اقتصاد دولي

انخفاض أسعار الطاقة يعصف بقيمة العملة الروسية

بدأ تأثير العقوبات الغربية على موسكو يظهر في العملة الروسية “الروبل”، خصوصاً مع تراجع عائدات مبيعات الطاقة الروسية وزيادة الإنفاق العسكري.

ووصل الروبل إلى أدنى قيمة له بنهاية الأسبوع، بعد أن فقد 20 في المئة من قيمته منذ مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي حتى الآن، ووصل سعر صرف العملة الروسية إلى 75 روبلاً مقابل الدولار الأميركي، متراجعاً عن أعلى مستوى له بنهاية يوليو (تموز) الماضي عند 50 روبلاً للدولار، وهو مستوى قيمته قبل بدء الحرب في أوكرانيا مطلع العام الماضي.

في ظل القيود المفروضة على رأس المال الروسي وشبه توقف أي تعاملات أجنبية على العملة الروسية لم تعد قيمة الروبل مؤشراً دقيقاً إلى وضع الاقتصاد الروسي المستقبلي، كما يقول متخصصون ومحللون نقلت آراءهم صحيفة “الفايننشال تايمز”، إذ تقول كبيرة الاقتصاديين في “بي سي أس غلوبال ماركتس” ناتاليا لافروفا، إن “حركة التجارة أصبحت هي المحرك الرئيس لسعر صرف الروبل”.

مع بداية الحرب في أوكرانيا قبل عام وفرض العقوبات الغربية على موسكو انهارت قيمة الروبل ليصل إلى 140 روبلاً للدولار بحسب بيانات وكالة “بلومبيرغ”، لكن الروبل أخذ في استعادة قيمته بشكل جيد في الأشهر التالية مع إجراءات السلطات الروسية المالية الفورية ورفع البنك المركزي الروسي سعر الفائدة إلى نسبة 20 في المئة، وبنهاية الصيف كان الروبل عاد إلى قيمته الأصلية مقابل الدولار تقريباً.

أسعار الطاقة

أما التراجع في قيمة الروبل هذا العام فيعود بالأساس إلى استمرار انخفاض عائدات موسكو من مبيعات الطاقة، ويوضح ذلك أن العقوبات الغربية المتتالية على روسيا بدأت تضر بقيمة عملتها، خصوصاً الحظر الأوروبي على استيراد النفط والغاز من موسكو وكذلك سقف السعر الذي فرضته مجموعة الدول السبع على مبيعات النفط الروسي عند 60 دولاراً للبرميل.

وعلى رغم أن موسكو وجدت مشترين في آسيا، خصوصاً من الصين والهند، لغالب نفطها الذي حظرته أوروبا، فإن هؤلاء المشترين يدفعون أسعاراً تفضيلية بخصم كبير.

وبلغ الفارق بين سعر خام “أورال” الروسي وسعر خام “برنت” القياسي 29.24 دولار خصماً من سعر البرميل بنهاية الأسبوع الماضي، ذلك مقابل معدل خصم لسعر خام “أورال” عن سعر خام “برنت” بقيمة 18.55 دولار في سعر البرميل مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لذلك هوت عائدات موسكو من مبيعات النفط في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بنسبة 46 في المئة بمعدل سنوي، بحسب أرقام وزارة الطاقة الروسية.

مبيعات أصول

من العوامل الأخرى التي زادت الضغط على سعر صرف الروبل قرار البنك المركزي الروسي بيع قدر كبير من الاحتياطات لدى صندوق الثروة الوطني من اليوان الصيني طبقاً لما تسمى “قاعدة الميزانية”، إذ تقضي تلك القاعدة بأنه حين تنخفض عائدات مبيعات الطاقة عن القدر المتوقع يبيع البنك الأصول من صندوق الثروة لتغطية الفارق الناجم عن الانخفاض.

وطبقاً لبيانات وزارة المالية الروسية باعت روسيا ما قيمته 54.5 مليار روبل (722 مليون دولار) من اليوان الصيني في يناير الماضي، وسط توقعات أنها باعت ثلاثة أضعاف تلك الكمية في فبراير (شباط).

 ويمثل ما تم بيعه من الموجودات من العملة الصينية لدى روسيا أقل من نسبة ستة في المئة من احتياطات روسيا من اليوان.

من جهته يقول فلاديمير أوساكوفسكي من “بنك أوف أميركا”، إنه “لا تهدف عمليات بيع اليوان الصيني إلى دعم قيمة الروبل، لأنها لا توازي التغيرات في انسياب التجارة، حتى وإن كان لها بعض التأثير في دعم العملة”.

يشار إلى أن روسيا زادت من احتياطاتها من اليوان الصيني، وغيره من العملات لشركائها التجاريين، بعد قرار تسوية المبادلات التجارية بينها وبين كثير من شركائها التجاريين بالعملة الوطنية.

نتائج جانبية

في غضون ذلك يرى كثير من الاقتصاديين أن هبوط قيمة الروبل ليس بالضرورة أمراً سيئاً للاقتصاد الروسي، فانخفاض قيمة العملة الوطنية يزيد من قيمة عائدات التصدير، خصوصاً أن موسكو تحصل على ثمن صادراتها من الطاقة بالدولار واليورو، بينما الإنفاق الحكومي في غالبه هو بالعملة المحلية، ولذلك تقول ناتاليا لافروفا إنه “كلما انخفض سعر صرف العملة روبلاً واحداً تزيد الميزانية بنحو 120 مليار روبل (1.5 مليار دولار) إضافية”.

لذلك عبرت الحكومة الروسية عن قلقها العام الماضي حين تحسن سعر صرف الروبل بقوة بعد أشهر من بداية الحرب وفرض العقوبات، فعندما وصل سعر صرف العملة الوطنية 50 روبلاً مقابل الدولار في الصيف الماضي، قال وزير الاقتصاد الروسي ماكسيم ريشتنيكوف إن “ربحية كثير من الشركات الصناعية أصبحت بالسالب في ظل سعر الصرف هذا”.

إلا أن ضعف قيمة العملة الوطنية بشدة له تبعاته السلبية كذلك، إذ إن انخفاض سعر الصرف يشكل أخطاراً تضخمية كبيرة، مع زيادة كلفة الواردات، إضافة إلى الإضرار بالاستقرار المالي مع زيادة الطلب على السيولة، ويبدو ذلك واضحاً من البيانات الحكومية الروسية، ففي شهر يناير الماضي انخفض فائض الحساب الحالي إلى ثمانية مليارات دولار فقط، وذلك انخفاض بنسبة 60 في المئة بمعدل سنوي.

وحسب البيانات الرسمية لوزارة المالية الروسية فإن التراجع الكبير في عائدات مبيعات الطاقة كان له تأثير واضح في المالية العامة للحكومة، خصوصاً أن الحكومة لم تلتزم التقشف، بل زادت الإنفاق في شهر يناير 2023 بنسبة 59 في المئة بمعدل سنوي، وبنهاية شهر فبراير الماضي كانت الحكومة الروسية أنفقت بالفعل 17 في المئة من ميزانية عام 2023، في الوقت الذي لم تحصل فيه سوى على نسبة 5.3 في المئة من العائدات السنوية المتوقعة.

ويرى بعض المحللين أن “زيادة معدلات الإنفاق الحكومية، والخلل الواضح بين الإنفاق والعائدات، ربما كان عاملاً ضاغطاً أيضاً على قيمة الروبل، ومن الصعب على الاقتصاديين توقع مدى انخفاض قيمة الروبل الروسي.

وكان أحدث مسح أجراه البنك المركزي للاقتصاديين الروس توقع أن يكون متوسط سعر صرف الروبل هذا العام في نطاق 67 و77 روبلاً للدولار. ووصف نائب رئيس الوزراء الروسي أدريه بولوسوف سعر الروبل آنذاك بأنه “الأكثر مناسبة للصناعات الروسية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى