أخبار عاجلةاقتصاد دولي

مناجم الفحم ليست الحل لكن العمال بحاجة إلى وظائف لائقة

لا يسهل لفظ هذا المسمى. إنه «كور» الذي يلخص الحروف الأولى من عبارة «أبناء كامبريا المعارضون لبيئة إشعاعية». ( هل فهمت؟).
حتى أن تكراره يستحضر صورة في ذهني لعدد قليل من أشخاص يفتقرون إلى خطة أو هدف ويحملون لافتات خارج بوابات «سيلافيلد» [موقع في منطقة كامبريا مخصص لتوليد الطاقة النووية]. في الواقع، هذا إلى حد بعيد ما تفعله «كور». وعلى رغم أن كامبريا، حيث ترعرعتُ، تشكل مركزاً لكل الأشياء النووية.
في مسقط رأسي في «بارو إن فورنيس»، يشتغل رب العمل الرئيس، أو الوحيد الذي يوفر الوظائف على مستوى كبير، في بناء غواصات «ترايدنت» النووية. إنها تعمل بالطاقة النووية، ومصممة لحمل صورايخ نووية. ويجري تجميعها في حوض بناء السفن في وسط البلدة.
وتوجد عبر خليج «موريكامب» محطتا طاقة نووية في بلدة «هيشام». وفي منطقة أبعد على الساحل، يقع مجمع «سيلافيلد» الشاسع.
لطالما شاهدنا السفن القادمة من اليابان وهي ترسو وتفرغ حمولتها من الوقود النووي المستهلك في قطارات مصممة خصيصاً لنقله إلى «سيلافيلد» وإعادة معالجته. وقد دأب والدي الذي عمل مدرساً، على استعارة عداد «غيغر» [يقيس مستوى الإشعاعات النووية] من مختبرات المدرسة ليأخذه إلى الشاطىء. وفي غالب الأحيان، كانت هذه الآلة تنطلق في نوبة مجنونة من التصفير كلما اقتربت من كتلة من الأعشاب البحرية ألقت بها المياه على الشاطئ.
من حين إلى آخر، قد ينضم متظاهرون من «غرينبيس» وأمثالهم إلى زملائهم في «كور»، لكن رد الفعل يكون ضعيفاً، ولم يشمل بالتأكيد عديداً من السكان المحليين. لم يكن هناك احتجاج حاشد من أبناء «كامبريا» للتعبير عن استيائهم من أن مقاطعتهم تشكل أرضاً للهندسة النووية ورمي النفايات النووية. وحتى الآن لم يحصل [هذا الاحتجاج]. إن الوظائف كانت ولا تزال، مهمة بالنسبة إليهم أكثر من المخاوف البيئية.
لذا، فقد تكرر ذلك مرة أخرى حين أعطي الضوء الأخضر لمنجم فحم جديد في «وايت هافن»، الواقعة أيضاً في «كامبريا». إنه منجم الفحم الأول الذي يشيد في بريطانيا منذ 30 عاماً. وحينما ينتهي بناؤه سينتج 2.8 مليون طن من فحم «كوك» لاستخدامه في صناعة الفولاذ. وستضيف الانبعاثات الناجمة عن حرق هذا الفحم 8.4 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي كل عام.
وهذا كثير جداً بالنسبة إلى سياسات الحكومة المتعلقة بأزمة المناخ و»صافي التصفير» [الوصول إلى صفر في صافي الانبعاثات]. وقد جاء الاحتجاج الوطني ضد المنجم مدوياً وطويلاً. في المقابل، لم يكن الأمر كذلك في كامبريا. فهناك، ينصب التركيز على 500 وظيفة سيجري استحداثها. درس بانشو لويس، وهو باحث في «جامعة لانكستر»، الاستجابة المحلية. لقد ركزت وسائل الإعلام على الحرمان الذي تعاني منه المنطقة، لكن لويس يرى أن المشهد أكثر تعقيداً من ذلك. إذ يلاقي منجم «وايت هافن» دعماً من أشخاص تضم صفوفهم عديداً من المتقاعدين الذين يعيشون في وضع مريح مادياً.
وهناك شيء من الحنين إلى الماضي [في موقف مؤيدي المنجم]. ففي زمن ماض، شكل هذا الجزء من «كامبريا» موطناً لعدد من المناجم، وشحن الفحم إلى مناطق حول العالم من ميناء «وايت هافن». وجرى إغلاق المعمل الأخير في أواسط الثمانينيات من القرن العشرين. ومع ذلك، فإن ما وجده لويس لم يكن ذكريات محببة عن المناجم القديمة، بل استعادة لحقبة كانت فيها البلدة والمنطقة أشبه بخلية نحل حافلة بالنشاط الاقتصادي. كانت مكاناً مكتظاً، يكاد لا يشبه وضعه الحالي نهائياً. وإضافة إلى مناجم الفحم، احتضنت «وايت هافن» مصنعاً كيمياوياً كبيراً، يحمل اسم «مارشون»، وقد اشتغل فيه آلاف الناس. وفي 2005، أغلق «مارشون»، وبات موقعه فارغاً. ثمة صخب وفخر أيضاً يعودان إلى حقيقة أن المناجم جعلت السكان يشعرون أنهم جزء من الاقتصاد العالمي الحديث، والفحم الذي ينتجونه يجري تصديره كي يستخدم في الخارج. واستطراداً، يحدد لويس سبباً آخر يفسر سبب الترحيب بالمناجم يتمثل في فهم مجتمع الطبقة العاملة للعمل اليدوي وتقديره له. وسيكون بوسعهم أيضاً أن يرتبوا حياتهم ويعيشوها من حوله، فينتهوا من العمل يوم الجمعة ويستمتعوا بنشاطات اجتماعية في عطلة نهاية الأسبوع، وبعدها يبدأون من جديد يوم الإثنين.
واستكمالاً، إن كل الصناعات الخدمية الموجودة هناك [في كامبريا] التي جاءت لتحل بديلاً من الوظائف الضائعة [بسبب إغلاق المناجم] لم تكن كهذه الأخيرة. إذ إنها تشمل سبعة أيام عمل في الأسبوع، وأنماطاً من مناوبات العمل غير ملائمة اجتماعياً. كذلك تتضمن تلك الوظائف الجلوس خلف أجهزة الكمبيوتر أو العمل في محلات تصفيف الشعر أو تقليب الهامبرغر في أماكن بيع الوجبات السريعة. إن العمل الفعلي الجديد أكثر أماناً وصحي أكثر من العمل الشاق في منجم، بيد أن الأمن الوظيفي فيه قد يكون ضعيفاً كما قد يتطلب مهارات أقل. وباختصار، يفخر عمال المناجم بعملهم، وكذلك تفتخر البلدة بهم.
في سياق متصل، تمتلك المناجم سلاسل التوريد الخاصة بها من الشركات الصغيرة الأخرى. وقد شكل الحفاظ على دوران عجلة الإنتاج مشروعاً جماعياً مشتركاً. وهذا لم يتكرر [في الوظائف البديلة]. وبالتالي، فإن تلك الأشياء تستحق الدرس والتفكير المتأني بالنسبة إلى أولئك الذين يتحدثون بمرح عن وظائف الخدمات التي تتدفق إلى منطقة «ميدلاندز» وشمال البلاد في مرحلة مابعد الصناعات الكبيرة. وكذلك حدثت صدمة ناجمة عن تأييد «وايت هافن» بناء منجم فحم جديد. لكن الأجزاء الأخرى في البلاد وسياسيو «وستمنستر» [البرلمان] ببساطة لا يفهمون سبب ذلك [التأييد]. واستناداً إلى ذلك، من المطلوب قليل من الجهد في معرفة السبب [في ما يجري داخل كامبريا]، كي يصار إلى فهم عقلية السكان المحليين. إذ لا يتعمد هؤلاء السكان تجاهل تغير المناخ بصورة مباشرة، لكن لديهم قيم وأولويات أخرى. ومثلاً، إن التفكير الخلاق بشكل أكبر، قد يؤدي إلى ابتكار بديل ما، [ويكون منسجماً] مع تمسك الناس بما فعلوه على الوجه الأفضل ذات مرة، ويريدون أن يفعلوا ذلك مجدداً. لا ينبغي أن يكون هناك منجم بالضرورة، ويمكن أن تشهد المنطقة تطوراً حالياً مفاجئاً، يستشرف المستقبل. ويمكن لتلك المنطقة أن تحتضن مشاريع تصنيع الطاقة المتجددة، وإنشاء توربينات الرياح والألواح الشمسية. وبحسب لويس، فلقد ترددت أحاديث عن بناء مصنع جديد لإعادة تدوير الفولاذ في «وركنغتون» التي تقع شمال «وايت هافن». ويضيف لويس، «سيكون لمصنع من هذا النوع صدى واسع في ميدان التراث المحلي، وسيوفر جسراً بين ماضي المنطقة والمستقبل الصناعي الأخضر الذي يجري التخطيط له». ويستنتج لويس أنه «لحين ظهور تنظيم سياسي يجعل أفكاراً مثل هذه [مصنع لإعادة تدوير الفولاذ] حقيقة ملموسة، ستظهر الأخطاء نفسها، مع تقديم مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة الاستثمار الوحيد لمجتمعات تتوق إلى بدائل من الانهيار».
لقد تحققتُ من الأمر، ووجدت أن «كور» لاتزال موجودة.
في المقابل، لا يبدو أن موقعها الإلكتروني قد حُدث منذ عام 2019. وفي هذه الأثناء، تواصل الصناعة النووية في «كامبريا» ازدهارها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى