اقتصاد كويتي

12 مصرفاً وحاكم المركزي اللبناني تحت مجهر التدقيق السويسري

تتسارع الخطوات القانونية بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، فبعد ادعاء المحامي العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش على سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، بجرائم عدة منها، اختلاس الأموال العامة، والتزوير، والإثراء غير المشروع، وتبييض الأموال، ومخالفة القانون الضريبي، وطلب استجوابهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم، 23 فبراير (شباط) الماضي. يأتي ما أعلنته هيئة مراقبة السوق المالية السويسرية (فينما)، عن تدقيق شمل 12 مصرفاً، وبدأت إجراءات ضد مصرفين منها على صلة بتهم فساد موجهة لحاكم مصرف لبنان. وجاءت التهم بعد تحقيق أجراه لبنان استمر 18 شهراً حول ما إذا كان سلامة وشقيقه رجا حصلا بشكل غير قانوني على أكثر من 300 مليون دولار من المصرف المركزي في الفترة الواقعة بين عامي 2002 و2015. وقالت “فينما” في 27 فبراير الماضي “في السياق اللبناني، أجرت (فينما) عمليات تدقيق في نحو 12 مصرفاً، وبدأت إجراءات لإنفاذ القانون في حالتين، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”. ويأتي الادعاء على سلامة بعد أكثر من شهر من استماع محققين أوروبيين في بيروت لشهود، بينهم مديرو مصارف وموظفون في مصرف لبنان، في إطار التحقيقات التي تتعلق بثروة حاكم المصرف المركزي. وكان القضاء اللبناني فتح تحقيقاً محلياً في شأن ثروة سلامة ومصدرها، بعد استهدافه بتحقيق في سويسرا ولاحقاً في دول أوروبية أخرى، للاشتباه بضلوعه وشقيقه في قضايا اختلاس أكثر من 300 مليون دولار، أبريل (نيسان) 2022. وقال سلامة لـ”رويترز” “كما أعلنت سابقاً، أنا بريء من هذه الاتهامات”، مضيفاً أن هذه الاتهامات لا تمثل لائحة اتهام، موضحاً أنه يحترم “القوانين والنظام القضائي”، وإلى أنه سيلتزم بالإجراءات. وتسلم في 28 فبراير، قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، صناديق مختومة بالشمع الأحمر تتضمن ملفات الادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، وفقاً للإعلام اللبناني. وفي السياق، طلب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، أمس الثلاثاء، من النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون وقف الإجراءات التحقيقية والاستقصائية بحق المصارف.

330 مليون دولار لآل سلامة؟

تشير المعلومات الصحافية إلى أن المصرفين اللبنانيين في جنيف (عوده وميد) ضمن الدعوى التي رفعتها المنظمة، وبدأت سلطات الرقابة المالية السويسرية التحقيق فيها، إضافة إلى بنوك أخرى مدعى عليها. وأشارت الصحيفة المحلية السويسرية “زونتاج تسايتونج” إلى مزاعم بأن رياض سلامة وشقيقه رجا قاما بتحويل 330 مليون دولار إلى حسابات سويسرية عبر شركة “فوري أسوسيتس” المسجلة في “جزر فيرجن” “الجزر العذراء” البريطانية. وأضافت أنه أنفقت مبالغ كبيرة على شراء عقارات في عدة دول بالاتحاد الأوروبي. وقالت الصحيفة، إن نحو 250 مليون دولار دخلت في حساب رجا سلامة الشخصي بفرع بنك “أتش أس بي سي” في جنيف، وأودعت مبالغ أخرى في خمسة بنوك مختلفة هي: “يو بي أس”، و”كريدي سويس”، و”جوليوس باير”، و”إي أف جي”، و”بكتيت”. يأتي ذلك بعد عملية تتبع دقيق لمرور تحويلات مالية هي نتاج عقد شركة “فوري” التي تدور حولها شبهات في القضية، كاستخدامها من آل سلامة لاختلاس مال عام، وهذا ما ينفيه حاكم مصرف لبنان، وتجري في شأن هذه العمليات والتحويلات تحقيقات أوروبية ولبنانية، مع احتمال انضمام دول أخرى لاحقاً إلى التحقيق، لأن ثمة شبكة عابرة للقارات متصلة ببعضها تستوجب تعاوناً قضائياً دولياً بكل ما للكلمة من معنى، وفق ما ذكرت صحف لبنانية. وتتخذ “فينما” إجراءات لإنفاذ القانون عندما تكتشف إخفاقات في أحد البنوك وتعمل على تحديد الخطأ الذي حدث والتدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات للوائح غسل الأموال في المستقبل. وفي الوقائع الخطرة، يمكن أن تفرض “فينما” تدابير على البنوك، كما يمكنها أن تحيل الأمور إلى المدعين الاتحاديين السويسريين إذا اشتبهت في حدوث انتهاكات جنائية. ورفضت “فينما” التعليق على طبيعة الإجراءات في هذه القضية أو تحديد المصارف المعنية. وأشارت “رويترز” إلى أن مصرفي “جوليوس باير” و”يو بي أس” رفضا التعليق، ولم ترد البنوك الأخرى المذكورة في التقرير على طلب التعليق.

 المصارف المراسلة 

يرى كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك “بيبلوس” المتخصص المالي نسيب غبريل في حديث مع “اندبندنت عربية” أن علاقة أي مصرف مركزه في الأسواق الناشئة مع المصارف المراسلة هي علاقة حيوية لأن المصارف المراسلة هي بوابة التحويلات إلى ومن بلدان الأسواق الناشئة، إن كانت لأسباب استثمارية أو تجارية وغيرها، بالتالي أنه من مصلحة أي بلد أن يحافظ قطاعه المصرفي على علاقات جيدة جداً مع المصارف المراسلة، التي إجمالاً تتمركز في الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا الغربية، وأستراليا، واليابان. ويتمتع القطاع المصرفي اللبناني بعلاقات جيدة جداً مع المصارف المراسلة، وكل مصرف له عدة حسابات مع عدة مصارف. وهذه الحسابات تخضع لقوانين وإجراءات تتعلق بحجم التعاملات المصرفية لأن هذه الحسابات لها كلفة معينة، حيث يدفع المصرف في الأسواق الناشئة تعرفة كي يدير المصرف المراسل الحساب لتسيير المعاملات. والجدير بالذكر أنه مع بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان في أواخر 2019 وأزمة كورونا أوائل 2020، أدى ذلك إلى تراجع حجم التداولات الاقتصادية بين لبنان والخارج، إن كان تبادلاً تجارياً أو غيره، بالتالي انخفض حجم المعاملات التي تمر عبر المصارف المراسلة، كما أن تلك المصارف تأخذ في الاعتبار جائحة كورونا التي أثرت من حيث تراجع نسبة التحويلات والاستثمارات عالمياً، إذ إن الوضع لا يقتصر فقط على لبنان. وحول إمكان توقف المصارف المراسلة من التعامل مع المصارف اللبنانية وإغلاق حساباتها. يتابع غبريل “أنه بحسب الخبراء الدستوريين ومحامين وقضاة سابقين، بسبب الإجراءات القضائية ضد بعض المصارف، وبخاصة الاتهامات بتبييض الأموال ونتائجها، لا يمكن إلقاء الاتهامات قبل وجود إثباتات بحسب هؤلاء الخبراء، خصوصاً ما صرح به نقيب المحامين الحالي في لبنان في مقابلة تلفزيونية، بأن التعاملات بين المصرف المركزي والمصارف اللبنانية لا يجوز أن تصنف بتبييض أموال”. ويرى المتخصص الاقتصادي نسيب غبريل أن العلاقات مع المصارف المراسلة ليست بخطر، ولكنهم يعمدون إلى تشديد المراقبة من خلال مبدأ “تخفيض المخاطر” التي تعتمده مع معظم الأسواق الناشئة، وهي تنتظر الارتفاع التدريجي لحجم التداولات مع المصارف اللبنانية. وستقوم مجموعة العمل المالية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل والإرهاب بنشر تقريرها عن لبنان في مارس (آذار) الجاري. وسنرى ما سيتضمنه التقرير وستقرأه بعناية دوائر الامتثال في المصارف المراسلة وستناقش مضمونه مع المصارف اللبنانية وستتخذ القرارات في هذا السياق. لذلك، شدد أنه من الأفضل الانتظار وعدم الخوض في التكهنات والمزايدات في هذا الخصوص لأنه موضوع دقيق وحيوي ليس فقط للقطاع المصرفي في لبنان بل للاقتصاد اللبناني ككل. من جهته يعتبر الأكاديمي والمحامي المتخصص في الشؤون المصرفية الدولية، علي زبيب، أن موضوع التحويلات يحمل بأكبر من حجمه الحقيقي، وذلك عبر إطلاق التهديد بأن المصارف المراسلة ستوقف التعامل مع المصارف اللبنانية، وهو غير صحيح، وخصوصاً كون المصارف المراسلة تحتاج إلى مؤشرات واضحة أو أدلة دامغة قد تصل إلى أحكام قضائية، بعدها يعمد المصرف للجوء إلى سياسة تقليص المخاطر(Derisking) وقطع العلاقة مع المصرف اللبناني، بالتالي فإن المصرف المراسل لديه اعتبارات تجارية وقانونية وإجرائية يأخذها بالاعتبار قبل اتخاذ أي قرار بقطع أي علاقة مع مصارف أخرى. بدوره يرى مدير “معهد اللبناني لدراسات السوق” المتخصص المالي باتريك مارديني، أن المصارف المراسلة مشكلتها الأهم مع لبنان هي كلفة الامتثال، وكي تقوم تلك المصارف بالتدقيق في الأموال الخارجة والداخلة إلى لبنان، هو أمر مكلف جداً، إضافة إلى الجهات الناظمة (OFAC) “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية”، الذي أصلاً يقوم بكثير من التدقيق على الأموال من وإلى لبنان، إضافة إلى مشكلة الملاءة في المصارف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى