اقتصاد دولي

لماذا أصبح الاقتصاد البريطاني الأسوأ أداء بين الدول المتقدمة؟

أصر وزير الخزانة البريطاني جيريمي هنت، خلال مشاركته في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، على أنه «سيثبت خطأ توقعات الصندوق» في شأن انكماش الاقتصاد البريطاني هذا العام، وتقديره أنه الاقتصاد الأسوأ أداءً بين الدول الكبرى المتقدمة.
والتقطت ميكروفونات كاميرات شبكة «سكاي نيوز» حواراً بين مديرة الصندوق كريستالينا جورجيف وهنت، حين قالت له، «نأمل أن تثبت خطأنا»، فرد وزير الخزانة البريطاني، «إننا نركز على إثبات خطئكم»، وهذا هو أول اجتماع للبنك والصندوق يحضره جيريمي هنت منذ توليه وزارة الخزانة في الأيام الأخيرة لحكومة ليز تراس قبل استقالتها لينقذ الاقتصاد البريطاني من كارثة الميزانية التكميلية لها، التي أدت إلى فقدان الثقة في الاقتصاد البريطاني، واستمر هنت في وزارة الخزانة مع حكومة رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك. وفي مقابلة مع «سكاي نيوز»، بثتها أمس السبت، قال هنت إن الاقتصاد البريطاني سينمو بأفضل من توقعات الصندوق. وكان تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي»، الذي صدر هذا الأسبوع، قد توقع أن ينكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.3- في المئة هذا العام. وأضاف وزير الخزانة البريطاني، «مكتب مسؤولية الميزانية الذي يضع التوقعات الرسمية البريطانية لديه تقديرات أكثر تفاؤلاً (من تقديرات الصندوق)، فإذا سألتني أيهما أكثر احتمالاً، سأقول لك توقعات مكتب مراقبة الميزانية… عادة ما يضع صندوق النقد الدولي توقعات متدنية، ولست وحدي الذي يقول ذلك. فوزيرة الخزانة الأميركية قالت إنها أكثر تفاؤلاً من الصندوق بأداء الاقتصاد الأميركي».
الأرقام لا تساعد:- لكن الأرقام الرسمية التي صدرت عن مكتب الإحصاء الوطني، نهاية الأسبوع، ربما لا تدعم تفاؤل وزير الخزانة البريطاني، فقد أظهرت الأرقام أن الاقتصاد البريطاني لم يحقق أي نمو في شهر فبراير (شباط)، وكانت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي صفراً في المئة، وذلك أقل من توقعات السوق التي قدرت نمواً بنسبة 0.1 في المئة، وذلك بعد أن حقق الناتج المحلي الإجمالي البريطاني نمواً بنسبة 0.3 في المئة في شهر يناير (كانون الثاني). وكان الاقتصاد البريطاني قد تفادى الدخول في ركود العام الماضي، كما كان متوقعاً على نطاق واسع، مما أدى إلى تفاؤل باحتمال النمو هذا العام. وعلق وزير الخزانة على أرقام مكتب الإحصاء الوطني بالقول، «توضح أرقام النمو أنه لا مجال للاستكانة. فالتضخم أعلى مما نرغب، والنمو أقل مما نريد، لذا وضعنا خطة في الميزانية لمواجهة أكبر عاملين يعوقان النمو الاقتصادي، وهما عدم قدرة الأعمال والشركات على توظيف العمالة المطلوبة، وعدم استثمار الأعمال والشركات بالقدر المطلوب».
ثلثا البريطانيين يعتقدون أن «بريكست» أضر بالاقتصاد البريطاني
وعلى رغم أن صندوق النقد الدولي في الواقع قد رفع توقعاته لأداء الاقتصاد البريطاني هذا العام من انكماش بنسبة 0.6- في المئة في يناير (كانون الثاني) إلى نسبة انكماش 0.3- في المئة في تقريره الأخير، فإن الصورة المستقبلية لأداء الاقتصاد، بحسب الصندوق، تبدو غير مبشرة. فمن بين الاقتصادات الأوروبية الرئيسة مثلاً، قدر الصندوق أن الاقتصاد الألماني هو المرجح أن ينكمش هذا العام بنسبة 0.1- في المئة. ولن يكون هناك أسوأ في الأداء من الاقتصاد البريطاني سوى اقتصاد الدنمارك (وهو ليس من اقتصادات الدول الكبرى). في المقابل، قدر الصندوق أن ينمو الاقتصاد الروسي هذا العام بنسبة 0.7 في المئة، أي أفضل بكثير من الاقتصاد البريطاني، وربما بقية اقتصادات أوروبا. وإن كان التقرير الأخير لم يخص بريطانيا وحدها بالتوقعات المستقبلية غير الجيدة، إذ ضمها مع دول منطقة اليورو التي اعتبر «التباطؤ الاقتصادي مركزاً» فيها، إلا أن بريطانيا لم تحقق أهم قاعدتين ماليتين أعلنهما وزير الخزانة جيريمي هنت. فقد جعل هنت هدفاً له منذ تولي وزارة الخزانة خفض عبء الدين العام على الميزانية وخفض الاقتراض العالم للحكومة إلى أقل من نسبة ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولم تحقق الخزانة أياً من الهدفين.
دفاع وتبريرات
على رغم الأرقام والبيانات الرسمية وتقديرات صندوق النقد الدولي المتشائمة تحاول حكومة ريشي سوناك الدفاع عن سياستها الاقتصادية وتبرير وصول الاقتصاد إلى أسوأ وضع بين الاقتصادات المتقدمة. ويركز وزير الخزانة على النجاح في تفادي الركود الاقتصادي العام الماضي، لكن التفاؤل باحتمال تفاديه أيضاً في النصف الثاني من هذا العام يظل محل شك كبير من كثير من المحللين والاقتصاديين.
وحتى إذا تفادى الاقتصاد البريطاني الركود فلن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي جيداً، ربما ولا حتى بمعدلات النمو العالمي المتوقعة في حدود ما بين اثنين وثلاثة في المئة. ومع النمو الضعيف، إذا حدث، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم سيعاني البريطانيون أكثر تدهور مستوى المعيشة، كما يقدر معظم المعلقين في بريطانيا. ويقدر مكتب مراقبة الميزانية أن تشهد بريطانيا في العامين المقبلين أسوأ انخفاض في معدلات دخل الأسر منذ منتصف القرن الماضي. كما أن هذا الوضع الاقتصادي الضبابي يصعب أكثر من مهمة بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) في استخدام أدوات السياسة النقدية لكبح جماح التضخم. ورفع البنك سعر الفائدة في نحو عام 10 مرات لتصل من نحو صفر في المئة إلى 4.25 في المئة حالياً، لكن ذلك لا يبدو أنه جعل التضخم في بريطانيا ينخفض بشكل واضح حتى الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى