اقتصاد دولي

متى يغادر العراق أزمة الكهرباء؟

شكل ملف الطاقة في العراق كثيراً من التحديات لا سيما للحكومات المتعاقبة بعد 2003، إذ لجأت بلاد الرافدين أخيراً إلى مقايضة النفط بالغاز الإيراني لإنهاء أزمة الكهرباء التي تعصف بها كل صيف، تزامناً مع ارتفاع كبير لدرجات الحرارة يصل إلى 50 درجة مئوية في بعض الأحيان.

تأتي الدعوات إلى استثمار الغاز بدلاً من حرقه لا سيما مع الضغوط الأميركية التي تحد من عملية التحويلات المالية إلى إيران نتيجة العقوبات المفروضة على طهران وقطع الأخيرة الغاز في أوقات الذروة.

ومع الإمكانات التي يملكها العراق إلا أن متخصصين في الشأن الاقتصادي يستبعدون إمكانية تحقيق البلاد الاستقرار الذاتي للطاقة، وسط تنامي الفساد وضعف الوعي الوطني مع بيروقراطية كاملة وواردات نفطية محدودة أدت إلى تلكؤ مشاريع الطاقة.

وأكدوا في حديث لـ”اندبندنت عربية” ضرورة تطوير مصادر الوقود والغاز الوطنية تحديداً لكون الاتجاه العالمي نحو استخدام الوقود العالي التأثير وأهميته الاقتصادية في إحلال نظام تكنولوجيا الدورات المركبة في إنتاج الطاقة.

الثلاثاء الماضي كشف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن وضع الحلول أمام أزمة الكهرباء منها ما هو آني ومتوسط وبعيد المدى، مؤكداً بأن أزمة الكهرباء متوقعة، وهي موسمية تحصل مع بداية كل صيف.

وقال “توجهنا بقوة نحو صيانة المحطات وأكملناها قبل بداية الصيف، وسارعنا إلى إكمال العمل في المحطات قيد التنفيذ، كما أن إنتاج الكهرباء وصل إلى 26 ألف ميغاواط”، مبيناً أن “الحلول المتوسطة المدى ستنهي أزمتي الكهرباء واستيراد الغاز“.

وأضاف أن “الشركات الإماراتية باشرت في ثلاث حقول، والصينية قيد المباشرة”، لافتاً إلى أن “عقود استثمار الغاز ستوفر 600 مليون متر مكعب قياسي”.

وأشار إلى أن “الحلول المتوسطة المدى ستغني العراق عن استيراد الغاز”، لافتاً إلى أن “أزمة الكهرباء ستنتهي بعد الاستغناء عن الغاز المستورد خلال عامين أو ثلاثة”.

وكانت وزارة النفط العراقية وقعت في وقت سابق أربعة عقود مع شركة “توتال” الفرنسية لمشاريع تطوير ونمو النفط والغاز المتكامل.

الاكتفاء الذاتي

أشار رئيس لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية هيبت الحلبوسي إلى أهمية العقود الأربعة الموقعة مع “توتال” الفرنسية لتطوير الغاز، لافتاً إلى أن هناك غازاً مستورداً من أجل تشغيل المحطات الكهربائية وسد النقص الحاصل في الغاز والذي يعانيه البلد.

وأقر “إننا في حاجة إلى مثل عقود كهذه من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي ووقف الاستيراد من الخارج، وهذا الأمر ضمن البرنامج الحكومي المصوت عليه داخل مجلس النواب والذي تسير عليه الحكومة، إذ تتواصل الاجتماعات واللقاءات من أجل الاستثمار الأمثل للغاز سواء المصاحب أو الحر”.

وتابع في تصريح صحافي أن “هناك عقوداً ستوقع خلال الأيام والأسابيع اللاحقة في غرب العراق، منها حقول عكاز وكذلك عقود الجولة السادسة وهي حقول غازية يجب الاستثمار فيها”.

لا استقرار حالياً

وفي سياق متصل، استبعد عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية كاظم الطوكي استقرار العراق من الطاقة في الأقل خلال الفترة الحالية، عازياً ذلك إلى حاجته إلى الغاز الإيراني، فضلاً عن حقول الغاز في العراق غير المستغلة بشكل جيد والمحطات الكهربائية تحتاج إلى صيانة.

وأكد أنه من السابق لأوانه القول إن العراق في استطاعته تحقيق الاستقرار الذاتي بمجال الطاقة، مبيناً اليوم الخطط والبرامج والأموال المخصصة للموازنة قد نقول ذهبت في التقليل من حجم الأضرار من الجانب العراقي وخصوصاً في قضية استيراد الغاز والمشكلات.

الحلول القائمة

لكن مستشار رئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح رأى أن الحل الاستراتيجي لمشكلة توفير كهرباء مستدامة في العراق في اتجاهات أربعة. الأول أهمية تطوير مصادر الوقود والغاز الوطنية تحديداً مع الاتجاه العالمي نحو استخدام الوقود العالي التأثير وأهميته الاقتصادية في إحلال نظام تكنولوجيا الدورات المركبة في إنتاج الطاقة الكهربائية، باعتماد الوقود الغازي الأقل كلفة وتلوثاً للبيئة لبلوغ فرضية تصفير الكربون في العقد المقبل، وهو ما يقتضي الاستغلال الأمثل لمصادر الغاز الطبيعي والمصاحب في بلادنا والذي ما زال الأخير نصفه يحرق هدراً في حقول النفط.

والثاني نشر وحدات الطاقة الشمسية بشكل مدعوم للمستهلك الفرد ومنتجي تلك الوحدات والأجهزة الكهربائية المرتبطة بها مباشرة من خلال سياسات دعم الصناعة الوطنية حكومياً، وعلى نحو يعوض جانباً من النقص في مصادر التجهيز المركزي، والثالث العمل على توفير أنظمة التوليد المناطقية (المنفصلة والمستقلة) وخارج الربط المركزي للشبكة الوطنية، والتعاطي مع الشبكة الوطنية بنظام ربط خارج وداخل ساعات الذروة من طريق التوليد المحلي، وأخيراً الربط الشبكي مع دول الجوار.

وشدد صالح على ضرورة إعادة التنظيم الإداري لشركات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء في العراق، وبشكل يخضعها للرقابة والتطوير المركزية ويمنح إدارة لا مركزية في تنفيذ عمليات الاستثمار والتشغيل لأنظمة إنتاج ونقل الكهرباء وتوزيعه، وبما يحقق كفاءة التحصيل والنقل والإنتاج في آن واحد والنزول بالهدر (التكنولوجي والتجاري) في الطاقة الكهربائية من قرابة 60 في المئة من إجمالي الإنتاج إلى ستة في المئة؜.

تطور البنى التحتية

وفي السياق ذاته يؤكد الباحث في مجال الطاقة دريد عبدالله أن استمرار إنتاجية الطاقة في بلد نفطي كالعراق يعتمد على تطور بناه التحتية في هذا القطاع، مع ميزانية استثمارية ترتبط بخطط استراتيجية طموحة تجذب الاستثمارات الخارجية بقوة.

وأكمل “تنامي الفساد وضعف الوعي الوطني مع بيروقراطية كاملة وواردات نفطية محدودة أدت إلى تلكؤ مشاريع الطاقة، واستمرار الانفلات الأمني ضاعف تلك الأعباء”.

ورأى عبدالله أن استقرار إنتاج بلاده أو وصوله للاكتفاء الذاتي يرتبط باستقرار سياسي وأمني مع نجاح في تحييد البيروقراطية في مفاصل الدولة، والاعتماد على قيادات شابة يمكنها التعامل بمرونة مع المتغيرات، مبيناً أن فرص تحقيق معظم ما سبق مع بقاء الظروف نفسها على حالها مسألة صعبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى