مليون جنيه استرليني (635.32 مليون دولار)، الذي سيكون الأكبر في أوروبا عند افتتاحه في عام 2026، وهذه هي المرحلة التالية من خططه لتحويل “كناري وارف” إلى “مجموعة علوم الصحة والحياة الرائدة عالمياً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى