أخبار عاجلةمنوعات اقتصادية

الاستثمارات الخاملة .. هل تكون الحل الأمثل للتعامل مع السوق؟

في ظل تراجع أسواق الأسهم بدأ خبراء الاستثمار ومحللو السوق في إعادة ترتيب أوراقهم لمعرفة ما الذي يحدث وكيف يمكن مواجهته. في خضم تلك المراجعة بدأ البعض يتحدث عن الاستثمارات الخاملة “السلبية” وهل تمثل الحل المثالي لمواجهة ما يعرف بظاهرة توقيت السوق التي أثبتت عدم جدواها في ظل تقلب بيئة الاقتصاد الكلي والضغوط الناجمة عن عوامل خارجية كالحرب الروسية الأوكرانية وما كان لها من تداعيات مباشرة وغير مباشرة على الأسواق وفئات الأصول.
الاستثمارات الخاملة بالطبع لها مؤيدوها، لكن الاستثمار النشط ما زالت له الكلمة العليا في شتى أسواق العالم باعتبار أنه أكثر انكشافا على المخاطرة، وبالتالي يتمتع بفرصة أعلى في تحقيق العوائد، إلا أن بعض المخضرمين في مجال الاستثمارات الخاملة يقولون إن ذلك النوع من الاستثمار يبدو أكثر قدرة على مواجهة التقلبات الحالية في السوق والتي باتت غير متوقعة.
وجهة نظر منذ نصف قرن

من بين هؤلاء “بيرتون مالكيل” الخبير الاقتصادي المخضرم البالغ من العمر 90 عاما والذي يقول إن الاستثمار في محتوى المؤشرات يتفوق على أشكال الاستثمار الأخرى، ذلك لأنه من الصعب على أي فرد التفوق على السوق من وجهة نظره.
“مالكيل” مؤلف أحد أكثر الكتب الاقتصادية رواجا وهو “المشي العشوائي في وول ستريت” أو “A Random Walk Down Wall Street” والمنشور منذ عام 1973 كان من بين أوائل من دعوا إلى الابتكار نيابة عن المستثمر الصغير. وذكر في كتابه الذي يمثل مرجعا مهما للمستثمرين “ما نحتاجه، صندوق استثمار مشترك، بحد أدنى من مصاريف الإدارة، يشتري ببساطة مئات الأسهم التي تشمل متوسطات سوق الأسهم ككل ولا يقوم بالتداول من ورقة مالية إلى ورقة مالية في محاولة للإمساك بالأوراق الرابحة”.
قد يكون من الصعب تصديق أن الاستثمار في المؤشرات لم يكن متاحا بسهولة للمدخر العادي في تلك الأيام.

لكن الدكتور “مالكيل” كان مقتنعا بأن الإدارة النشطة للاستثمارات لا يمكنها أن تتغلب باستمرار على الاستثمار الخامل في مؤشر. وفي عام 1976، قدمت شركة “فانغارد” للاستثمار نفس نوع التمويل الذي دعا إليه. واليوم يبلغ مجموع الأصول التي تتبع المؤشرات تريليونات الدولارات، وباتت صناديق المؤشرات، حسب قوله، تمثل أكثر من 40% من إجمالي الاستثمار في الصناديق المشتركة وصناديق المؤشرات المتداولة.

لا يزال الدكتور “مالكيل” يقول إن الاستثمار في المؤشرات له الأفضلية، ولديه بيانات إضافية عمرها نصف قرن لدعم نظريته، وهو ما قدمه في طبعة الذكرى الخمسين لكتابه التي ستُنشر في يناير 2023. وقام “مالكيل” بتحديث الطبعة الجديدة من كتابه لتضم العديد من الابتكارات المالية من الصناديق المتداولة إلى الإيثريوم منذ نشره في المرة الأولى.
يضم كتاب “مالكيل” بعض أسوأ حالات الهوس الاستثماري وكوارثه، ويشير إلى أن أسعار الأسهم أحيانا ما ينتابها الجنون للتحرك بشكل مبالغ به في كلا الاتجاهين صعودا ونزولا، مشيرا إلى أن المشكلة في رأيه تتمثل في أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت الأسعار مرتفعة أو منخفضة للغاية، وأنه حتى في بعض أسوأ الفقاعات في السوق، قال البعض إن الأسعار منطقية.
يقول “مالكيل” أيضا إن الدافع وراء نظرته للأسواق يكمن في أنه لا توجد فرص للمراجحة في الأسواق، وبالتالي ما من وسيلة سهلة لكسب المال دون تحمل قدر كبير من المخاطرة. والنتيجة هي أنه أصبح من الصعب للغاية أن يتغلب أي مستثمر على السوق، مشيرا إلى حفنة فحسب من الاستثناءات في تاريخ الأسواق والذين تمكنوا بشكل مستمر من التفوق على السوق لكنهم أيضا قالوا وكرروا أكثر من مرة أنه يكاد يكون من المستحيل التنبؤ بما سينجح في المستقبل.
بافيت ونظرته للاستثمارات الخاملة

يقول “مالكليل” إن من بين أولئك الذين حققوا نجاحا استثنائيا في الاستثمار النشط رجل الأعمال الأمريكي الشهير “وارن بافيت”، لكنه يُذكر بأن بافيت نفسه أوصى بالاستثمار في المؤشرات.
وأشاد “بافيت” بمزايا صناديق المؤشرات للمستثمرين العاديين على الرغم من كونه واحداً من أنجح المستثمرين النشطين في سوق الأسهم على الإطلاق وأشار إلى أنه لا يعتقد أن معظم مديري الاستثمار النشط يمكنهم التفوق على السوق الأوسع.
وكتب “بافيت” في الخطاب السنوي للمساهمين في شركته التابعة “بيركشاير هاثاواي” في 2014 أن نصيحته للأمناء على استثمار ممتلكاته هي “وضع 10% من النقد في سندات حكومية قصيرة الأجل، و90% في صندوق مؤشرات منخفض التكلفة يتتبع أداء مؤشر إس آند بي 500”.
وكتب “أعتقد أن النتائج الطويلة الأجل التي ستتحقق من تلك السياسة ستكون أفضل من تلك التي يحققها معظم المستثمرين، سواء كانت صناديق معاشات تقاعد أو مؤسسات أو للأفراد، والذين يوظفون مديرين يتقاضون رسوما مرتفعة”.
يضيف “مالكيل” أن كل عام يسجل نحو ثلثي مديري الاستثمارات النشطة أداءً دون المؤشر بشكل عام، كما أن الثلث ممن تفوقوا على أداء المؤشر في عام واحد سيختلفون عمن سيتفوقون في العام التالي وبالتالي فهم يفقدون مركزهم ليحل آخرون محلهم. ويسوق مثالا بأداة مقارنة من ابتكار “ستاندرد آند بورز” يطلق عليها “سبيفا” يقارنون فيها مؤشرات “إس آند بي” مع المديرين النشطين للاستثمارات، وتكشف المقارنة أنه خلال فترة عشر سنوات تفوق المؤشر على ما يقرب من 90% من صناديق الأسهم المحلية على سبيل المثال.
لا يقطع “مالكيل” باللجوء المنفرد إلى الاستثمار الخامل، ويقول إن الاستثمار النشط يمكن أن يحتل جزءا من محفظة المستثمر لكن بقدر محدود، ويوصي وبشدة أن يتم استثمار مدخرات التقاعد على وجه الخصوص في صناديق المؤشرات وغيرها لكونها الأداة الأكثر أمانا لمثل ذلك النوع من الاستثمارات.
بالطبع تواجه دعوات “مالكيل” العديد من الانتقادات من بينها التكلفة الاجتماعية لتتبع المؤشرات، خاصة أن ذلك النوع من الأنشطة يتخلص من التكاليف المرتفعة للأنشطة البحثية وأنشطة تحديد أسعار الأسهم التي يتحملها المستثمرون النشطون، ويرى البعض أنه إذا لجأ الجميع إلى الاستثمار الخامل فلن تكون هناك أسواق للأسهم من الأساس فيما ستتوقف عمليات تخصيص رأس المال بل إنهم يرونها مثالا غير عادل لأنه يوزع التميز والرداءة في الأداء على الجميع دون استثناء.
لكن “مالكيل” يقول إنه ليست هناك الكثير من أنشطة تتبع المؤشرات، بل على العكس فإن السوق تزخر بالإدارة النشطة للاستثمارات، وإنه من وجهة نظره فإن السوق ستعمل بشكل جيد إذا شكلت الإدارة النشطة للاستثمارات نسبة تتراوح بين اثنين وثلاثة بالمائة فقط من الاستثمارات في السوق مع ضمان أن المعلومات تنعكس بشكل سليم على الأسعار.
يرى محللون أيضا أن الاستثمار الخامل يتميز بانخفاض التكاليف مما يمنحه مزايا في مواجهة الاستثمار النشط، فقد كشفت بيانات حديثة من “إس آند بي داو جونز للمؤشرات” أن المستثمرين قاموا بتوفير ما يزيد على 400 مليار دولار من الرسوم من خلال الاستثمار في صناديق المؤشرات على مدى ربع القرن المنصرم.
يقول خبراء إنه بالنظر إلى الكيفية التي لم يحقق بها بعض المستثمرين النشطين البارزين الأداء المأمول في السوق مؤخرا، فإنه بات ثمة جدوى في الاستماع للمستثمرين المحافظين الذين يفضلون في الأجل الطويل الاستثمار في المؤشر “إس آند بي 500” على عدد من الأسهم.
ويسوق أولئك الخبراء الأمثلة على ذلك بمصير “كاثي وود” من شركة “آرك” التي قامت باستثمارات ضخمة في شركات مثل “تسلا” و”زووم” و”روكو” و”تيلدوك”. وانخفض مؤشر “آي تي إف” الرائد التابع لشركة “آرك” 60% منذ بداية العام الجاري مقارنة بانخفاض نحو 20% فقط منذ بداية العام لمؤشر “إس آند بي 500”.
إحصاءات مؤيدة

تشير الإحصاءات الصادرة مؤخرا إلى أن مديري الاستثمارات النشطة أخفقوا في التفوق على نظرائهم في الاستثمارات الخاملة في عام حتى يونيو 2022. وكشف مقياس “مورنينج ستار” الأوروبي لأنشطة الاستثمار النشطة والخاملة أن العوامل المعاكسة أدت إلى تقلب كل من الأسهم والسندات الأوروبية عبر أسواق الصناديق.
ويتتبع المقياس أداء الصناديق النشطة التي مقرها أوروبا مقابل الصناديق الخاملة، ويغطي 30 ألف صندوق نشط وخامل في أوروبا تدير أصولا بنحو 7 تريليونات يورو، وكشف أن 35 بالمائة فقط من الصناديق التي تنشط في الاستثمار في 43 فئة من فئات الأسهم نجحت في التفوق على نظيرتها الخاملة في تلك الفترة.
وواجهت الأسواق المالية في النصف الأول من 2022 العديد من العوامل المعاكسة مع التوتر في أسواق الطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا مما أدى لارتفاع التضخم. وشهدت أسواق الأسهم والسندات انخفاضات كبيرة.
وخلصت “مورنينج ستار” إلى أن سبع فئات فقط من الأسهم أظهرت معدل نجاح لمديري الاستثمارات النشطة يزيد على 50%. وكان متوسط معدل النجاح لمديري الاستثمار النشط في أصول الدخل الثابت في 23 فئة أعلى بقليل فحسب من 40%. وأظهرت سبع فئات معدل نجاح يزيد على 50% في عام واحد.
وقالت “مورنينج ستار” إن معدل النجاح طويل الأجل لمديري الاستثمارات النشطة ظل منخفضا بصفة عامة، إذ بلغ متوسط معدل النجاح لمديري الاستثمارات النشطة في الأسهم على مدى السنوات العشر الماضية 24%، بينما بلغ معدل النجاح لمديري الاستثمارات النشطة في أدوات الدخل الثابت 21%.
وعلى مدى عشر سنوات تنتهي في يونيو 2022، بلغ معدل نجاح مديري الاستثمارات النشطة أقل من 25% في أكثر من نصف 72 فئة استثمار شملها المسح في شتى فئات الأصول.
قالت “مورنينج ستار” إن معدلات الاستمرار كانت مرتبطة بفرص النجاح، وإن الصناديق الخاملة كانت لديها فرص أفضل للاستمرار في الأجل الطويل مقارنة مع الصناديق النشطة.
ويقول “بريان أرمور” مدير أبحاث استراتيجيات الاستثمار الخاملة لأمريكا الشمالية لدى “مورنينج ستار” إن الصناديق المدارة بنشاط فشلت في البقاء وتجاوز المؤشرات القياسية، خاصة على مدى آفاق زمنية أطول، وأشار إلى أن صندوقا واحدا فقط من بين كل أربعة صناديق نشطة تفوق على المؤشرات الخاملة على مدى السنوات العشر المنتهية في يونيو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى