اقتصاد دولي

انهيارات مفاجئة تضرب إيجارات المكاتب التجارية في لندن

أصبحت آلاف المكاتب في جميع أنحاء بريطانيا غير قابلة للتأجير بعد أن تركت قواعد «صافي الصفر» من الانبعاثات الكربونية الجديدة أصحاب العقارات غير قادرين على تأجيرها، حيث تحظر القوانين الجديدة التي دخلت حيّز التنفيذ في 1 أبريل (نيسان) الجاري، على أصحاب العقارات تأجير مكاتب ذات تصنيف كفاءة الطاقة «إي» (E) أو أقل. في حين ترك الحد الأدنى من التصنيف «إي» (E) الذي بدأ تطبيقه يوم السبت، حوالى 8 في المئة من المكاتب عفا عليها الزمن، وفقاً لبنك «بي أن بي باريباس»، الذي يقول إن هذا يعادل 10000 مساحة مكتبية في لندن وحدها.
واليوم يواجه الملّاك خياراً بين القيام بأعمال تجديد باهظة الثمن لرفع مستوى المباني إلى المستوى القياسي أو تقليل خسائرهم ومحاولة البيع. وأدى ذلك إلى مخاوف من أن الأهداف الخضراء يمكن أن تؤدي إلى تراجع حاد في سوق المكاتب، مما يعكس الانهيار الأخير في سوق الإيجارات الناجم عن قواعد حكومية أكثر صرامة وضرائب أعلى.
ويقول أنتوني أنتونيو، العضو المنتدب في وكالة العقارات «روبرت إيرفينغ بيرنز» لصحيفة الـ»تلغراف» إن «الألم الحقيقي لم يأت بعد». وأضاف أن «ترقية خاصية إلى تصنيف كفاءة الطاقة إي (E) ليس هو الأصعب، ولكن الحصول على مستوى بي (B) أو أي (A) هو لعبة مختلفة فهناك قلق من أن يصبح المخزون من المكاتب قد عفا عليه الزمن.»
معايير الحد الأدنى لكفاءة الطاقة الجديدة
وتعتزم الحكومة البريطانية تعزيز معايير الحد الأدنى لكفاءة الطاقة الجديدة (MEES) للممتلكات التجارية بمرور الوقت كجزء من الجهود المبذولة لتحقيق أهداف «صافي الصفر» الوطنية. كما تخطط لإدخال حد أدنى من التصنيف «سي» (C) بحلول عام 2027 و B»بي» في عام 2030.
ويذكر أن جميع المباني في مدينة لندن لديها شهادة أداء الطاقة (EPC) التي تمنح المالكين والمستأجرين فكرة عن تكلفة التدفئة وإضاءة العقار، إضافة إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما يتم إعطاء العقارات قراءة من «أي» (A) إلى «جي» (G) ويجب تصنيفها كل 10 سنوات. وكان الاتحاد الأوروبي أجبر بريطانيا على إدخال» شهادة أداء الطاقة» بموجب لوائحه ودخلت هذه الشهادة حيّز التنفيذ في عام 2007. ومع ذلك، فإن ما تم تقديمه في الأصل كتدبير لمنح المشترين فكرةً أفضل عن تكاليف التشغيل، يتم استخدامه الآن كأداة لإجبار المالكين على ترقية عقاراتهم. وفي لندن، تم تصنيف حوالى 23 في المئة فقط من جميع المكاتب A+ أو A أو B، مما يعني أن معظم الملاك سيضطرون إلى إنفاق الأموال على ترقية ممتلكاتهم.
وبينما تعمل تحسينات «شهادة أداء الطاقة» عادةً على خفض فواتير الطاقة للمباني، إلا أنها قد تنطوي على تكاليف أولية كبيرة.
وتبلغ تكلفة رفع مبنى من تصنيف «شهادة أداء الطاقة» من (C) إلى (A) ما بين 26 جنيهاً استرلينياً (32.4 دولار) و 40 جنيهاً (49.9 دولار) للقدم المربعة في المتوسط، وفقاً لشركة «سافيلس» العاملة فى مجال الاستشارات العقارية.
وبالنسبة إلى مكتب بمساحة 10000 قدم مربعة يمكن أن يستوعب حوالى 100 شخص، فإن ذلك يعني تكاليف تصل إلى 400 ألف جنيه (499.6 ألف دولار).
وكان بنك «وول ستريت سيتي» أعلن العام الماضي أنه سينفق 100 مليون جنيه استرليني (124.9 مليون دولار) لبناء برج «كناري وارف» المكوّن من 42 طابقاً لجعله مبنى خالياً من الكربون، كما تشمل الميزات إعادة تدوير المياه من الأحواض واستخدام المياه من الدش لغسل المراحيض. واليوم يكافح العديد من مالكي المباني للعثور على هذا النوع من المال، حيث تزداد تكلفة أعمال التحسين يوماً بعد يوم، فقد ارتفعت تكاليف مواد البناء بنسبة 10.4 في المئة في فبراير (شباط) الماضي، بعد زيادة قدرها 11.2 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وفق الأرقام الرسمية. ويقول وكلاء العقارات إن بعض أصحاب العقارات يسارعون إلى البيع قبل تطبيق الحكومة «الحد الأدنى لكفاءة الطاقة الجديدة».
وحتى لو تم بيع المباني، فستكون بأسعار أقل بكثير مما كانت ستحققه في هذا الوقت من العام الماضي، في حين سيؤدي الجمع بين انخفاض قيم الممتلكات والممتلكات غير القابلة للاستمرار مع تصنيف «شهادة أداء الطاقة» أقل من (E) إلى ارتفاع أسعار البيع.
وفي بعض الحالات، يتنازل الملاك تماماً ويطرحون البناء بمعايير جديدة، حيث يتم استبدال مبنى وزارة الداخلية السابق بجانب جسر لندن الجديد، بمبنى جديد يزعم أنه أول مبنى «صافي صفر» مبني لهذا الغرض في لندن. الهدم و «الكربون المُتجسّد» :- ومع ذلك، فإن «المباني الخضراء» الجديدة ليست واضحة، حيث يمكن أن يساهم الهدم في زيادة الانبعاثات من خلال إطلاق ما يسمى «الكربون المُتجسّد». من جانبهم، عارض نشطاء البيئة في الواقع تطوير جسر لندن الجديد على هذه الأسس. كما هناك خلاف حول خطط لهدم متجر «ماركس أند سبنسر» في شارع التسوق الشهير «أكسفورد ستريت» وإعادة بنائه، في حين يقول ناشطون إن هدمه سيؤدي إلى إطلاق 40 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون.
ووفقاً لمديري المكاتب، يمكن أن تؤدي التغييرات الصغيرة إلى رفع المباني إلى تصنيف (E)، مثل المصابيح التي يتم تنشيطها بالحركة والتحكم الأفضل بدرجة الحرارة.
ومع ذلك، من أجل الحصول على تصنيف «شهادة أداء الطاقة» بدرجة (B) أو أعلى، ستحتاج معظم المباني إلى تحسينات كبيرة، تشمل الألواح الشمسية على الأسطح، واستبدال أنظمة التدفئة القديمة بمضخات حرارية، وإعادة هيكلة واجهة المباني لإضافة مزيد من النوافذ، وتحسين التهوية وإضافة العزل. وقال دان جيستيكو، وهو مدير في «سافيلس»، «يتعين على الملاك التفكير بجدية في استبدال الغاز بمضخات التدفئة لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة في استخدام الطاقة». وأضاف «ستشمل هذه العملية مستويات عالية من العمل في المباني. واليوم يخطط بعض الملاك في وقت مبكر، وعندما يحصلون على فترة لاستعادة المبنى، فإنهم يُكملون الأعمال اللازمة قبل أن يأخذ المستأجرون الجدد المساحة».
وعلى رغم أن الانتقال إلى الحد الأدنى من تصنيف «شهادة أداء الطاقة» بدرجة (B) قيد الدراسة، إلا أنه لا يوجد حالياً تشريع معمول به لفرض ذلك، ومع ذلك، يعتقد مراقبو الصناعة أن الإعلان وشيك.
لندن صافي الصفر بحلول 2040 :- ويقول شارافان جوشي، رئيس مجلس إدارة شركة «شارافان جوشي»، «من وجهة نظرنا، سيرغب معظم مالكي العقارات القديمة في المدينة ذات التقييمات المنخفضة في شهادة أداء الطاقة بإعطاء الأولوية لترقيات كفاءة الطاقة، وإلا ستصبح المباني غير جذابة للمستأجرين وسيصعب تأجيرها بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة». ولدى الحكومة هدف لجعل مدينة لندن «صافي صفر» بحلول عام 2040، وتشمل خططها إطفاء الأنوار في ناطحات السحاب بعد الساعة 11 مساءً. ويضيف جوشي، «تشير الدراسات الحديثة إلى أن تلك المباني في وسط لندن التي تتمتع بأوراق اعتماد أفضل بشأن الاستدامة تحقق قيماً رأسمالية وإيجارات أعلى بشكل ملحوظ، أعلى من 20 في المئة».

غرامات باهظة

وقد يواجه أصحاب العقارات الذين لم يجروا ترقية مبانيهم في الوقت المناسب للموعد النهائي في نهاية هذا الأسبوع، ولم يطلبوا تمديد الموعد النهائي، غرامات باهظة. ويمكن لغرامات تأجير العقارات التي تقل عن معايير كفاءة الطاقة أن تصل إلى 150 ألف جنيه (187.3 ألف دولار)، وفقاً لما قاله رئيس قسم العقارات في شركة المحاماة، أديلشو غودارد، للصحيفة.

ويشير غودارد إلى أن «الغرامة ليست مصدر قلق كبير لمالك العقار، حيث يُنظر إليه على أنه لا يلبي المتطلبات الأساسية من قبل المستثمرين أو المساهمين».

في حين أن الترقيات الخضراء المكلفة ليست سوى وجه واحد من المشكلات التجارية التي يواجهها الملاك، حيث دفع الركود في قطاع التكنولوجيا واستمرار انتشار العمل من المنزل، العديد من الشركات الكبرى إلى تقليص المساحات المكتبية.

كما أعلنت شركات وبنوك مثل بنك «أتش أس بي سي» و شركة الاتصالات «فودافون» وشركة «ميتا» التي تملك «فيسبوك»، عن تخفيضات في الإنفاق في السنوات الأخيرة. وربما ليس مستغرباً أن تنخفض قيمة العقارات التجارية بسرعة في جميع أنحاء العالم، حيث لم يساعدها ارتفاع أسعار الفائدة.

ويقول أنتونيو إن «هذا ليس أفضل وقت للممتلكات التجارية، حيث يعيد الأشخاص تقييم كيفية استخدامهم للمكاتب؟ وإلى جانب أهداف الطاقة لعام 2030، فقد يجد بعض الملاك أنفسهم في كومة من المشكلات».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى