اقتصاد دولي

هل تتراجع أسعار العقارات في الخرطوم بعد الحرب؟

على مدى أعوام طويلة عرفت العقارات في السودان عامة وفي العاصمة الخرطوم بخاصة بارتفاع أسعارها، إذ يتم احتساب قيمة العقار أو الأرض بالمتر المربع، حيث بلغ سعره داخل المناطق التي تسمى بالراقية في الخرطوم، مثل حي المنشية والرياض والمطار قبل اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الـ 15 من أبريل (نيسان) الماضي إلى ما بين 900 و1300 دولار للمتر المربع، فيما تجاوزت بعض أسعار أراضي الأحياء داخل الخرطوم الـ 140 ألف دولار أميركي، كما وصلت أسعار بعض العقارات مثل العمارات السكنية والبيوت إلى مليون دولار، فما هي الأسباب التي جعلت عقارات الخرطوم الأغلى في المنطقة؟ وهل ستحافظ على أسعارها أم ستتراجع بعد توقف الحرب؟

ارتفاع الكلفة

ويرى صاحب الشركة الهندسية في الخرطوم محمد إبراهيم أن “أسعار العقارات في السودان تعتمد على عوامل عدة، أبرزها الموقع الاستراتيجي وطريقة البناء ووقوع المبنى في منطقة حيوية مع جودة البناء والتصميم، وتتراوح الأسعار في الخرطوم قبل الحرب من نصف مليون إلى 1.5 مليون دولار، كما أن ارتفاع الطلب على المناطق السكينة الآمنة والمميزة من حيث الخدمات والمواد المستخدمة في البناء وحتى طريقة تشطيب المبنى التي تتم من طريق مهندسين مميزين، إضافة إلى سعر الدولار وعدم ثبوته وارتفاعه المستمر أمام الجنيه، كلها عوامل تؤثر في قيمة العقار، لا سيما وأن مواد البناء والتشطيب يتم استيرادها من الخارج كالصين ومصر”.

ويتابع إبراهيم أن “الأسعار منطقية وإلا لما وجدنا إقبالاً كبيراً على المباني في المناطق الراقية التي يتم عرض الأراضي السكينة فيها بآلاف الدولارات”.

ما بعد الحرب

وأثرت الحرب في الخرطوم على تسعيرة الأراضي والمنازل في العاصمة وحولت غالبية المناطق الحيوية والاستراتيجية إلى منطقة نزاع وعمليات، بخاصة أن القيادة العامة للجيش السوداني تقع في قلب العاصمة وقرب غالبية تلك الأحياء الراقية، وفي هذا الصدد يقول الباحث والمحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي إن “مدينة الخرطوم الآن تعاني عدم الاستقرار الأمني، بل تجاوزت ذلك بأن تكون فيها حرب مدن دخلت فيها أسلحة ثقيلة وخفيفة وطيران حربي ومضادات للطيران بما أثر في استقرار العاصمة، وأثبتت التجربة أن غالبية العقارات المميزة تقع قرب مناطق عسكرية واستراتيجية ومرافق حكومية، وهي الآن مناطق نزاع بين الجيش وقوات الدعم، وبطبيعة الحال فقد زعزعت الحروب المحتدمة استقرار الأسر التي أجبرت على النزوح داخلياً أو بات أفرادها لاجئين خارج بلادهم تاركين ممتلكاتهم”.

وعن أسعار العقارات في الخرطوم بعد الحرب يقول فتحي إن “أسعار الأراضي في الخرطوم أصبحت منخفضة لاحتدام المعارك، وباتت العقارات من دون قيمة لأنها تقع في منطقة صراع، وحتى بعد الحرب فإن أسعار العقارات في الخرطوم ستنخفض انخفاضاً كبيراً وتتساوى مع كثير من مدن دول الجوار والإقليم”.

وعن أسباب ارتفاع أسعار العقارات هناك يقول فتحي إن “عقارات الخرطوم والسودان عموماً قيمتها فيها، وكثير من التجار لجأوا إليها وقد استسهلوا توفير أموالهم للمتاجرة في العقارات أو الأراضي بدلاً من الزراعة والتجارة، وبعد الحرب سنشهد انخفاضاً في الأسعار، كما قد نشهد ارتفاعاً في أسعار عقارات الولايات المجاورة للخرطوم”.

ويضيف فتحي، “من المؤكد أنه بعد الحرب ستتأثر الخدمات، فمن سيشتري منزلاً بمليارات الدولارات في بلد يفتقد أبسط المقومات الحياتية من كهرباء وماء؟ وبالتالي فإن مستقبل العقارات سيكون غامضاً وكأنه لعبة بيد التجار، إذ إن المشترين إما من التجار ويملكون أساساً منازل عدة ويشترونها لمجرد ادخار أموالهم في عقار أو للتجارة، أو أن المشترين من المغتربين”.

تذبذب القطاع

وشهدت فترة ما قبل الحرب موجة عرض كبيرة للعقارات في الخرطوم مما أدى إلى تفوق العرض على الطلب بنسب تصل إلى 20 في المئة، لاسيما في الأحياء الراقية وسط الخرطوم.

وفي سياق متصل يلفت فتحي إلى أن “قطاع العقارات يشهد اضطراباً منذ عام 2019، إذ إن هناك تراوحاً في البيع والشراء بين الركود والحركة نتيجة ارتفاع الأسعار غير المسبوق، ولذلك فإن أسعار العقارات ووضعها غير ثابت وغير مؤمّن من الحكومة، كما أنه لا دراسة حقيقية تحدد قيمة العقارات ولهذا أصبحت لعبة في أيدي التجار، ولا تتدخل الدولة إلا عند تحصيل الضرائب أو رفع الرسوم مما جعل نسبة كبيرة من المتعاملين في العقارات يتلاعبون في الأسعار بحسب رغباتهم، لذلك نجد أن المغترب الذي كان يقوم بالتوفير من دخله من أجل شراء عقار أصبح يستخدم معظم هذا الدخل لشراء مستلزمات معيشته اليومية نتيجة ارتفاع الأسعار”.

دول أخرى

وخلال الأعوام الأخيرة لجأ عدد كبير من السودانيين إلى شراء عقارات في بلدان أخرى يعتبر العقار فيها أرخص مثل مصر وتركيا، وبات أكثر من 15 ألف سوداني يملكون عقارات في تلك الدول.

وفي هذا الصدد يقول مستشار العقارات طه النعيم إن “لجوء السودانيين إلى شراء عقارات في دول أخرى أمر متوقع بخاصة وأن العقارات في هذه الدول أرخص، فضلاً عما تملكه تلك البلدان من مقومات كثيرة وسهولة في المعيشة عكس السودان حالياً، وبعد الظروف التي تشهدها البلاد أصبحت العقارات التي تم شراؤها بآلاف الدولارات من دون قيمة، لذلك يلجأ بعضهم إلى شراء منازل وشقق سكينة في بلدان تشهد استقراراً اقتصادياً وأمنياً، وإلا فالخسارة متوقعة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى