مقالات اقتصادية

الهند تكافح لملء فراغ خلفه رحيل الشركات من الصين

كتب أسامة صالح

تسعى الشركات متعددة الجنسيات التي ترغب في الحد من ضعفها الجيوسياسي، إلى إيجاد بدائل للصين، بحيث تتجنب الوقوع في فخ التجاذب والتوترات المتواصلة بين واشنطن وبكين.

الهند، خاصة بالنظر إلى التوسع الكبير في العام الماضي في إنتاج آيفون أبل المتطور، هي منافس واضح. فهي منخفضة التكلفة وتتحدث الإنجليزية ولديها سوق محلية كبيرة.

ويقدم رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، نفسه على أنه معولم متحمس، وقد وقع أو يتفاوض على اتفاقيات تجارية ثنائية مع الإمارات وأستراليا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. تهدف إلى استراتيجيته “اصنع في الهند” التي أطلقها في 2014، إلى تكرار النجاح الذي حققته عديد من دول شرق آسيا في إنشاء تصنيع قادر على المنافسة عالميا وانتشال الملايين من براثن الفقر.

لكن الواقع أقل إثارة للإعجاب. فقد كان لدى الهند بالفعل عدد من الفرص لاقتناص الإنتاج الصناعي المغادر للصين. وكان أداؤها سيئا، كما أن سياستها التجارية والاستثمارية تتراجع نحو التقاليد الهندية غير المفيدة، المتمثلة في الحمائية واستبدال الواردات.

ومهما كانت المحاولات التي يقوم بها جو بايدن لعزل الصين عن شبكات القيمة العالمية برمتها، فمن المرجح أن تشهد التجارة العالمية إعادة تشكيل بدلا من انفصال جذري ـ سجلت تجارة البضائع بين الولايات المتحدة والصين رقما قياسيا في العام الماضي بلغ 690.6 مليار دولار. وقد تتخذ الصين موقفا مختلفا في سلاسل توريد السلع العالمية، لكن حجمها وكفاءتها – ودورها كسوق استهلاكية ضخمة – يعني أنها ستستمر في الحضور.

لكن من غير المفيد أن الهند قلقة من التهديد التنافسي من الصين أكثر مما تغريها احتمالات القيام بدور أكبر في شبكة التوريد الآسيوية. فاتفاقية التجارة الإقليمية الشاملة للشراكة الاقتصادية التي تضم 15 دولة من آسيا والمحيط الهادئ، التي دخلت حيز التنفيذ العام الماضي، لم تتضمن تخفيضات جذرية شاملة في التعرفات الجمركية. لكنها ساعدت في تنسيق “قواعد المنشأ” الخاصة ببلدانها الأعضاء، التي تحدد عدد المدخلات المستوردة التي يمكن استخدامها في الصادرات – وهو التوافق الذي سيسهل اتخاذ قرارات مرنة بشأن الإنتاج والموقع.

لقد فكرت الهند التي كانت جماعات الضغط الصناعية فيها قلقة بشأن ضعفها جراء المنافسة الصينية، في الانضمام إلى اتفاقية التجارة الإقليمية الشاملة للشراكة الاقتصادية، لكنها أحجمت في النهاية.

وفضلت بدلا من ذلك تخيل أنها يمكن أن تنشئ سلاسل إمداد داخل الهند للتصدير إلى الأسواق الغنية، خاصة إلى أوروبا. ولهذه الغاية، تبنت حكومة مودي فلسفة “الهند المعتمدة على نفسها”. واستخدمت نفوذها للوصول إلى الطريقة المألوفة للسياسة الصناعية الهندية وسحبت سلسلة من الإعانات المحلية للصناعات المفضلة، من ضمنها الاتصالات والإلكترونيات والأدوية، إضافة إلى تعرفات أعلى لمنح الشركات الحماية من المنافسة الأجنبية.

لم تؤد محاولات الهند لبناء تصنيع تنافسي إلى إلهام الثقة. يشير آرفيند سوبرامانيان، وهو أكاديمي في جامعة براون في الولايات المتحدة وكبير المستشارين الاقتصاديين السابق للحكومة الهندية، إلى أنه قبل الصراع التجاري بين واشنطن وبكين كان ارتفاع التكاليف والأجور في الصين يوجد بدائل للتصنيع كثيف العمالة ويوجد الفرص لدول أخرى.

بحسب سوبرامانيان، خلال عقد أو نحو ذلك منذ الأزمة المالية العالمية، فقدت الصين نحو 150 مليار دولار من حصة السوق العالمية الخاصة بتصنيع البضائع كثيفة العمالة، لم تجتذب الهند منها أكثر من 10 في المائة. وعلى عكس الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض كفيتنام وبنجلادش، وحتى تركيا ذات الدخل المتوسط العالي التي توسعت فيها صناعات الملابس والإلكترونيات الموجهة للتصدير بشكل كبير فيها، انخفضت حصة التصنيع في الاقتصاد الهندي فعليا خلال تلك الفترة.

الملابس والأحذية، والسيراميك، والبضائع الجلدية، والأثاث – كلها صناعات عمالة كثيفة، على الهند أن تتخصص فيها. لكن رفع الرسوم الجمركية لإعاقة المدخلات المستوردة يعني أنها تكافح من أجل أن تكون قادرة على المنافسة في شبكات التوريد العالمية. فعندما بدأت الصين وفيتنام طفرة في تصدير المنسوجات والملابس، على التوالي في منتصف تسعينيات القرن الماضي ومنتصف العقد الممتد بين عامي 2000 و2010، شكلت المدخلات الأجنبية أكثر من 40 في المائة من صادراتهما. وبالنسبة للهند في 2015 كان الرقم المكافئ 16 في المائة فقط.

الهند تحاول أن تفعل أكثر من اللازم في الداخل، ما يعني أنها ليست قادرة على المنافسة بما يكفي لبيع ما يكفي في الخارج. يمكن لنيودلهي أن توقع اتفاقيات تجارية ثنائية مع الأسواق الغنية كأستراليا وربما المملكة المتحدة (والأرجح مع الاتحاد الأوروبي، حيث تجري المحادثات ببطء) بأي شكل تريد، لكن الشركات المحلية المحمية ستكافح من أجل المنافسة. علاوة على ذلك، حتى لو نجحت، فإن السياسة الصناعية لحكومة مودي تستهدف في المقام الأول قطاعات مثل الهواتف المحمولة والمستحضرات الصيدلانية، التي قد يكون لها قيمة مرموقة لكنها أكثر كثافة في رأس المال وتوجد عددا أقل من فرص العمل.

أما بالنسبة إلى إنتاج الآيفون الثمين في جنوب الهند، فإنه يواجه بداية صعبة. أفادت فاينانشيال تايمز أن المهندسين والمديرين يواجهون مشكلات في مراقبة الجودة والبنية التحتية والتعرفات والبيروقراطية – وكل هذا مألوف للمستثمرين في الهند.

أن تصف نفسك بالمعولم لا يجعلك كذلك. فمودي يبدو أكثر طموحا فيما يتعلق بالمنافسة في الاقتصاد العالمي مقارنة بعديد من أسلافه. لكن على الرغم من سياسة التصدير الخارجية التي تتبناها حكومته، إلا أنها لا تزال شديدة الحساسية تجاه التجارة ثنائية الاتجاه للاستفادة الكاملة من المساحة الهائلة في شبكات التوريد العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى