اقتصاد دولي

المغرب العربي أمام أسوأ موجة جفاف للمحاصيل منذ قرن

مع بدء موسم الحصاد الصيفي في منطقة المغرب العربي بشمال أفريقيا أدى الجفاف الشديد إلى تدمير توقعات الإنتاج، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الاعتماد على الواردات الغذائية وتفاقم مخاطر عدم اليقين السياسي والاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة.

من بين أكثر المناطق جفافاً في العالم تواجه المنطقة التي تضم المغرب والجزائر وتونس وليبيا أسوأ موجة جفاف لها هذا القرن، كما يذكر محلل شركة تسويق الحبوب الوطنية الأسترالية “غرين بروكرز أستراليا” بيتر مكمكين.

تصنف منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة شمال أفريقيا كواحدة من أكثر مناطق العالم إجهاداً مائياً وتقدر أن نحو 85 في المئة من المياه العذبة التي يمكن الوصول إليها مطلوبة للإنتاج الزراعي.

وفقاً لأحدث نشرة توقعات المفوضية الأوروبية لشمال أفريقيا الصادرة عن مركز البحوث المشتركة لرصد الموارد الزراعية (MARS) في 22 مايو (أيار) الماضي، كانت ظروف الجفاف شديدة بشكل خاص في مارس (أذار) الماضي، مما أثر سلباً في عملية التمثيل الضوئي للحبوب الشتوية أثناء وبعد الإزهار.

وأدت ظروف الجفاف غير العادية إلى تسريع عملية النضج طوال شهر أبريل (نيسان) على حساب الغلة، مما أدى إلى هبوط الإنتاج في جميع البلدان باستثناء ليبيا، وزيادة احتمالية فشل المحاصيل في عديد من مناطق إنتاج الحبوب في المغرب العربي، كما يذكر بيتر مكمكين.

ويلفت إلى أن من بين المناطق الأكثر تضرراً الشرقية في المغرب ومعسكر سعيدة وأم البواقي خنشلة وتبسة في الجزائر والكاف سليانة وزغوان في تونس.

شيخوخة المحاصيل

في المغرب أدت ظروف الجفاف الشديدة ودرجات الحرارة فوق المتوسط ​​إلى تسريع شيخوخة المحاصيل حتى أبريل وأوائل مايو الماضيين، مما أثر بشدة على توقعات إنتاجية القمح والشعير، ولم تسقط أي أمطار تقريباً في المناطق المحصولية في البلاد منذ أوائل مارس الماضي، مع مناطق مثل الرباط وفاس وطنجة والشرقية تتلقى 20-30 في المئة فقط من المتوسط ​​طويل الأجل منذ 11 فبراير (شباط) الماضي، مع احتمال كبير لفشل المحاصيل في المنطقة الشرقية.

ويقدر إنتاج القمح المغربي عند 3.606 مليون طن من 2.433 مليون هكتار (240 ألف كيلو متر مربع)، بزيادة بنسبة 34 في المئة عن العام الماضي، إلا أن ذلك الإنتاج، كما يقول بيتر مكمكين “لا يزال أقل بنسبة 25 في المئة من متوسط ​​الإنتاج لخمس سنوات البالغ 4.83 مليون طن، كما أن المساحة المزروعة أقل بنحو 10 في المئة و17 في المئة من متوسط ​​السنوات الخمس، على التوالي.

من المتوقع أن يصل حصاد الشعير هذا العام في المغرب إلى 1.121 مليون طن، وهو تحسن بنسبة 60 في المئة عن حصاد 2022، لكنه لا يزال أقل بنسبة 31 في المئة من متوسط ​​السنوات الخمس.

المساحة المزروعة 1.137 مليون هكتار (113 ألف كيلو متر مربع) تقل بنسبة 16 في المئة من متوسط ​​السنوات الخمس.

كانت توقعات إنتاج المحاصيل الشتوية في الجزائر ضعيفة بالفعل مع دخول ربيع نصف الكرة الشمالي، كما أدت ظروف الجفاف المتدهورة خلال شهري مارس وأبريل إلى زعزعة توقعات الإنتاج لهذا الموسم.

أدنى مستوى في 40 عاماً

كان هطول الأمطار التراكمية في بعض المناطق من 11 فبراير إلى 10 مايو الماضيين هو الأدنى منذ أكثر من 40 عاماً، بينما كان متوسط ​​درجات الحرارة اليومية أعلى بأربع درجات مئوية فوق المتوسط ​​طويل الأجل، وشهدت الأجزاء الغربية من البلاد ظروف موجة حارة في الأيام العشرة الأخيرة من شهر أبريل الماضي.

ويتوقع التقرير حدوث فشل كامل للمحاصيل في عدد من المناطق مع توقف انخفاض الإزهار، ويتوقع الحصول على محصول القمح لهذا الموسم بحجم 1.783 مليون طن، أي أقل بنسبة 45 في المئة من متوسط ​​السنوات الخمس السابقة، والمساحة المزروعة 1.389 مليون هكتار (138 ألف كيلو متر مربع) أقل بنسبة 23 في المئة من متوسط ​​السنوات الخمس الماضية.

والتوقعات الحالية للشعير عند حجم إنتاج 1.084 مليون طن تقل بنسبة 26 في المئة عن متوسط إنتاج الفترة بين 2018 إلى 2022، من مساحة مزروعة أصغر بنسبة 12 في المئة تبلغ 1.025 مليون هكتار (102 ألف كيلو متر مربع).

ويلفت التقرير إلى أن ثالث أكبر منتج في المنطقة هي تونس، وتوقعات الإنتاج لهذا الموسم قاتمة، إذ كانت معدلات هطول الأمطار التراكمية عبر المنطقة المحصولية بأكملها هي الأدنى منذ أكثر من 40 عاماً، ومثل عدم هطول الأمطار خلال الـ40 يوماً من الثاني من أبريل إلى 10 مايو الماضيين “المسمار الأخير” في نعش إنتاج عديد من المناطق.

صورة قاتمة

ومن المتوقع أن يتضرر إنتاج مناطق الكاف وسليانة وزغوان، في حين ترسم بيانات الكتلة الحيوية في باقي أنحاء البلاد صورة قاتمة للغاية، بينما كان الري هو الشيء الوحيد الذي أنقذ المحاصيل في أقصى شمالي بنزرت. من المتوقع أن يبلغ إنتاج القمح 837 ألف طن، أي أقل بنسبة 33 في المئة من محصول العام الماضي البالغ 1.252 مليون طن، و28 في المئة أقل من متوسط ​​السنوات الخمس البالغ 1.170 مليون طن.

وتلقى إنتاج الشعير ضربة أكبر، إذ بلغ الإنتاج المتوقع 225 ألف طن بانخفاض 57 و56 في المئة مقارنة بالعام الماضي ومتوسط ​​السنوات الخمس على التوالي.

فاتورة باهظة

لا يبشر الإنتاج المنخفض بشكل كبير بشكل جيد بالنسبة لسعر المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز، ومع انخفاض المعروض من المواد الخام الأساسية، ترتفع الأسعار المحلية، كما يتوقع محلل الشركة الأسترالية، الذي يلفت أيضاً إلى استنفاد إمدادات المياه الجوفية، وانخفاض مستويات المياه في السدود الإقليمية بسرعة أكبر.

من المقرر أن تستورد الحكومات المغاربية رقماً قياسياً قدره 25.1 مليون طن من القمح والشعير في السنة التسويقية 2023-2024 التي تبدأ في الأول من يوليو (تموز) المقبل، لسد العجز الذي يلوح في الأفق في الحبوب، ومع ذلك، فإن الانخفاض المتزامن في الصادرات الزراعية سيؤدي إلى إجهاد الميزانيات، وربما زعزعة استقرار الاقتصادات، في ظل احتياطات من العملات الأجنبية المنخفضة بالفعل، بخاصة في تونس، ومطلوبات الديون مرتفعة، لا سيما في المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى