اقتصاد خليجي

هل تستعد دبي لإطلاق أذكى عدسات لاصقة في العالم قريباً؟

يشهد مختبرٌ في إمارة دبي تعاوناً فريداً من نوعه بين رائد أعمال روسي وعالمٍ أوكراني متخصص في علم المواد، لتطوير مشروعٍ من شأنه إحداث نقلة نوعية في كيفية تفاعل الإنسان مع التكنولوجيا. وتتمثل مهمة الفريق في ابتكار عدسات لاصقة ذكية تدمج بين التكنولوجيا الحيوية وعلوم الإلكترونيات، لتوفير إمكاناتٍ وفرصٍ غير مسبوقة، وتحويل أفكارٍ كانت مستحيلة سابقاً إلى واقعٍ ملموس.

ويأتي المشروع في إطار شركة “زبانسيو” XPANCEO الناشئة، التي أسسها فالنتين فولكوف ورومان آكسلورد عام 2021 في موسكو بهدف تطوير هذه العدسات اللاصقة الذكية، غير أن اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022 دفع بالشريكين إلى التوجه مع فريقهما إلى دبي، حيث يواصلان اليوم مساعي البحث والتطوير لاستكمال المشروع.

ويُعد آكسلورد صاحب الفكرة المبتكرة لهذه العدسات خلال الفترة التي تلت استقالته من شركته الناشئة المتخصصة بالذكاء الاصطناعي والروبوتات في روسيا، لينظر عندها في ماهية شكل الحواسيب وآفاقها في المستقبل.

ويقول آكسلورد بهذا الصدد: “تمثّل الهواتف الذكية اليوم أكثر أشكال الحواسيب انتشاراً في العالم، لكنها غير قادرة على مواكبة الأهداف التي تطمح البشرية لتحقيقها خلال المئة عامٍ المقبلة. كما تُعد هذه الهواتف أجهزة قديمة وعتيقة الطراز وسيئة من نواحٍ عديدة، لا سيما عند مقارنتها بالجهاز المثالي الذي يُفضل أن يكون شفافاً وخفيف الوزن ويضمن أعلى درجات الخصوصية، وأن يتمثل في شاشة لا محدودة تربط جميع الأجهزة الخاصة بالمستخدم. ولذا، بدأت البحث عن شركاء يستطيعون مساعدتي بتحقيق هذا الابتكار”.

وتعرّف آكسلورد بذلك على شريكه الجديد فولكوف، الخبير العالمي في بصريات النانو والمواد المتقدمة، الذي يتمتع بخبرةٍ تخصصية تمتد لأكثر من 20 عاماً.

وأضاف آكسلورد قائلاً: “رأيت في رومان طابعاً غريب الأطوار عندما التقيت به للمرة الأولى، ولكن بعد أن تبادلنا بضعة أحاديث، وجدت شخصيته وأسلوبه مميزين وجاذبين خلافاً لاعتقادي السابق، مما زادني فضولاً للتعرف أكثر على أفكاره المثيرة للاهتمام”.

وكان فولكوف آنذاك مدير مركز البصريات والمواد ثنائية الأبعاد في معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا، وتمثل عمله في دراسة الخصائص البصرية لقوى فان دير فالس والمواد الرقيقة الذرية ثنائية الأبعاد. وحمل انتقاله للتعاون مع آكلسورد مخاطر عديدة، لكنه أتاح له في الوقت نفسه دراسة وابتكار نوع جديد من الحواسيب، وتحويل طموحات شريكه إلى واقع ملموس.

حاسوب جديد

أظهرت رحلة التكنولوجيا أنها تدور في حلقاتٍ زمنية مؤلفة من 10 سنوات، تنتهي بظهور جهازٍ أو أداةٍ ثورية تسهم في إحداث نقلة نوعية في سلوكيات المستهلكين. وتأتي هذه الدورات ثمرة البحوث المتواصلة لتعزيز كفاءة التكنولوجيا وقدرتها على التكيف وسهولة التفاعل معها واستخدامها، حيث أخذت الأجهزة تصبح أصغر حجماً وأكثر قوةً مع مرور الوقت، بدءاً من الحواسيب المكتبية ووصولاً إلى الهواتف والساعات الذكية. وقد يميل الكثيرون للقول بإن العدسات اللاصقة الذكية ضربٌ من الخيال، لكن هذا الاعتقاد نفسه كان موجهاً في السابق إلى الهواتف المحمولة باعتبارها أجهزة غير لازمة في ظل وجود الهواتف الأرضية. فمثلاً، عندما كشفت “آبل” عن هاتف آيفون عام 2007، رأى النقّاد أن فشل الهاتف أمرٌ محتوم نظراً لافتقاره للأزرار الفعلية. وكما أثبت التاريخ، تزايد اعتماد المستهلكين على الهواتف بشكلٍ كبير، وتبعه اليوم استخدام الساعات الذكية، التي تتكامل مع الهواتف لتوفير معلومات في الوقت الحقيقي حول مستويات صحة المستخدم وعافيته.

ويقول آكلسورد بهذا الشأن: “يتمثّل الابتكار القادم الذي سيحدث تحولاً جذرياً في جهاز حوسبة مكاني/ قائم على الواقع الممتد، ويتحكم به المستخدم عن طريق البصر والصوت والحركات والإدراك العقلي، مما ينحصر في خيارين محتملين هما تطوير شاشة معينة أو استخدام العينين باعتبارهما شاشة. وأرى أن الاحتمالين سيتطوران في الوقت نفسه، حيث سنتمكن بعد 15 عاماً من توظيف أي سطحٍ كان بوصفه شاشة، وعرض المحتوى مباشرةً على شبكية العين”.

وتندرج العديد من التقنيات المتقدمة تحت مصطلح الواقع الممتد، بما فيها تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط. ويوفر الواقع الافتراضي بيئة محاكاة بديلة عن العالم الواقعي، في حين يتضمن الواقع المعزز عرض معلومات رقمية ضمن مشاهد العالم الواقعي، ويعتمد الواقع المختلط بدوره على دمج عناصر رقمية قابلة للتفاعل والاختلاط ضمن الواقع المادي.

ويمكن للمستخدمين اليوم الوصول إلى هذه التجارب باستخدام نظارات وأجهزة رأسية خاصة، مثل جهاز أوكولوس من “ميتا” وفيجن برو من “آبل”. ومع ذلك، لا يمكن الاعتماد على هذه الأجهزة في الحياة اليومية لأنها تعاني من حاجز مادي يفصلها عن العالم الواقعي، إضافة إلى أن تجاربها تعتبر غامرةً بشكل مبالغ به.

ويرى آكسلورد أن هذه الأدوات “لا تملك مكاناً لها في المستقبل، إذ تعاني من شكلها الغريب الذي يفرض على مرتديها إطلالةً سخيفةً مع مجال رؤية محدود”.

وبدورها، أطلقت “جوجل” نظارة جلاس بهدف توفير تجربة واقع معزز للمستخدمين دون الحاجة إلى سماعة رأس كبيرة الحجم، لكن “عشاق التكنولوجيا صمموها حصراً لعشاق التكنولوجيا أمثالهم”، على حد تعبير آكسلورد. وأردف بقوله: “شكّلت النظارة ابتكاراً مميزاً عام 2011، إلا أنها جعلت مرتديها يبدو بمظهرٍ سخيف وغريب الأطوار، كما أنها لم توفر أي مزايا أو وظائف تُذكر”. ويقول آكسلورد بإن نجاح الأجهزة القابلة للارتداء “يتطلب منها توفير مستويات راحة عالية تشجع المستخدم العادي على اعتمادها بديلاً عن الهاتف المحمول”.

أما العدسات اللاصقة الذكية، فتوفر حالات استخدامٍ عديدة ومريحة، من خلال توظيف الواقع الممتد في مجالات الألعاب والتعليم والرعاية الصحية والرياضة، التي تتطلب جميعها بيانات وتحليلات في الوقت الحقيقي. ولا تعتبر الفكرة جديدةً بالكامل، إذ أعلنت “جوجل” عام 2014 أنها تعمل على تطوير عدسات ذكية لقياس مستوى السكر في الدم، ثم ألغت المشروع بعد أربع سنوات؛ كما طلبت شركتا “سامسونج” و”سوني” الحصول على براءات اختراع لعدساتٍ ذكية مبتكرة. وفي الولايات المتحدة، تعمل الشركتان الناشئتان “إن ويذ كوربوريشن” و”إنوفيجا” على تطوير عدسات لاصقة ذكية؛ في حين أعلنت “موجو فيجن” مؤخراً عن تعليق خططها الرامية لتطوير العدسات، والتركيز بدلاً من ذلك على تقنية Micro LED، بعد أن جمعت الشركة تمويلاً بقيمة 226 مليون دولار. وتمثل “سينسي ميد” اليوم الشركة الوحيدة المعتمدة لبيع عدساتها اللاصقة الذكية، التي تقيس ضغط العين لتحديد حالات الزرق.

وتتميز شركة XPANCEO عن نظيراتها في سعيها لابتكار مادة جديدة لصناعة عدساتها اللاصقة، مع التركيز على جعلها رقيقة كفاية لارتدائها بشكلٍ مريح على العين، وتزويدها ببطارية تدوم ليومٍ كامل، مع قوة معالجة عالية من شأنها توفير مجموعة واسعة من حالات الاستخدام، مثل تعزيز رؤية المستخدم في ظروف الإضاءة المنخفضة.

 

ومن جانبه، قال فولكوف: “يتطلب تطوير العدسات الذكية المثالية أن تشبه العدسات التي يرتديها الأفراد اليوم، لذلك نركز على استخدام الأدوات المتوفرة اليوم لابتكار أجهزة تواكب احتياجات المستقبل. كما تسهم هذه العملية في تطوير مهاراتنا باستمرار، وقد تشهد نجاحنا في بعض الجوانب وإخفاقنا في أخرى، لهذا نحرص دائماً على بذل كل ما في وسعنا، مدفوعين بالفكرة الرائعة والطموحة للمشروع”.

ومن المقرر أن يتيح أول إصدار من العدسات اللاصقة التي تطورها XPANCEO تعزيز الرؤية وتحسين سويتها في ظروف الإضاءة المنخفضة؛ في حين يركز الثاني على دعم الصحة من خلال تتبع المؤشرات الصحية مثل الجهد وضغط الدم ودرجة حرارة الجسم وجفاف العينين؛ ومن ثم يقدم الإصدار الثالث وظائف متكاملة تتضمن عرض المحتوى البصري على العدسات. ومع ذلك، ما تزال عدسات الشركة تواجه عقبات تقنية وحيوية عديدة، حيث تعمل على محاولة اختزال الهاتف الذكي بأكمله في عدسات لاصقة متوافقة مع البيئة الحيوية لعين الإنسان.

وقد ينجح فولكوف وفريقه في تطوير مادة جديدة تتيح ابتكار هذه العدسات اللاصقة، غير أن إصدار الموافقات التنظيمية على استخدام هذا الجهاز في السوق ما يزال بحاجة إلى العديد من السنوات، لا سيما في حال تصنيفها كأداة طبية. ونظراً لقدرة العدسات على تسجيل الفيديوهات والتقاط الصور، لا بد كذلك من ضمان مستويات الخصوصية العالية للمستخدمين، والذي يمكن تحقيقه في حال ضبط العدسات لتظهر بلونٍ مختلف لتنبيه المستخدمين عند التسجيل.

وتحظى شركة آكسلورد وفولكوف بدعم عدد من المموّلين، كما تعتزم بدء جمع الاستثمارات قريباً لتمويل أعمالها في البحث والتطوير، استعداداً لإطلاق النموذج الأولي لمنتجها.

ويقول فولكوف بهذا الشأن: “لدينا فريق بحثٍ قوي للغاية، وتتمثل طموحاتنا في ابتكار هذه الأداة المتقدمة والجديدة، والوصول إلى معلومات واسعة وقيّمة في الوقت نفسه. ونطمح إلى الاستفادة من هذه المواد المبتكرة باعتبارها العامل الرئيسي في إحداث أي نقلةٍ نوعية، كما أثبتت التجارب السابقة، لذا من الضروري اليوم أن نبتكر النموذج الأولي لنستطيع بدء العمل عليه وتطويره”.

وتتعاون XPANCEO اليوم مع جامعتين في دولة الإمارات، للوصول إلى مختبراتهما وتمكين طلابهما من العمل مع الشركة، ويُعد هذا النوع من علاقات التعاون عاملاً رئيسياً لتمكين منظومة التكنولوجيا العميقة من النمو والازدهار في المنطقة. ويسعى مؤسسا الشركة إلى المساهمة في إثراء الاقتصاد القائم على المعرفة في الإمارات، حيث تأتي XPANCEO في المرتبة الثامنة ضمن قائمة الشركات الموجودة في الإمارات على مؤشر “نيتشر”، الذي يسلط الضوء على أكثر المؤسسات الناجحة في مجال نشر الأبحاث عالية الجودة. ويندرج آكسلورد وفولكوف ضمن آلاف المواطنين الروس الذين انتقلوا مع شركاتهم إلى الإمارات بعد اندلاع الحرب، بما في ذلك العديد من شركات التكنولوجيا العميقة التي توفر حلولاً متطورة.

ويضيف فولكوف قائلاً: “ينصب اهتمام الجهات الحكومية وشركات التكنولوجيا الكبرى على رواد الأعمال والشركات الناشئة التي تتخصص في مجالات المواد الجديدة والعلوم الفعلية والأجهزة المبتكرة. وينطبق هذا التوجه على شركتنا، إذ لا نسعى لتطوير تقنيات توصيل الأطعمة أو حلول التكنولوجيا المالية، بل نعمل على تحقيق إنجازٍ هائل في مجال العلوم المادية، وندرك أن نجاحنا سيجعلنا محط أنظار عمالقة التكنولوجيا والجهات المعنية في مختلف أنحاء العالم. ولا يمكن للشركة التي نطمح إليها أن تنمو في مجتمعاتٍ تفتقر للتنمية، لذا توجهنا إلى الإمارات التي أخذت مكانة سويسرا في العصر الحديث، إذ تمنحنا وقتاً كافياً لتأسيس شركتنا الجديدة وتطويرها. ونثق بأن عملنا في الإمارات لن يواجه أي عقبات أو تحديات غير متوقعة، كما قد يحدث في مناطق أخرى من العالم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى