مقالات اقتصادية

دولة قطر تدخلت لإنقاذه.. ما حكاية اقتصاد الأرجنتين المنهك..

كتب اسامة صالح

يتأرجح اقتصاد الأرجنتين على حافة كساد كبير سيشهده هذا العام من جراء أزمات مركبة ضربته خلال السنوات القليلة الماضية، أبرزها ارتفاع التضخم لمستويات غير مسبوقة، وجفاف أنهك القطاع الزراعي، ومشكلة الديون الحكومية الأعلى عالمياً.
وأمام هذه الظروف القاسية لجأت بوينس آيرس إلى دولة قطر لمساعدتها على توفير دفعة من قرض لصندوق النقد الدولي؛ لتجنب تراكم مزيد من الفوائد عليها بعد أن حان وقت تسديد المبلغ، وهو بقيمة 775 مليون دولار.

مؤشرات ركود
وكلف الجفاف الاقتصاد الأرجنتيني خسارة بقيمة 20 مليار دولار من الصادرات الزراعية، التي كانت السبب الرئيس وراء التراجع الحاد العام الجاري.
لكن التضخم، الذي تجاوزت نسبته الـ 115%، وهبوط قيمة عملة البيزو بأكثر من 50% أمام الدولار، خلال الأشهر الـ12 الماضية، جعلت رواتب الموظفين بلا قيمة، لتعلو توقعات دخول اقتصاد الدولة الأمريكية الجنوبية في انكماش بما يفوق الـ3% خلال العام 2023.
وإضافة إلى كل ذلك تمتلك الأرجنتين أكبر قدر من الديون عالمياً بقيمة أكثر من 150 مليار دولار، وهو ما جعلها عرضة لمزيد من الأزمات المالية، خاصة مع صعوبات السداد التي تواجهها.

كل هذه الأزمات قادت كذلك إلى تضرر واحد من أبرز القطاعات الاقتصادية في الدولة التي طالما ساهمت في توفير فرص عمل، وهو قطاع التصنيع الذي كان يعد أحد النقاط المضيئة بسوق العمل في البلاد.

لكن يبدو أن حظوظه الجيدة تقترب من نهايتها، حيث كشفت البيانات الحكومية أن نسبة أكبر من مديري المصانع يتوقعون حالياً تراجعاً بعدد الوظائف يفوق عدد تلك المُضافة خلال الشهور الثلاثة المقبلة، ما يأتي على العكس من اتجاه التوقعات في أعقاب نهاية حقبة وباء كورونا.

وفي مؤشر آخر على تراجع قطاع التصنيع في الأرجنتين، هبطت صادرات السلع 22% منذ بداية السنة الجارية وحتى مايو الماضي، مقارنة مع نفس المدة الزمنية من السنة الماضية، إذ حققت عجزاً بقيمة 2.7 مليار دولار مقابل تسجيل فائض تجاري بالسنة المنصرمة.

وشكلت السلع المتضررة من الجفاف أكبر عبء على الميزان التجاري، إذ تراجعت بنسبة 37.2%، لتفوق عمليات التراجع في موجة الجفاف خلال 2018 أو وباء كورونا.
كما انخفضت الصادرات 7% خلال أول 5 شهور من 2023، في حين تراجعت من حيث الحجم 16%، وتراجع النشاط الاقتصادي 4.2%، خلال أبريل، مقارنة مع نفس الشهر من السنة الماضية.

ويعلق احد الخبراء الاقتصاديين على هذه المؤشرات قائلاً: إن “الأزمة الاقتصادية في الأرجنتين تعد من الأزمات الاكثر صعوبة في القارة اللاتينية، حيث تنفجر وتتجدد كل عشر سنوات بشكل أسوأ من سابقاتها”.

وأضاف أن “القاسم المشترك بين جميع الأزمات استفحال التضخم النقدي الذي يصل إلى درجات ما فوق التضخم، مع انهيار العملة المحلية، وهو ما يعكس نفس الارتفاع الهائل لأسعار السلع بكل أنواعها وخاصة الضرورية”.

وأشار إلى أن “هذا التضخم يجبر الحكومة على زيادة الدعم للمواد الضرورية وللفئات الشعبية على حساب ما هو مخصص لقطاع الإنتاج”.

وأوضح الكاتب الاقتصادي أن الوضع الحالي في الأرجنتين فرض ما يسمى “ازدواجية النظام النقدي”، أي تداول العملة المحلية إلى جانب الدولار في العمليات التجارية البسيطة والأكثر تعقيداً.

ولفت إلى أن أزمة الأرجنتين تعد بنيوية لا تحل بالقروض، إذ إنها تخفف حدتها مدة وجيزة وعندما ينتهي مفعولها تعود بحدة وشراسة أكثر.

تدخل دولة قطر
وفي محاولة لتخفيف حدة الأزمة وسداد ديون مستحقة لصندوق النقد الدولي لجأت الأرجنتين إلى دولة قطر للحصول على قرض قيمته 775 مليون دولار، وهو ما وافقت عليه الدوحة.

وجاء في مرسوم رئاسي أصدرته الأرجنتين (الجمعة 4 أغسطس الجاري)، أن القرض القطري “سيمول عملية ‏سداد مستحقة لصندوق النقد الدولي (شاملة التكاليف ‏والتكاليف الإضافية)”.

ويعدّ القرض القطري هو الأحدث في سلسلة الخطوات غير التقليدية التي ابتكرتها الأرجنتين لتجنب تراكم الفوائد المستحقة لصندوق النقد الدولي.

وحول آلية سداد القرض القطري قال وزير الاقتصاد الأرجنتيني، سيرخيو ماسا، إن بلاده “ستسدد القرض لدولة قطر.. في النصف الثاني من أغسطس الجاري، فور موافقة صندوق النقد على دفعة من القرض البالغة قيمته 7.5 مليار دولار”، والتي اتفقت عليها بوينس آيرس مع مسؤولي الصندوق، في يوليو الماضي.

وأضاف ماسا أن “دولة قطر لن تتقاضى أي رسوم مقابل القرض أو ضمانات من الأرجنتين”، مؤكداً أن هذا القرض هو “أول عملية ائتمانية بين البلدين”، وفق “رويترز”.
واستحق على الأرجنتين لصندوق النقد الدولي سداد 454 مليون دولار فائدة للقرض، في الأول من أغسطس الجاري، لكن إجمالي المبلغ ارتفع إلى 775 مليوناً عند إضافة الرسوم الإضافية المرتبطة بحجم الدين الكبير.

وكان الصندوق دعم الأرجنتين بخطة إنقاذ قياسية بقيمة 44 مليار دولار في عهد الرئيس موريسيو ماكري، لكن أُعيد التفاوض على الاتفاق وإعادة تمويله في عهد الرئيس ألبرتو فرنانديز، الذي أوشكت ولايته على الانتهاء.

لماذا العاصمة الدوحة؟
وحول هذا التدخل القطري لمساعدة الأرجنتين يقول احد الخبراء الاقتصاديين: إن “الدوحة تملك علاقات متينة مع بيونس آيرس، وهناك مساعٍ متواصلة لتطوير هذه العلاقات سياسياً واقتصادياً، لذلك غير مستغرب أن تقدم دولة قطر المساعدة لهذه الدولة”.
وأضاف: “لدى الدوحة مصالح كبيرة في الأرجنتين وأمريكا الجنوبية عموماً، لذلك هي تسعى لدعم اقتصاد هذه الدولة التي تطمح لاستغلال الفرص الاستثمارية الكبيرة في سوقها”.

وفي يناير الماضي، نشر موقع “iprofesional” الأرجنتيني تقريراً أكد فيه دخول الأرجنتين ضمن دائرة الاهتمامات القطرية فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية، وذلك بفضل الفرص الواعدة التي تطرحها بوينس آيرس في مختلف الأسواق والقطاعات، ومن ضمنها مجال الطاقة الذي تسعى الأرجنتين إلى تقويته أكثر خلال المرحلة المقبلة.

وتابع الخبير الاقتصادي أنه إضافة إلى العلاقات والمصالح الاقتصادية التي تسعى دولة قطر لتحقيقها فإن الأخيرة أيضاً تهتم بإقامة علاقات تعاون في مختلف المجالات مع الأرجنتين وجميع دول أمريكا اللاتينية.
وأشار إلى أن “مثل هذه العلاقات تعزز من نفوذ وشبكة مصالح دولة قطر وعلاقاتها لتمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وهو ما يوضح سياسة العاصمة الدوحة بالانفتاح على كافة أنحاء العالم”.

العلاقات القطرية الأرجنتينية

تشهد العلاقات بين دولة قطر والأرجنتين اتصالات دبلوماسية قوية، وتبادل زيارات رسمية بين المسؤولين في كلا البلدين، حيث يسعيان إلى تعزيز التعاون الثنائي وتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية.

وتهتم الدولتان بتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بينهما، حيث تم التوقيع على عديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الثنائية في المجال الاقتصادي والتجاري والصناعي والرياضي والسياحي والثقافي، كما أن هناك العديد من الاتفاقيات قيد الدراسة من المتوقع أن توقع قريباً.

وفي العام 2014، أنشئت لجنة وزارية تجارية مشتركة بين حكومتي دولة قطر والأرجنتين، وفقاً لما نصت عليه اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري والفني الموقعة بين البلدين، في 18 يناير 2010، في بوينس آيرس، وبناءً على توصيات الاتفاقية تعقد اللجنة اجتماعاتها مرة كل سنتين بالتناوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى