اقتصاد دولي

ضعف مبيعات الشركات ينذر بانهيار سوق العقارات البريطانية

يواجه قطاع التشييد والبناء والتطوير العقاري في بريطانيا تراجعاً شديداً في العائدات والأرباح السنوية قد يؤثر لفترة طويلة على بناء ما يكفي من البيوت لتلبية حاجات المساكن للتملك أو الإيجار. يرجع ذلك في الأساس إلى ارتفاع أسعار الفائدة على القروض العقارية، الذي هبط بالطلب على شراء البيوت بخاصة المباني الجديدة، وتصاعدت المخاوف من أن قطاع تشييد المساكن يمكن أن يضطر إلى مزيد من تسريح العملة وخفض العائد للمساهمين في شركاته.

وتواصل شركات التشييد والبناء والمطورون، حتى الشركات الكبرى، الإعلان عن انهيار الأرباح السنوية في معظم الأحيان بأكثر من النصف.

في هذا الأسبوع، أصدرت شركة “كريست نيكولسون” تحذيراً في شأن أرباحها بعدما لم تزد مبيعاتها لهذا الصيف عن نصف المستهدف، وقدرت الشركة ألا تزيد الأرباح ما قبل خصم الضرائب للعام المنتهي في أكتوبر (تشرين الأول) القادم على 50 مليون جنيه استرليني (63 مليون دولار)، منخفضة بنسبة 64 في المئة في الأقل.

وسبقتها في إعلان التحذيرات في شأن الأرباح السنوية شركات تطوير عقاري أخرى مثل “تايلور ويمبي” التي قدرت انخفاض أرباحها بنسبة 52 في المئة وشركة “بريمسون” التي توقعت انخفاض الأرباح بمقدار النصف في الأقل.

ويواجه قطاع التشييد والبناء في بريطانيا “عاصفة محكمة” على حد وصف المدير التنفيذي لـ”اتحاد شركات بناء البيوت”، ديفيد أوليري في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز”، إذ يعتقد أن من أسباب انهيار الأرباح في القطاع ارتفاع كلفة الاقتراض إضافة إلى وقف الحكومة البريطانية برنامج مساعدة المشترين الذي كان يوفر قروضاً مدعمة لمن يشتري بيتاً للمرة الأولى.

صمود الأسعار

حتى الآن لم تلجأ شركات البناء لخفض أسعار الوحدات التي تطرحها للبيع كي تزيد المبيعات وتحسن العائد والأرباح، بل تلجأ معظمها إلى خفض التكاليف، في حين تدرس الشركات الكبيرة إمكانية تسريح قدر من العمالة فيها إضافة إلى خفض العائد على أسهمها للمستثمرين فيها، وبالفعل، خفضت شركة “بريمسون” العائد على سهمها هذا العام بنسبة 75 في المئة.

ويتوقع المحللون في السوق أن تعلن شركة “بارات” للتطوير العقاري عن خفض العائد على أسهمها عندما تعلن نتائجها المالية السنوية في سبتمبر (أيلول) القادم.

يحذر المحللون في السوق العقارية من أن شركات التطوير العقاري قد تضطر إلى خفض أسعار البيع إذا استمر ضعف الاقتصاد البريطاني لفترة وظلت أسعار الفائدة الأساسية مرتفعة بما يجعل نسبة الفائدة على قروض الرهن العقاري عالية لمدة طويلة.

حتى الآن، وعلى رغم استمرار رفع بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) أسعار الفائدة لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة فإن أسعار البيوت في بريطانيا تظل صامدة ولا تشهد سوى انخفاض طفيف في بعض الأحيان، وآخر الأدلة على ذلك ما أعلنته شركة السمسرة والتمويل العقاري “هاليفاكس” من أن أسعار البيوت في بريطانيا انخفضت بنسبة 0.3 في المئة فقط في يوليو (تموز) الماضي، ويرجع ذلك في قدر كبير منه إلى توفر المشترين الذين يدفعون نقداً، بالتالي لا يتأثرون بسعر الفائدة على القروض العقارية.

كان الشراء نقداً قاصراً من قبل على المشترين الأجانب للعقارات في بريطانيا، إلا أن ارتفاع كلفة المعيشة مع تراكم المدخرات خلال فترة أزمة وباء كورونا جعل كثيراً من المشترين، بخاصة من الشباب يعتمدون على مساعدة الأهل كي يتمكنوا من شراء مسكن مستقل.

على العكس من توقع انخفاض أسعار البيوت بقوة مع زيادة كلفة القروض العقارية نجد شركة مثل “تيلور ويمبي” تعلن أن أسعار بيع الوحدات الجديدة التي تبنيها ارتفعت في الأشهر الستة الأخيرة بمعدل سنوي بنسبة 6.3 في المئة ليصل متوسط سعر الوحدة إلى 320 ألف جنيه استرليني (402 ألف دولار).

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة “كريست نيكولسون” بيتر تراسكوت، إنه من غير المحتمل أن تخفض الشركات العقارية أسعار بيع البيوت، فيما يرى محلل قطاع العقار في شركة “كيلتر سيفيوت” أولي كريزي، أن المطورين العقاريين “قد لا ينحنون للعاصفة مع تباطؤ السوق… فأنت تبيع لمرة واحدة وليس لديك فرصة أخرى”، لكنه يحذر من أنه “إذا رأينا أسعار الفائدة ومعدلات البطالة ترتفع، فلن يكون هناك مفر من المخاطرة بتخفيض الأسعار”.

أزمة مستمرة

وفق تقديرات السوق، يتوقع أن يستمر هذا المنحى في تباطؤ السوق العقارية في بريطانيا لما تبقى من هذا العام وحتى العام المقبل، إذ وصل سعر الفائدة المثبتة على قروض الرهن العقاري لفترة محددة بعامين إلى 6.7 في المئة، مقتربة من أعلى مستوى لها في 15 عاماً بحسب أرقام شركة “موني فاكتس”، ومن غير المتوقع أن تنخفض أسعار الفائدة على القروض العقارية إلى ما دون نسبة خمسة في المئة قبل العام المقبل.

إذا كانت شركات البناء الكبيرة بدأت تعاني بالفعل من هبوط عائداتها وأرباحها بنسبة كبيرة، فإن الشركات الصغيرة تعاني أكثر بخاصة مع عدم توفر السيولة لديها التي قد تحمي الشركات الكبرى من الانهيار.

وبحسب مسح لـ”اتحاد شركات بناء البيوت” الشهر الماضي فإنه من بين أكثر من 200 شركة صغيرة في القطاع تتجه نسبة 93 في المئة إلى تقليص البناء والإنشاء في الأشهر المقبلة، وأغلب تلك الشركات هي شركات عائلية محدودة القدرات.

مشكلة الشركات أنه في سعيها لمواجهة تراجع الأرباح وللحفاظ على العائدات تفكر عند خفض التكاليف أولاً بتسريح العمالة. إلا أن ذلك قد يزيد من الأزمة ويؤدي إلى أضرار على المدى البعيد، إذ إن توفر العمالة الماهرة في قطاع البناء والتشييد ليس بالقدر الكافي، كما أن تدريب العمالة في القطاع يتطلب كلفة كبيرة ووقتاً طويلاً، فضلاً عن أن عمال البناء والتشييد يراكمون الخبرة والمهارة بطول فترة عملهم، ومن شأن تسريح عمالة حالية أن يؤدي إلى تراجع الجودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى