أخبار عاجلةاقتصاد دولي

العراق يعيد تأهيل النظام المالي بإشراف الخزانة الأميركية

بعد 18 عاماً على بدء مزاد بيع الدولار، أو ما يسمى من قبل البنك المركزي “مزاد العملة” الذي سمحت بموجبه سلطة الائتلاف المنحلة التي كانت تدير العراق، كممثل عن التحالف الدولي الذي أسقط نظام صدام حسين، ببيع الدولار بكل حرية ومن دون قيود حقيقية أو مالية كما هو معمول في العالم، بدأت سوق العملة الخضراء تلحظ تغييراً.

فالسنوات الأخيرة حملت معها مشكلات وأزمات ومبالغات في عملية شراء الدولار وتعديات من خلال تهريبه إلى خارج العراق أو تحويله لبعض الجماعات المسلحة، وبلغ معدل البيع اليومي في بعض الأحيان نحو 250 مليون دولار يومياً.

كل هذه الأرقام الكبيرة واحتكار بعض المصارف عملية البيع والشراء الخاصة بالدولار، جعلت الحكومة العراقية ومن ثم البنك المركزي عرضة لضغوط كبيرة من البنك الفيدرالي الأميركي والمنظمات الدولية، لتغيير آلية بيع الدولار، خصوصاً مبالغ الاستيراد والتصدير، وجعلها منسجمة مع التطورات المالية والمصرفية في العالم.

وأدت هذه الإجراءات الجديدة إلى ارتفاع جديد في سعر الدولار مقابل الدينار العراقي، إذ بلغ سعر الدولار الواحد 1505 دنانير بعد أن كان قبل أسابيع 1480 ديناراً للدولار الواحد، وبداية شحه في السوق العراقية.

منصة لبيع العملة

وقال إحسان شمران الياسري مستشار البنك المركزي العراقي، خلال ندوة ثقافية، إن “البنك أوجد في الآونة الأخيرة منصة لنافذة بيع العملة ترفع لها المصارف المجازة طلبات بالشراء باسم أشخاص، ويتم النظر بالأسماء على مدار أسبوع بعدها يحسم البنك موقفه قبل يوم من موعد مزاد بيع العملة المقدم للشراء فيه”.

وأضاف الياسري أن “البنك حدد شروطاً ينبغي تقديمها من قبل الأشخاص إلى المصارف المجازة لشراء الدولار، يثبت فيها نوع السلعة والحاجة المطلوب شراؤها وتفاصيل عن الجهة المستفيدة، ويجب ذكر اسم البائع واسم الشخص الذي يطلب الشراء، ويدخل الاسم في نظام عالمي يسمى (أوفاك) لبيان إن كان مطلوباً أو عليه إشكاليات، فضلاً عن التواصل مع الجهة البائعة للبضاعة المستوردة للتحقق من تعاملاتها مع الشخص الذي يطلبشراء الدولار”، لافتاً إلى أن الطلبات المرفوضة لبيع الدولار خلال الأيام الماضية بلغت 40 في المئة بسبب عدم تطابقها مع الشروط.

شروط الفيدرالي الأميركي

وأوضح الياسري أن “البنك الفيدرالي الأميركي من جانبه وضع شروطاً مشددة في الآونة الأخيرة، تلزمناً بعرض قوائم بالدولار المباع عليه، تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة، ويتم الانتظار 15 يوماً لبيان موقف البنك الفيدرالي من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب”، مشيراً إلى أن عملية البيع ستتوقف في حال اعترض البنك الفيدرالي على اسم معين كونه مطلوباً أو يوجد تشابه أسماء أو وجد شبهة بالهدف من شراء الدولار.

وتابع أن “البنك الفيدرالي بصدد إضافة ثلاث جهات رقابية على عمليات بيع الدولار للتدقيق في وجهته بعد البيع، وهم يقولون إنهم يدققون لمنع وصوله لجهات إرهابية أو محظورة. وبسبب هذه الشروط والمحددات لا يستطيع البنك المركزي توفير الدولار لجميع من يطلبونه”، مؤكداً أن مصلحة العراق تكمن في التزامه بتطبيق هذه المعايير لمنع صدور قرار بوقف تدفق الدولار للعراق لأنه سيحدث كارثة، وبيع الدولار في العراق خاضع لرقابة صارمة من البنك الفيدرالي الأميركي لأنه الجهة المصدرة للدولار.

سعر الدولار معقول

ولفت الياسري إلى أن “سعر صرف الدولار بأكثر من 1500 دينار نراه طبيعياً ومعقولاً بناءً على ما ذكرناه من محددات صارمة، ولا مشكلة لدى البنك المركزي في توفير الدولار للبيع عبر مزاد العملة”.

وفقاً للبنك المركزي العراقي، فإن سعر الصرف يمر عبر مراحل، الأولى منها عبر شراء الدولار من وزارة المالية بـ1450 ديناراً، والبنك المركزي يبيعه إلى المصارف بـ1460، وهو بدوره يبيعه للمواطنين بـ1470.

طباعة جديدة للدينار

ورأى المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي أن إجراءات التدقيق التي يقوم بها البنك المركزي العراقي أدت إلى زيادة أسعار الدولار في الأسواق المحلية، مرجحاً أن يضطر البنك المركزي العراقي إلى طبعات جديدة من الدينار العراقي لتغطية النفقات الداخلية نتيجة انخفاض بيع الدولار بالأسواق المحلية.

وقال قصي إن “البنك المركزي العراقي حاول الانتقال إلى نظام الاعتمادات المستندية، وهذا النظام يضمن تدقيق الفاتورة والمنشأ وشهادة الشحن والناقل والمستفيد النهائي”، لافتاً إلى أن هذا النظام على المديين المتوسط والبعيد، سيدر بالثقة على الاقتصاد العراقي باعتبار أن عملية التحويلات النقدية قد لا تتحرى عن جنس المستفيد بشكل نهائي.

الوقت مهم

وأضاف قصي أن الأمر بحاجة إلى مزيد من الوقت ليكون هناك انتقال من السوق اللانظامية إلى السوق النظامية، فضلاً عن وجود منافذ غير رسمية للحصول على الدولار أسهمت بوجود هذه الفوضى في الاقتصاد العراقي، مبيناً أن الحكومة ماضية في اتجاه دعم الإنتاج المحلي والسيطرة على الاستهلاك من خلال إعادة تأهيل النظام المالي بإشراف الخزانة الأميركية.

استيراد مركزي

وشدد على ضرورة أن تقوم وزارة التجارة في هذه المرحلة باستيراد السلع بالسعر الرسمي وإنزاله إلى الأسواق، لكي لا ينتقل السعر الموازي للتحكم بالسوق، لكون هذا السعر عندما يتحكم بالسوق سيتضرر المستهلك، معتبراً أنه من الضروري تدخال وزارة التجارة لكسر الأسعار لكي لا يكون هناك استيلاء على المستهلكين من خلال شرائهم للسلع بأسعار مرتفعة.

“المافيات الداخلية”

وأكد قصي أن هناك تحدياً كبيراً يواجه الحكومة الحالية، “ولا نعلم إن كانت ستنجح أم تصاب بالإحباط لأن عديداً من المافيات الداخلية لا تقبل أن يكون هناك اقتصاد عراقي منظم لأنها تعتاش على الفوضى، ولذلك أمام الحكومة تحد كبير في إعادة رسم الاقتصاد العراقي وللسيطرة على الدولار وأين يذهب الدولار”.

وعن أسباب تدخل البنك الفيدرالي، بين قصي أن “البنك الفيدرالي الأميركي يتعاون مع الحكومة العراقية لخلق بيئة مناسبة لجذب الاستثمار”، مشيراً إلى عدم وجود مشكلة في توفير الدينار العراقي لتغطية النفقات الحكومية على المدى القصير، إلا أنه نتيجة تراجع مبيعات البنك المركزي قد تكون لدينا صعوبات مالية في توفير الدينار العراقي على المدى البعيد، وقد يضطر البنك المركزي إلى إصدار نقود جديدة للدينار لامتلاك الدينار غطاءً دولارياً”.

وبحسب البنك المركزي العراقي، فإن الاحتياطي النقدي العراقي الخاص بالبنك تجاوز الـ90 مليار دولار عن حصول فائض لدى وزارة المالية يبلغ نحو 25 مليار دولار، تحقق بفعل ارتفاع أسعار النفط العالمية.

أربك الأسواق

فيما يرى المتخصص في الشأن المالي محمود داغر أن النظام الذي اتبعه البنك المركزي العراقي بضغط من البنك الفيدرالي، كان يجب أن يتم بشكل تدريجي، مشيراً إلى أن النظام الحالي أربك الأسواق، ولن يتراجع المركزي والفيدرالي عن تطبيق هذا النظام.

وقال داغر إن “طريقة التدقيق الجديدة خالفت الإجراءات السابقة التي كان العراق يعمل عليها منذ سنوات، فكان التدقيق يجري في البنك المركزي العراقي وقبله في المصارف، ثم يرسل (السوفت) إلى البنك الفيدرالي ومن ثم يحول المبلغ إلى المصرف المراسل”. وبين أن التدقيق حالياً يجري على ثلاث مراحل ومن دون علاقة بينهما، فيجري التدقيق في المصارف العراقية، ومن ثم البنك المركزي، ثم يجري في الفيدرالي، ومن ثم في المصرف المراسل، حيث يذهب المبلغ للمستفيد الأخير.

وأضاف داغر أنه من الأفضل التهيؤ لهذه المرحلة والتدريب عليها بدلاً من الإسراع في تطبيقها، لافتاً إلى أن الذي يجري الآن هو أن المعروض من الدولار قد قل، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وهذا قانون اقتصادي معروف.

وأوضح داغر أن البنك المركزي كان يجب عليه أن يتفاهم مع الفيدرالي الأميركي لتكون الإجراءات بطيئة، لا أن تسبب هزة للسوق، والآن الأحداث أصبحت صعبة لأن الفيدرالي لن يتراجع ولا البنك المركزي قادر على التغير، مرجحاً أن يؤدي استمرار الوضع على حاله إلى تأثير على الأسواق، لذا على الحكومة العراقية إيجاد حلول.

وعن كيفية توفير العملة المحلية في الأسواق في ظل انخفاض مبيعات البنك المركزي العراقي، أوضح داغر أنه “من الممكن أن يسد العراق المتطلبات الداخلية وهو قادر على إصدار نقود جديدة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى