عملات رقمية

لماذا يتجاهل المتداولون في سوق الأسهم دروس 400 عام ويكررون الأخطاء نفسها؟

قبل 421 عامًا، وبالتحديد عام 1602 تم تأسيس أول بورصة في التاريخ في مدينة أمستردام الهولندية، وكان الهدف من تأسيسها آنذاك واضحًا وهو جمع رؤوس أموال للمشاريع، دون الحاجة لأن يعرف الشركاء بعضهم البعض، وبما يسمح بمساهمات صغيرة في رأس المال دون الاضطرار لضخ أموال كثيرة في الشركات.
وتطور من حينها نظام تداول الحصص في الشركات (الأسهم) بما يسمح لمختلف المساهمين باسترداد أموالهم المستثمرة إذا وجدوا مشتريا، بما خلق عرضًا وطلبًا على الأسهم وبالتالي تسبب في صعود وتراجع الأسعار، ولكن بقي الاتجاه الصعودي للأسعار سائدا وبشدة.
الفقاعة الأولى:- وبعد 35 عامًا على تأسيس البورصة الأولى، شهد التاريخ أول «فقاعة» أسهم، حيث انهارت أسعار شركات الأسهم ووصل بعضها إلى 2% من قيمتها فحسب خلال بضعة أشهر بعد انهيار بدأ في شهر فبراير عام 1637.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات شاملة لهذه الفترة القديمة، لكن التقارير تشير إلى أن أكثر من 50% من المتداولين توقفوا عن التعامل في البورصة في أعقاب انهيارها، وظلت البورصة الهولندية الناشئة دون مستوى عدد المتعاملين الذي وصلت إليه في ذروة ارتفاعها لمدة 10 أعوام، بما يعكس انتشار «الخوف» من التداول بسبب انكماشها المفاجئ الشديد. بل وصل الأمر إلى حد وجود العديد من القضايا أمام المحكمة الهولندية العامة تتهم فيها البورصة بـ»الاحتيال» وبتقديم أشياء «غير ذات قيمة» على أنها قيّمة.
وبقي السؤال.. لماذا حدثت أول فقاعة في التاريخ، ولماذا تعاقبت الفقاعات لاحقًا وانهيارات الأسواق وبالتالي خسارة المتداولين دون أن يتعلم غالبيتهم ممن سبقهم كي يتجنبوا الخسارة؟:- ما حدث أن «الطمع» ظهر بشدة في هذه المرحلة، فمع نمو سوق الورود الهولندية الشهيرة، ومع ازدهار سوق المنتجات الزراعية، شهدت الأسهم نموًا كبيرًا غير متوازن مع نمو «أحلام الثراء السريع» بين المتداولين، لا سيما في الأعوام الثلاثة التي سبقت انهيار «تيوليب» (نسبة لاسم الزهرة الشهيرة) للأسهم الهولندية. الكثير من المتداولين دخلوا السوق بعد التأكد من إمكانيات تداول الأسهم والحصول على الأموال في المقابل، بل وارتفاع مستمر للمؤشر العام للسوق بنسبة تفوق 28% في المتوسط سنويًا، وتجاوزت النسبة 50% سنويًا في الأعوام الخمسة التي سبقت الانهيار، بما أدى لضخ الكثير من الأموال في السوق ومن ثم تضخمها بشكل مبالغ فيه. وفي أول عام يشهد أزمة في المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني وإنتاج الورود بسبب ظروف مناخية استثنائية، انهارت السوق تمامًا، ووصل تراجع بعض الأسهم إلى 90%، في ظل انقلاب سريع للغاية من خانة الطمع إلى خانة الهلع.
هل يبدو هذا الأمر مألوفا؟:- حسنًا حدث هذا الأمر قريبا جدا، وعلى سبيل المثال تخطى مؤشر «ناسداك» للشركات التكنولوجية مستوى 16 ألف نقطة (وهو مستوى قياسي) في نوفمبر 2021، قبل أن يعود ليسجل مستويات تقل عن 11.5 ألف نقطة في سبتمبر 2022، بما يعني أنه فقد قرابة 30% من قيمته خلال 10 أشهر، لأسباب مشابهة ومتعلقة بالأساس بالطمع وببيع الهلع. فلماذا لا يتعلم المتداولون من التاريخ الطويل للأسواق؟:وللإجابة عن هذا السؤال قدم «أنتوني جاليا» المحلل المالي كتابه الشهير «الثيران يجنون الأموال، والدببة يجنون الأموال، لكن الخنازير يتم ذبحها»، وهي محاولة من جانبه لرصد تاريخ التصرفات الخاطئة في الأسواق بسبب النواحي النفسية للمتعاملين وخاصة الطمع (ومن هنا جاء تشبيه الخنازير الشهيرة بنهمها الشديد في تناول الطعام). ويشير «جاليا» في كتابه إلى أن المتعاملين في الأسواق لا يتعلمون مطلقًا على الرغم من تاريخها الطويل الممتد، والذي من المفترض أن يضيف معرفة تراكمية تتناقلها أجيال المتداولين. ويرجع «جاليا» ذلك إلى ما يشكله سوق الأسهم باستمرار من «إغراء» لغير ذوي الخبرة بالدخول للحصول على «دخل بلا جهد» بما يؤذيهم ويؤثر سلبًا على السوق على حد سواء. ويشير «جاليا» إلى أن البورصات على مستوى العالم شهدت 14 أزمة أو تراجعا شديدا بسبب الهلع بين عامي 1819 و1907، وتراوحت خسائر البورصات فيها بين 22%-76%، وعلى الرغم من ذلك فإن كثيرين استمروا في التوافد على الأسواق بنفس العقلية التي سبق إليها مستثمرون آخرون «تم اقتيادهم إلى الذبح» وفقًا لتعبيره.
وفي كل تلك الأزمات المتتالية كان الصعود الكبير ثم الهبوط السريع السمة العامة، وذلك لأن فكرة «الدخل السلبي» التي يوفرها سوق الأسهم جاذبة لكثيرين (كما هي الحال في يومنا هذا). ويؤكد «جاليا» أنه بتحليله لسوق الأسهم الأمريكية والبريطانية منذ نشأتهما فإنه لم يسبق أبدًا للغالبية أن خرجت رابحة من سوق الأسهم، بل ووصل الأمر إلى حد خسارة 98% من المتداولين للأموال خلال فترة الكساد الكبير وخروج 2% فقط بأرباح وفقا للتقديرات في هذا الوقت.
اقتحام للسوق بلا دراسة:- ويؤكد هذه الصورة الذهنية عن تحول سوق الأسهم في بعض الأحيان لساحة لنقل الأموال ممن يفتقرون إلى الخبرات والمعارف الضرورية بالسوق إلى من لديهم المعرفة بالأسواق والقدرة الكبيرة على التحليل، وخاصة في أوقات الأزمات وليس في السوق الصاعدة. والشاهد أن الدراسات تشير إلى أن 80% من المتعاملين على الأقل يطيلون الاحتفاظ بالأسهم أكثر مما ينبغي، إما أملًا في ارتداد اتجاه السهم الهابط، أو في المزيد من الارتفاع للسهم الصاعد، وفي حوالي ثلاثة أرباع الحالات تتحول المراكز الرابحة إلى أخرى خاسرة مع الوقت.
ويرجع «بنيامين جراهام» المستثمر الشهير ومؤلف كتاب «المستثمر الذكي» عدم قدرة الكثير من المستثمرين على تنحية مشاعرهم جانبًا خلال التداول، مشيرًا إلى أن خسارته الأولى في السوق كانت بسبب حالة من «الإنكار» لسوء اختياراته، ورفضه الشعور بـ»ألم» الخسارة ولو صغيرة وسريعة.
وتدعم الدراسات الحديثة ما ذكره «جراهام» في كتابه قديمًا، من خلال الإشارة إلى أن قرابة 70% من المتداولين يستمرون في السوق لفترات طويلة دون تحقيق ربح، استجابة إما لما يعرف بـ»دفقة الأدرينالين» أي الشعور بالإثارة التي تشبه ما يشعر به المقامرون، أو بسبب «الأمل» في تحقيق الأرباح مستقبلًا، ويعكس هذا استمرار ما كان قائمًا قديمًا من ممارسات تؤدي للخسائر بين المتداولين دون تغيير حتى يومنا هذا.
وشاعت مؤخرًا نصيحة في الأسواق الأمريكية للمستثمرين (ديور) «dyor» وهي اختصار عبارة باللغة الإنجليزية «do your own research» أي فلتقم ببحثك الخاص عن السوق، وبدأت تلك العبارة في سوق العملات المشفرة أولًا لتمتد إلى أسواق الأسهم، وذلك مع تراجع كليهما بشكل حاد خلال عام 2022 في الولايات المتحدة وخسارة كثيرين لأموالهم.
وتعد هذه العبارة بمثابة محاولة لتلخيص درس تجاوز عمره 400 عام بعد دخول سوق الأسهم إلا في وجود معلومات وفيرة ودراسة وتحليل، وإلا تكون النتيجة المؤكدة هي إهدار المال والجهد. المصادر: أرقام- كتاب «Bulls Make Money, Bears Make Money, Pigs Get Slaughtered: Wall Street Truisms that Stand the Test of Time»- كوربريت فاينانس- مجلة Inc

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى