اقتصاد كويتي

الكويت تسارع نحو إقرار قانون الدين لكنها تصطدم بالبرلمان

في تطور جديد لملف الدين العام الكويتي، كشفت وكالة “رويترز” عن وثيقة حكومية تفيد بأن حكومة الكويت تعتزم الموافقة على قانون للدين العام في السنة الأولى من الخطة الحكومية للفترة بين 2023-2027.

وقانون الدين العام الكويتي محل جدل منذ انتهاء صلاحية القانون السابق في 2017 وشهد خلافات حكومية برلمانية منذ ذلك الحين، إذ سعت الحكومة إلى إقراره بينما عارضه نواب كثيرون في برلمانات سابقة. ووجه أعضاء بارزون في مجلس الأمة الكويتي “البرلمان”  انتقادات حادة لبرنامج عمل الحكومة الذي يتضمن اقتراحاً بإقرار قانون الدين العام الذي طال انتظاره، في إشارة مبكرة إلى أن الحكومة الجديدة قد تواجه تحديات قديمة مألوفة تعوّق ربما الإصلاحات الاقتصادية. وفق وكالة “رويترز” قالت الحكومة في برنامج عملها الذي ناقشته اليوم في البرلمان إنها تريد إقرار قانون الدين العام والإطار المنظم له، مع ربطه بمشاريع ذات قيمة اقتصادية مضافة، خلال العام الأول من الخطة الممتدة من 2023 إلى 2027.

 خلاف بين الطرفين
ويجب أن يحظى أي مشروع قانون حتى يصبح تشريعاً نافذاً بموافقة البرلمان الذي يهيمن عليه النواب المعارضون الذين رفضوا مشاريع مماثلة على مدى أعوام.
وأدى الخلاف الدائم بين الحكومات والبرلمانات المتعاقبة في الكويت طوال السنوات الماضية إلى إعاقة الإصلاحات الاقتصادية، بما في ذلك عرقلة قانون الدين العام الذي يسمح للكويت في حال إقراره بالاستفادة من أسواق الدين الدولية والتحوط لأخطار الاعتماد الكبير للموازنة العامة للبلاد على النفط.
وخلال جلسة اليوم التي خصصت لمناقشة برنامج عمل الحكومة، أعرب عدد كبير من النواب عن انتقادهم لقانون الدين العام، معتبرين أنه يكبل الدولة بالديون على رغم امتلاكها ثروة نفطية هائلة وأحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، طبقاً لما أوردته شبكة الدستور التابعة لمجلس الأمة.
وقال النائب عبدالله المضف إن موضوع الدين العام لا يصلح كوسيلة لمعالجة موازنة مرهقة لأنه سيزيد من أعبائها، متسائلاً عن نسبة أرباح البنوك وكيفية السداد.
أما النائب هاني شمس، فأكد أن الدولة ليست بحاجة إلى الدين العام لأن لديها ملاءة مالية كافية في الصناديق السيادية.

 قانون الصكوك
وأبدى النائب أسامة الشاهين تحفظات على قانون الدين العام، مشيراً إلى رفضه تكبيل الدولة بمديونيات مع وجود بديل شرعي وهو قانون الصكوك الحكومية الإسلامية.
وستحتاج الحكومة إلى موافقة البرلمان لإقرار قوانين أخرى مهمة أوردتها في برنامج عملها مثل وضع إطار عام للضريبة على الشركات وعلاج نظام التأمين التقاعدي وتحسين أداء مؤسسة التأمينات الاجتماعية وتدشين المنطقة الاقتصادية الشمالية.

وخلفية النزاع على القانون أن الحكومة تريد تمريره في البرلمان لكي تتمكن من الاستدانة لتغطية العجز في موازنتها، بينما يخشى النواب من أن يستخدم القانون لتنفيع البنوك المحلية ويطالبون الحكومة باستخدام احتياطاتها المالية لتغطية العجز.

ويبدو أن الوثيقة الجديدة ستحل هذا الجدل، إذ قالت وكالة “رويترز” إن الحكومة ستضع إطاراً يحكم القانون بحيث يربطه بالمشاريع التي تمثل قيمة مضافة في العام الأول من الخطة الحكومية، أي أن يصبح إصدار السندات مرتبطاً بمشروع تنموي معين، بدلاً من أن يكون الإصدار لتمويل عجز الحكومة، وهو تطور مهم وقد يحل أزمة القانون العالق في البرلمان منذ سنوات. وأوردت الوثيقة أن الحكومة تهدف في العام الثاني للخطة إلى إنشاء وحدة لإدارة السيولة في خزانة الدولة والموافقة على خطط للسيولة في حالات الطوارئ.

قانون الاستدانة في الكويت

وكانت الحكومة الكويتية تقدمت بمشروع القانون بالاستدانة بحد أقصى 66 مليار دولار وسقف زمني يمتد إلى 30 عاماً، وحاولت اللجنة المالية البرلمانية في وقت سابق تعديل القانون فقدمت تصوراً لاقتراض الحكومة نحو10  مليارات دولار لمدة ثلاث سنوات مع فترة استحقاق تصل إلى 10 أعوام.

وكانت الحكومة تستعجل موافقة البرلمان على مشروع القانون لكي تتمكن من سداد العجز المتراكم في موازنتها الذي يصل إلى مستويات تاريخية ويفوق 26 مليار دولار والذي تفاقم خلال الأعوام الماضية بسبب تراجع أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا قبل أن تتحسن الموازنة العام الماضي وسط توقعات أفضل للسنة الحالية.

محاولات عدة

وهذه ليست المرة الأولى التي تتقدم فيها الحكومة بمشروع قانون للدين العام، فمنذ أن انتهت صلاحية القانون السابق في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وهي تحاول أن تلجأ إلى البرلمان لتمرير قانون جديد، فتقدمت في يناير (كانون الثاني) 2018 بمشروع قانون ينخفض بنحو 16 مليار دولار عن سقف مشروع القانون الحالي، لكن قوبل بالرفض آنذاك.

واستخدمت الكويت في الأعوام الماضية الاحتياط العام لسد العجز في الموازنة بحسب تقارير إعلامية، لكن أصول الاحتياط العام اقتربت من النفاد واضطرت الحكومة إلى سحب سيولة من “صندوق احتياطي الأجيال القادمة” الذي يعتبر الصندوق السيادي للبلاد، وغالباً لا يتم استخدام أمواله لأغراض محلية. وشكل تصريح لوزير المالية الكويتي السابق براك الشيتان في أغسطس (آب) من عام 2020 صدمة في الأوساط الكويتية عندما كشف عن أن “السيولة المتوافرة لدى الدولة تكفي لتغطية الرواتب لأشهر فقط”، عاكساً في تصريحه أزمة شح السيولة لدى الحكومة الكويتية. وجاء كلام الوزير في إطار عرضه الصورة المالية للبلاد على النواب محاولاً إقناعهم بضرورة الموافقة على قانون جديد للدين العام غرضه سد عجز الموازنة الذي يتفاقم في ظل تراجع أسعار النفط والتداعيات الاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا.

معارضة سياسية

وتواجه حكومة الكويت معضلة سياسية، إذ تحتاج إلى موافقة البرلمان لكي يمر قانون الدين العام، وهناك جدل سياسي كبير حول الاستدانة، فيعارض بعض النواب الاقتراض من البنوك المحلية ويتخوفون من أن يكون ذلك تنفيعاً غير مباشر لهذه البنوك وملاكها بفوائد ومدد زمنية طويلة.

في المقابل، يعتبر هؤلاء النواب أن العجز يتفاقم بسبب الهدر في الموازنة والفساد ويطالبون بترشيد الإنفاق وتوجيه الدعم لمستحقيه وتحجيم الفساد.

وتفاقمت أزمة عدم الثقة بين الحكومة والنواب على خلفية ملف الودائع الحكومية في القطاع المصرفي التي تصل قيمتها إلى نحو 25 مليار دولار، وكانت الحكومة تجني عوائد منخفضة يصل بعضها إلى الصفر خلال الأعوام الماضية قبل رفع الفائدة في 2022، مما أثار علامات استفهام لدى النواب عن سبب الاستدانة من البنوك المحلية في ظل وجود ودائع ضخمة بعوائد صفرية، في وقت سيتم اقتراض الأموال من البنوك نفسها ودفع فوائد كبيرة لهذه القروض.

تسييل الأصول

وفتح جدل سياسي آخر في الكويت يطالب الحكومة بتسييل بعض هذه الأصول السيادية لسداد العجز، بدلاً من الاقتراض من البنوك المحلية والعالمية ودفع الفوائد، خصوصاً أن الكويت تمتلك واحداً من أكبر الصناديق السيادية في العالم تقدر أصوله بحسب وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني بنحو 590 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 470 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

لكن حكومة الكويت تفضل الاقتراض تفادياً لتسييل تلك الأصول، إذ تعتبر هذه الاستثمارات طويلة الأجل وبعوائد طويلة الأجل.

وترى الحكومة أن الاستدانة قد تكون أوفر وأرخص من بيع الأصول، بحسب الهيئة العامة للاستثمار فإن عوائد الصندوق السيادي الكويتي السنوية تتخطى ستة في المئة وذلك وفق متوسط ما حققه الصندوق على مدى 20 عاماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى