اقتصاد دولي

قيود الاستثمار الأميركية تشعل حرب قنوات الاتصال مع الصين

قد تقوض الجهود المبذولة لتخفيف التوترات بين الولايات المتحدة والصين من خلال سلسلة من الزيارات الدبلوماسية إلى بكين، إذ يمضي البيت الأبيض قدماً في خططه لفرض قيود جديدة على الاستثمارات الأميركية في الشركات الصينية العاملة في الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.

وكانت القيود التي تلوح في الأفق موضوعاً رئيساً للنقاش بين وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، وكبار المسؤولين الصينيين خلال رحلتها التي استمرت أربعة أيام إلى الصين، واختتمت الأحد الماضي.

من جانبها سعت وزارة الخزانة إلى تضييق نطاق القيود التي تستهدف الأسهم الخاصة واستثمارات رأس المال الاستثماري في عدد قليل من القطاعات المحدودة، كما حاولت الوزارة أيضاً تخفيف المخاوف داخل الصين من أن الإجراءات ترقى إلى مستوى الحظر التكنولوجي الذي يهدف إلى الإضرار بالاقتصاد الصيني.

أول اختبار لقنوات الاتصال الأميركية – الصينية 

ومع ذلك من المتوقع أن تثير مثل هذه الإجراءات غضب الصين وستكون الاختبار الأول لقنوات الاتصال الجديدة التي يحاول أكبر اقتصادين في العالم استعادتها.

وقال مسؤول سابق في وزارة الخزانة منذ فترة طويلة، وهو الآن رئيس الولايات المتحدة لمنتدى المؤسسات المالية والنقدية الرسمية مارك سوبيل لصحيفة “نيويورك تايمز”، “ستكون لديهم مخاوف في شأن سياساتنا الاستثمارية تجاه الصين”، مضيفاً أن “الصينيين لديهم مشكلاتهم معنا، وكلا الجانبين لديهم فهم واضح تماماً أن هناك توتراً”.

العلاقات الأميركية – الصينية كانت وصلت أخيراً إلى أدنى مستوى لها منذ سنوات، بعد اندلاع التوترات حول تحليق منطاد مراقبة صيني فوق الولايات المتحدة، وقيود أكثر صرامة على التكنولوجيا من واشنطن، وشراكة بكين مع موسكو خلال الحرب في أوكرانيا، وتهديد الصين المستمر لتايوان.

وفي الأشهر الأخيرة عملت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على وقف مزيد من التدهور في العلاقة، التي تعتبرها تهديداً محتملاً للسلام والاستقرار العالميين عبر زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين للصين الشهر الماضي، وزيارة وزيرة الخزانة لبكين في الأيام الماضية، ومن المتوقع أيضاً توجه مبعوث بايدن الخاص لتغير المناخ جون كيري إلى بكين يوم الأحد المقبل.

قيود الاستثمار الأميركية الجديدة 

لكن قيود الاستثمار الجديدة من الولايات المتحدة يمكن أن تصعد الإجراءات الانتقامية التي يستخدمها البلدان في الوقت الذي يحاولان فيه وضع “أرضية” في إطار علاقتهما.

وقالت الصحيفة، يبدو أن الإجراءات الجديدة تمت تسويتها إلى حد كبير لأشهر عدة حتى الآن، ولكن يبدو أيضاً أن إدارة بايدن أخرت إعلانهما نظراً إلى العلاقة المضطربة مع الصين.

ويأتي ذلك في وقت لا تزال الوكالات الحكومية الأميركية تتناقش بعض التفاصيل وبمجرد الوصول إلى اقتراح القيود، سيكون لدى القطاع الخاص الوقت للتعليق عليها، إذ يمكن أن تشكل كيفية وضعها.

وأضافت الصحيفة “حتى إذا قررت إدارة بايدن تأجيل إصدار الإجراءات، فإنها ستواجه ضغوطاً متزايدة من المشرعين، الذين يفكرون في فرض قيود أوسع على الاستثمارات في الصين”.

تدفق رأس المال الأميركي للصين 

كما اشتكى المشرعون وغيرهم من مؤيدي الإجراءات من أن النظام الحالي يسمح لرأس المال الأميركي بالتدفق إلى الصين وتمويل التقنيات التي قد تشكل في نهاية المطاف تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة.

وحالياً تحظر الولايات المتحدة على الشركات الأميركية البيع المباشر لبعض التقنيات المتقدمة إلى الصين، وتراقب الاستثمارات التي تقوم بها الشركات الصينية في أميركا، بحثاً عن مخاطر أمنية محتملة، لكن الحكومة الأميركية لديها قليل من البصيرة وليس لديها سيطرة على الأموال التي تسافر من الولايات المتحدة إلى الصين.

وكان الرئيس السابق للجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بالكونغرس الأميركي روجر روبنسون، أدلى بشهادته في جلسة استماع في مايو (أيار) الماضي، قائلاً “لقد سخرت الصين ووجهت واستغلت الجشع الغربي لدفع أهدافها الاستراتيجية إلى درجة غير مسبوقة ومحفوفة بالمخاطر”.

ضغط المجموعات الصناعية الأميركية ضد الحظر 

إدارة بايدن قضت معظم العام الماضي تقريباً في تقييم مدى تطبيق قيود الاستثمار على نطاق واسع، إذ تواصل المسؤولون مع مديري الأعمال للحصول على آرائهم حول التأثير الذي قد تحدثه مثل هذه الخطوة.

ومن جانبها ضغطت المجموعات الصناعية وأصحاب رأس المال الاستثماري بقوة ضد فرض حظر واسع النطاق على الاستثمار في الصين، قائلين إنه “سيعطل العلاقات التجارية المهمة ويضر في النهاية بالاقتصاد الأميركي”.

وبحسب الصحيفة يبدو أن الإدارة توصلت إلى إجراء مصمم بدقة، الذي قد يتطلب من الشركات إبلاغ الحكومة بمزيد من المعلومات حول استثماراتها المخطط لها في الصين، بينما تحظر الاستثمارات في عدد قليل من المناطق الحساسة ذات التطبيقات العسكرية أو المراقبة.

وفي جلسة استماع في مايو الماضي أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ، قال مساعد وزير الخزانة لأمن الاستثمار بول روزين إن “الإدارة تعمل على صياغة برنامج ضيق ومركز لتقييد الاستثمار في تقنيات حساسة معينة لها آثار في الأمن القومي”.

في وقت يقر كل من المؤيدين والمنتقديين بأن الأهمية الأكبر لهذا الإجراء هي تنظيم الاستثمار والأعمال في المستقبل، ويقولون إن القواعد الجديدة نفسها من غير المرجح أن تفعل كثيراً على المدى القصير للتأثير في تطوير التكنولوجيا في الصين، لأن البلاد لا تعاني نقصاً في التمويل الاستثماري.

وقال الزميل الأقدم غير المقيم في معهد “بيترسون” للاقتصاد الدولي نيكولاس آر لاردي، إن “الولايات المتحدة كانت مصدر أقل من خمسة في المئة من الاستثمار الصيني المباشر الداخلي في كل من عامي 2021 و2022″، مضيفاً أنه “في الربع الأول من هذا العام انهار الاستثمار في الصين من شركات رأس المال الاستثماري الأميركي وشركات الأسهم الخاصة إلى ما يقرب من 400 مليون دولار، انخفاضاً من ذروة بلغت نحو 35 مليار دولار في عام 2021”.

واستدرك لاردي قائلاً “إجمالي الاستثمار المحلي في الصين في هذا الربع بلغ 1.5 تريليون دولار”، مضيفاً أن “رأس المال الاستثماري الأميركي وتدفقات الأسهم الخاصة ليست حتى خطأ تقريبياً”.

ومع ذلك يمكن للقواعد الجديدة أن تثبت أهميتها من خلال وضع سابقة لتقييد استثمارات القطاع الخاص في الصين، كما يمكن أن تكون أداة يلجأ إليها المسؤولون الأميركيون في أوقات التوتر مع الصين، ونهج سياسي قد يتدفق عبر الديمقراطيات المتقدمة في السنوات المقبلة.

وناقش المسؤولون الأميركيون في اجتماعات المجموعة السبعة في مايو الماضي، إمكان مواءمة هذه السياسات مع الحلفاء المقربين، في حين أشار تقرير نشر هذا العام عن “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” إلى أن كلاً من كوريا الجنوبية وتايوان لديهما مجموعة خاصة من قيود الاستثمار، إذ تضع تايوان لوائح محددة على الاستثمارات الخارجية في الصين بناء على نوع التكنولوجيا وتتضمن محظورات لقطاعات التكنولوجيا الفائقة.

قيود الصين على الاستثمارات الخارجية 

وكانت الصين وضعت قيوداً خاصة بها على الاستثمارات الخارجية في عام 2016، كما قادت بكين الشركات والأسر في البلاد بعيداً من المضاربة على العقارات الأميركية وحتى أندية كرة القدم ودفعتهم بدلاً من ذلك إلى شراء الشركات الخارجية في إنتاج الطائرات والتصنيع الثقيل والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والقطاعات الاستراتيجية الأخرى.

ومن المرجح أن تكون وزارة الخزانة الأميركية هي الوكالة الحكومية المسؤولة عن تنفيذ القيود الجديدة، وكانت يلين حذرة من أنه إذا صممت بشكل سيئ فقد تقوض مناخ الاستثمار المفتوح تقليدياً في الولايات المتحدة.

وقالت يلين في برنامج “واجه الأمة” الأحد الماضي، أن الضوابط “يجب ألا يكون لها تأثير كبير في مناخ الاستثمار بين بلدينا”.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخزانة إن المسؤولين الصينيين سمعوا التبرير الذي قدمته الولايات المتحدة للقيود المحتملة، لكن لم يتضح ما إذا كانوا يتفقون مع الأساس المنطقي.

الصين وقيود التصدير المرتقبة 

إلى ذلك يراقب المسؤولون الصينيون أيضاً بحذر قيام إدارة بايدن بإصدار مجموعة متنوعة من قيود التصدير على نوع الرقائق المتقدمة التي يمكن إرسالها إلى الصين.

وتدرس الإدارة الأميركية حالياً إجراءات جديدة يمكن أن تزيد من القيود المفروضة على قدرة الشركات الصينية على الوصول إلى أحدث قدرات الذكاء الاصطناعي عبر الخدمات السحابية.

 وكانت منعت القيود التي صدرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الشركات الصينية من شراء هذه المنتجات بشكل مباشر من واشنطن.

وعلى رغم تلك المساحات الواسعة من الخلاف، إلا أن مسؤولاً سابقاً بوزارة الخزانة مارك سوبيل، أشار إلى أن الولايات المتحدة والصين لا يزالان أمامهما قليل من الخيارات سوى الاستمرار في التحدث مع بعضهما بعضاً، قائلاً “نحن في القارب معاً، وهذا يعني أنه يتعين عليهم التحدث والانسجام فحسب، سواء كانوا سعداء مع بعضهم بعضاً أم لا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى