اقتصاد دولي

الدين العالمي يتضاعف والأنظار نحو تعثر مستوى الناتج المحلي في 2024

قال مدير إدارة شؤون المالية العامة لصندوق النقد الدولي فيتور غاسبار إن السياسة المالية العامة بعد مضي ثلاثة أعوام على جائحة «كوفيد-19» قطعت شوطاً كبيراً للعودة للأوضاع العادية، مشيراً إلى تراجع معدلات الدين العام والعجز بشكل كبير عامي 2020 و2022 من مستويات قياسية، مما سمح بالدعم غير العادي في بداية تفشي الجائحة، بحيث أوقفت بلدان كثيرة العمل بالقواعد المالية واليوم تخطط معظم هذه البلدان للعودة لهذه القواعد بعد إعادة التفكير.
وأضاف غاسبار خلال المؤتمر الصحافي الذي بدأ به اليوم الثالث لاجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن الذي استعرض تقرير «الراصد المالي» الذي أطلقه الصندوق بالتزامن مع الحدث، أنه وعلى رغم تحقيق تقدم كبير من المستويات التي وصلنا إليها عام 2020 فإن الدين العام العالمي مرتفع بشكل أكبر ومن المتوقع أن يزيد بشكل أكبر مقارنة بالمستويات التي شهدناها قبل الجائحة وأن يصل هذا الصعود إلى نسبة 1.25 في المئة سنوياً. وبحلول عام 2028 من المتوقع أن يشكل الدين العام في العالم نحو 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للعالم ليعود للمستويات القياسية التي كانت محددة عام الجائحة.
أميركا والصين الأكثر مديونية
وأردف أن معدلات العجز الأولي من المتوقع أن تتوقف عن التراجع وأن تظل في مستويات أعلى مما كانت عليه قبل الجائحة على المدى المتوسط، وأشار إلى أن اتجاهات العالم العالمية تشكلها بعض بلدان الأسواق الصاعدة والمتقدمة مثل البرازيل والصين وجنوب أفريقيا وبريطانيا واليابان وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة حيث من المتوقع أن تواجه جميع هذه الدول ارتفاعاً في الدين العام يتجاوز خمسة في المئة على امتداد عام 2023 حتى عام 2028، مع أكبر اقتصادين أي الأميركي والصيني اللذين سيسهمان في أكبر قدر من هذه الزيادة.
ولفت غاسبار إلى أن نسبة الدين العام في الولايات المتحدة إلى إجمالي الناتج المحلي من المتوقع أن يرتفع بنحو ثلاثة في المئة سنوياً بدءاً من عام 2023، وحوالى ضعف الوتيرة التي كانت متوقعة قبل جائحة كورونا. وأضاف أن بحلول عام 2028 فإن الدين العام في الولايات المتحدة إلى إجمالي الناتج المحلي يتوقع أن يتجاوز 135 في المئة أي أعلى من الذروة التي كان بلغها قبل جائحة كورونا.
وأشار إلى الارتفاع الكبير في الدين العام للصين بالنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2020 منوهاً إلى عدم وجود تراجع للدين العام للبلاد عامي 2021 و2022 ومتوقعاً تضاعف الدين العام للصين في العام الحالي ليتجاوز 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وقال إنه باستثناء الولايات المتحدة والصين، فإن الدين العام العالمي سيتراجع ببطء على المدى المتوسط.
صعود الفائدة يرفع كلفة الإقراض
كما تناول غاسبار ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية التي أوضح أنها ترفع كلفة الاقتراض على البلدان، مما يجعل إدارة المالية العامة صعبة. وأضاف أنه بالنسبة إلى البلدان التي تعتمد على الاقتراض بالنقد الأجنبي، فإن تشديد السياسات المالية العالمية يعد مصدراً للضغوط مع انخفاض أسعار الصرف بحيث يمكن أن يؤدي إلى ارتفاعات كبيرة في الدين، إضافة إلى ذلك فإن الزيادة السريعة في أسعار الفائدة ربما تؤدي إلى تعقيدات في وجه الاستقرار المالي، كما رأينا في الاضطرابات المالية أخيراً في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
وتحدث مدير إدارة شؤون المالية العامة لصندوق النقد الدولي عن تقرير «الراصد المالي» الذي أطلقه الصندوق في الحدث، قائلاً إن هناك من الأسباب ما يبرر تشديد المالية العامة في كثير من البلدان بناء على أربع نقاط، أولاً سياسة المالية العامة إذ ينبغي أن تدعم السياسة النقدية خفض التضخم إلى هدفه المستهدف، كما أن قوة المالية العامة يمكنها أن تسهم في خفض الطلب ومن ثم اعتدال الزيادة في أسعار الفائدة الأساسية. ثانياً وجود مزيج سياسات أكثر توازناً من شأنه أن يحد من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة الأساسية، مما يسهم في تحقيق الاستقرار المالي. وثالثاً فإن الرصيد المالي القوي السليم للدول يحميها من الأخطار ويساعدها على بناء الحيز المالي في مواجهة التطورات المالية والاقتصادية المعاكسة، مشيراً إلى أن الأدلة التجريبية للصندوق تظهر أن البلدان التي لديها هوامش غير كافية تواجه أزمة مالية وتعاني بقدر أكبر ركوداً أعمق وأطول، وهذا الأمر ينطبق بصورة خاصة على الأسواق الصاعدة. ورابعاً فإن الأرصدة الأقوى تسهم أيضاً في استدامة القدرة على تحمل الدين على المدى الطويل في سياق يتضمن الاتجاهات الديموغرافية والتحول الرقمي والتحول الأخضر.
وشدد غاسبار على أهمية تقرير «الراصد المالي»، بخاصة أن يبحث أيضاً في كيف يمكن للسياسة المالية العامة أن تساعد على خفض التضخم وحماية الفئات الضعيفة من السكان في الوقت ذاته. وقال إن النتائج التي خرجت بها تحليلاتنا تشير إلى أن الأسر المنخفضة الدخل تتحمل أكبر قدر من المعاناة من ارتفاع التضخم وصعود الفائدة، مما يخفض استهلاك تلك الأسر.
وأوضح أن «المالية العامة السليمة» ربما تمكن الحكومات من تحقيق التنمية المستدامة على المدى المتوسط وبناء مجتمعات صلبة، في حين أن البلدان المنخفضة الدخل لديها حيز غير كاف من المالية العامة لأن الضرائب لديها متدنية بشكل كبير مقارنة بإجمالي الناتح المحلي، مشدداً على أهمية تحسين القدرات المالية واصفاً ذلك بـ»الأمر الحاسم» من أجل الائتمان العام والتنمية المالية والتكامل والاندماج بشكل آمن مع أسواق رأس المال العالمية، كما يساعد أيضاً على مواجهة الصدمات مثل الأحداث التي تفرض أسعار الغذاء وكذلك الأحداث المناخية.
كما أكد أهمية الموارد المالية السليمة بالنسبة إلى الاستثمارات الخضراء المالية وكذلك معالجة التغير المناخي، داعياً إلى التصدي بشكل عاجل لظاهرة الاحتباس الحرري وزيادة الانبعاثات الكربونية ومشيراً إلى أن التغير المناخي هو القضية التي سيتناولها «الراصد المالي» في تقريره المقبل في الخريف.
الراصد المالي
ويناقش تقرير «الراصد المالي» للصندوق التقلبات التي شهدتها المالية العامة نتيجة الصدمات الكثيرة منذ ظهور الجائحة والتي اتسمت بمعدلات نمو غير معتادة وتغيرات ديناميكية في مستويات التضخم وتقديم دعم مالي للتخفيف من تلك الصدمات. وكانت التوترات المالية الأخيرة أدت إلى تدهور الآفاق التي تكتنفها بالفعل حال من عدم اليقين والتعقيد، في ظل تشديد الأوضاع التمويلية وتزايد المخاوف في شأن مواطن الضعف المتعلقة بالدين. ويقول الصندوق إنه في ظل هذه البيئة الحافلة بالتقلبات، ينبغي إيلاء الأولوية لتحقيق الاتساق بين سياسة المالية العامة والسياسة النقدية لاستعادة الاستقرار السعري والمالي، مع دعم الفئات الأكثر ضعفاً. ويضيف أنه في ظل التغيرات الحادة في الأوضاع المالية، هناك حاجة أيضاً إلى الانضباط المالي للتصدي لمواطن الضعف في المالية العامة. ولهذا الغرض، يرى الصندوق أنه سيتعين على الحكومات إيلاء أولوية أكبر لإعادة بناء موارد مالية وقائية من خلال وضع أطر مالية قائمة على الأخطار وذات مصداقية للتشجيع على اتساق السياسات الاقتصادية الكلية والحد من مواطن الضعف المتعلقة بالدين مع مرور الوقت وبناء الحيز اللازم لمواجهة الصدمات المستقبلية.

ويعتبر تقرير «الراصد المالي» أنه على رغم احتمال أن يوفر التضخم المفاجئ مجالاً لالتقاط الأنفاس لنسب الديون، إلا أن محاولات إبقاء حاملي السندات المفاجئين أثبتت تاريخياً أنها غير مجدية أو ضارة. ولفت الصندوق إلى أن صانعي السياسات يحتاجون إلى تحقيق التوازن بين حماية مجموعات معينة وتجنب جعل التضخم أكثر استمرارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى