مختارات اقتصادية

ماذا تعني صفقة بيع كريدي سويس للنظام المالي العالمي؟

نظرًا لأهمية سويسرا كمركز حيوي في النظام المصرفي العالمي وامتلاكها اثنين من أهم بنوك العالم، فإن الاضطرابات التي لحقت ببنك «كريدي سويس» مؤخرًا وانعكست على الأسواق المالية، أثارت الكثير من المخاوف.
والآن، بعد الإعلان عن صفقة استحواذ «يو بي إس» على منافسه «كريدي سويس»، ستفقد سويسرا أحد بنكين صنفا بين أهم 30 بنكًا على مستوى العالم من الناحية النظامية، وفقًا لمجلس الاستقرار المالي ولجنة بازل للرقابة المالية.
وصحيح أن الصفقة التي تبلغ قيمتها نحو 3.3 مليار دولار، جاءت بالمقام الأول للحفاظ على استقرار النظام المالي، لكنها أيضًا أثارت مخاوف من تداعيات أخرى – وربما أزمات أخرى مستقبلية – قد تغير وجه النظام المتعارف عليه عالميًا.
ماذا تعني صفقة استحواذ «يو بي إس» على «كريدي سويس»
ماذا حدث حتى الآن؟
– وافق «يو بي إس» على شراء «كريدي سويس» في صفقة توسطت فيها السلطات السويسرية، وقدمت فيها الضمانات، وسابقت الزمن لإتمامها خلال عطلة نهاية الأسبوع من أجل طمأنة الأسواق ومنع الأزمة من الاتساع.
– انخفض سعر سهم «كريدي سويس» من مستوى الذروة في 2007 بنسبة 99% حتى الآن، وتراجعت قيمته السوقية من 125 مليار دولار تقريبًا إلى 8 مليارات.
– بموجب الصفقة، شُطبت أكثر من 17 مليار دولار من سندات «الدرجة الأولى الإضافية» الخطرة الخاصة بالمصرف.
– في حال تسبب عمليات بيع الأصول في خسائر لبنك «يو بي إس»، ستتحمل الحكومة السويسرية معه جزءًا من هذه الخسائر.
– أعلن البنك المركزي في الأساس عن قرض بقيمة 54 مليار دولار لـ»كريدي سويس» قبل الصفقة.
– مع ذلك، بدأت الأسهم الأوروبية تداولات الإثنين بتراجع ملحوظ مع خسائر حادة في القطاع المصرفي، بعد تراجع سهم «كريدي سويس» بأكثر من 63% و»يو بي إس» بنحو 11%
ما معنى كل ذلك؟
– في حين كانت هناك أمثلة جيدة للغاية حول صفقات الاستحواذ المصرفي الكبرى، التي أثبتت جدواها للمشتري وساعدت النظام على تجنب أزمة واسعة النطاق، كان هناك أيضًا صفقات أثقلت المشترين وأدخلتهم إلى خضم العاصفة.
– على أي حال، الكيانات الأكبر حجمًا يمكنها تحقيق وفورات كثيرة، حيث تمتلك قوة أكبر في التسعير وتستطيع خفض تكاليفها، لكنها أيضًا تشكل خطرًا جسيمًا عندما تحدث لها أزمة ما، نظرًا لحجم الكيان الجديد الأكبر. – يقول الخبير الاقتصادي «محمد العريان»، إنه رغم محاولة السلطات الابتعاد عن استخدام كلمة «إنقاذ» نظرًا لسمعتها السيئة منذ الأزمة المالية، فإن ما حدث كان صفقة إنقاذ لتجنب التأميم أو تصفية البنك.
– المشكلة هنا هو ما يعرف بـ»الخطر الأخلاقي»، حيث يتم تشجيع المخاطرة عبر رسائل طمأنة مفادها أن السلطات ستنقذ البنوك من العواقب السيئة، وهي ظاهرة متكررة مع إنقاذ البنوك الكبيرة.
– كان من المعروف أن حاملي سندات الدرجة الأولى الإضافية، سيحلون خلف الدائنين الآخرين من حيث الأولوية عند حدوث أزمة ما، لكن هذا الاختبار الكبير (بيع كريدي سويس)، بين أنهم سيتحملون خسائر أكبر حتى من المساهمين الذين ضمنوا بعض الأسهم في «يو بي إس» على الأقل.
– هذا يثير تساؤلات حول ما إذا كان سيرغب أي مستثمر بعد الآن في شراء هذا النوع من السندات لاحقًا، وربما يثبت الوقت أن السلطات تجنبت أزمة لخلق واحدة أخرى في المستقبل.
ماذا سيحدث إذن؟
– في الوقت الراهن على الأقل، تتزايد الضبابية، خاصة فيما يتعلق بعلاقة الدول بالقطاع المصرفي الخاص.
– دمج أعمال البنوك التجارية الكبيرة ذات النشاط العالمي يعني خلق كيانات ضخمة للغاية، والتي يطلق عليها اسم «الاحتكارات الطبيعية».
– في قطاع بهذا الشكل، تكون تكاليف إضافة منافس جديد أعلى من الفوائد المحتملة، تمامًا كما هو الحال مثلًا مع شركات المياه المحلية، والتي تخضع لقواعد تنظيمية شديدة. – التسامح مع وجود بنوك أكثر ضخامة بهذا الشكل، يعني التسامح أيضًا مع تدخل الحكومات بشكل أكبر في النظام المصرفي، ويبدو أن ذلك ما سيكون عليه الحال بسبب عمليات الدمج.
البدائل والتداعيات
– حقيقة أن النظام المصرفي يقوم على الثقة بين العملاء والبنوك، يعني أيضًا، أنه سيظل دائمًا عرضة للاضطرابات وفقًا للمتغيرات المختلفة، وعلى رأسها طبعًا التغيرات الاقتصادية.
– أيضًا فكرة تعزيز الانضباط بحيث يتحرك البنك لضمان حقوق المودعين بنفسه وتجنب السحب الجماعي للأموال، مسألة صعبة في عصر تتدفق فيه المعلومات بسرعة وبسهولة كبيرة، وتتوافر فيه خدمات لحظية يمكن للعملاء من خلالها تنفيذ قراراتهم في ثوان.
– ربما يكون الحل توسيع وتحديث أنظمة التأمين على الودائع، حيث أصبح من الواضح الآن أن المنظمين لم يكونوا مستعدين لأزمة مصرفية في عصر المعلومات والرقمنة. – دون ودائع العملاء، لن يكون بمقدور البنوك الإقراض وهو ما سينعكس سلبًا على النمو، وسيكون الحصول على التمويل أصعب في وقت الأزمات ومع خفض التصنيف الائتماني للبنوك.
– السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو إلى أي مدى سيؤثر الضغط المصرفي على الاقتصاد، وما إذا كان سيؤثر على مسارات البنوك المركزية.
– عندما تنخفض الأسهم، يصاب المستثمرون بالتوتر، ويبدأون بالبيع على المكشوف، وهو ما فعلته صناديق التحوط خلال الأزمة المالية، وأي بنك الآن أصبح عرضة لمثل هذه الرهانات.
– قد لا يكون هناك سبب للاعتقاد أنه ستكون هناك أزمة مالية حقيقية جديدة، لكن الوضع الحالي قد يواصل الضغط على الأسواق ما لم تصبح سياسة الاحتياطي الفيدرالي أكثر تساهلًا.
المصدر: بلومبيرغ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى