مقالات اقتصادية

ما الذي غاب عن جدل سقف الديون؟

كتب أسامة صالح

الدين مشكلة في كل شيء وكل مكان في آن واحد. كان كل من الدين العام والخاص حاسمين في إيجاد النمو منذ بداية الحضارة إلى حد كبير. لكن جزءا كبيرا منه “ولا سيما عندما يكون خاصا” يؤدي إلى إبطاء الاقتصاد. إن عبء خدمة الديون يؤدي إلى انخفاض الدخل الحقيقي، كما أنه يؤدي إلى تفاوت أكبر، لأن أصحاب رأس المال يستفيدون بشكل مفرط حيث يميل الدين إلى زيادة أسعار الأصول – على الأقل حتى تنفجر الفقاعات.

لقد سمعنا كثيرا عن هذا الموضوع أخيرا بفضل الجدل الدائر في واشنطن حول سقف الديون. مخاوف الجمهوريين بشأن مستويات عجز الحكومة الأمريكية دحضتها حقيقة أنهم ركزوا جزءا كبيرا من مباحثاتهم على قضايا سياسية للغاية مثل وقف تمويل “دائرة الإيرادات الداخلية”.

وعلى أي حال، فإن مجالات الميزانية الفيدرالية المتاحة لا تمثل سوى 15 في المائة من إجمالي الإنفاق. والنتيجة أنه بدلا من ارتفاع الدين الفيدرالي إلى 119 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عقد من الزمن، سيرتفع إلى 115 في المائة.

حتى الآن، هذه نسبة صغيرة. ما ضاع في سخونة وصخب الجدل هو أن الدين الذي أحدثه القطاع الحكومي تحول إلى نمو في قطاع الأسر. هذه نقطة أثارها المصرفي السابق ريتشارد فايج، الذي يشغل الآن منصب وزير البنوك والأوراق المالية في كومنولث بنسلفانيا، في كتابه المقبل “مفارقة الديون”.

يشير فايج إلى أنه في 2020، خلال جائحة كوفيد، وصل العجز الفيدرالي للولايات المتحدة إلى ثلاثة تريليونات دولار لأن الحكومة تصرفت للمساعدة على إنقاذ الاقتصاد الأمريكي – ونوعا ما اقتصاد العالم. في الوقت نفسه، ازدادت ثروة البلد ككل نحو 11 تريليون دولار، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى حقيقة أن صافي ثروة الأسر الأمريكية ارتفع 14.5 تريليون دولار في العام نفسه.

في الحقيقة، إذا نظرت إلى الأعوام الثلاثة الكاملة للجائحة من 2019 إلى 2022، فقد انخفض صافي الثروة الحكومية 1.7 تريليون دولار “انخفض ستة تريليونات دولار على المستوى الفيدرالي”، بينما ارتفع صافي ثروة الأسرة 30.9 تريليون دولار. هذا صحيح حتى عندما تأخذ في الحسبان تراجع سوق الأسهم في العام الماضي.

لماذا؟ لأن الدين الحكومي أصبح دخلا للأسر، فضلا عن ارتفاع ثروة الأصول من الأسهم وقيم المنازل، التي زادت إلى جانب الديون – العامة والخاصة – منذ الثمانينيات. “الدين، بكل بساطة، مطلوب لإيجاد نمو الناتج المحلي الإجمالي”، حسب قول فايج، الذي يوضح سبب ارتفاع نسب إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، وفي جميع الاقتصادات السبعة الأكبر في العالم، باستثناء اثنين، في الوقت نفسه منذ الخمسينيات.

كما يشير إلى هذا على أنه “نموذج للدين والإنفاق الحكومي” تتدفق فيه فوائد الإنفاق الحكومي إلى الشركات غير المالية وكذلك الأسر. ويحدث هذا بدرجات متفاوتة – في الولايات المتحدة مثلا، تذهب الفوائد في الغالب إلى الأسر، بينما في اليابان تذهب في الغالب إلى الشركات غير المالية. وتتمثل الاستثناءات الملحوظة في هذا النموذج في ألمانيا، التي تعتمد على الفوائض التجارية لدفع النمو، والصين، حيث تعزز الديون من القطاع غير المالي دخل الأسرة.

الخلاصة هي أن الدين يولد النمو. إذن، لماذا نقلق بشأنه، سواء كان عاما أم خاصا؟ لأن المشكلات تصاحب الديون أيضا.

المشكلة الأولى هي أن الديون المتزايدة تؤدي إلى زيادة عدم المساواة. وذلك لأن قيم الأصول الأعلى يستحوذ عليها في الغالب الأثرياء. في الولايات المتحدة، كان هذا صحيحا بشكل خاص منذ أواخر الثمانينيات، عندما نهضت (الأمولة) “تحول زخم النشاط الاقتصادي الحقيقي إلى قطاع التمويل”. حتى إذا كانت المداخيل ترتفع، فقد يواجه المرء أزمة تكلفة معيشية، “كما هو واضح الآن في الولايات المتحدة وجزء كبير من العالم”، عندما تفوق أسعار المنازل أو الرعاية الصحية أو التعليم معدلات الأجور.

المشكلة الثانية هي أن الديون الخاصة المتزايدة تصبح عبئا على الاقتصادات، حيث تزيد خدمة ديون الأسر الأعباء على الأقل ثراء.

لقد كانت دورة النمو المدفوع بالديون موجودة منذ قرون. تستخدم الحكومات الديون لتمويل الحروب، وفي أعقابها، عادة ما ينهض القطاع الخاص، ما يؤدي إلى زيادة الإقراض المالي. وفي النهاية، يكبر الإقراض، ما يؤدي إلى تجاوزات في الديون. وتتطلب هذه بدورها عمليات إنقاذ حكومية.

إنها عملية ليست مرهقة فحسب، بل تؤدي إلى هشاشة اقتصادية وسياسية – من انهيار سوق الأسهم وأزمات الإسكان إلى كوارث سقف الديون والثورات الشعبية ضد الأثرياء.

لا نعرف حتى الآن كيفية تجاوز دورة النمو المدفوع بالديون، لكن فايج يقدم أفكارا حول كيفية كبح أخطر تجاوزات الديون وإعطاء الأولوية لأصحاب المصلحة المختلفين عند حدوث حالات حتمية من التخلف عن السداد. الدرس الأساسي هو أنه، في كثير من الحالات، تكون سرعة تراكم الديون مهمة بقدر أهمية المبلغ الإجمالي للديون نفسها. وينصح المؤلف صانعي السياسة بمراقبة هذا المقياس في كل من القطاعين العام والخاص.

لا ينبغي التفكير في الإعفاء من الديون من منظور أخلاقي بل كحل اقتصادي عملي. يرى فايج أن الإعفاءات من الديون في مجالات مثل قروض الطلاب وديون الرعاية الصحية مستحقة، لأنها تشجع الإنفاق. إن خفض العجز التجاري الكبير طريقة أخرى للتعامل مع مشكلات الديون، وهو أمر من شأنه أن يعزز حجج الموجودين في الولايات المتحدة الذين يرغبون في تحقيق توازن أفضل بين الاستهلاك والإنتاج. أعطت إدارة ترمب وبايدن في البيت الأبيض هذا الهدف الأولوية.

بطبيعة الحال، العجز الذي يعانيه بلد ما هو فائض بلد آخر. ومثلما يتداخل إقراض القطاعين العام والخاص، كذلك تتداخل ديون الولايات المتحدة في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى