اقتصاد دولي

«بنك إنجلترا» يربك الأسواق في شأن مستقبل رفع الفائدة

يحاول «بنك إنجلترا» (المركزي البريطاني) الحد من توقعات الأسواق في شأن استمرار رفع سعر الفائدة البريطانية بقوة، وذلك في ضوء تغير توجه البنوك المركزية الرئيسة حول سياسة التشديد النقدي مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم أكثر من المتوقع.
ومع رفع المستثمرين في الأسواق توقعاتهم، صرح محافظ «بنك إنجلترا» أندرو بايلي، هذا الأسبوع، بأنه ليس هناك ما يستدعي التحول في توجه السياسة النقدية بقوة. وأضاف أن البنك قد «ابتعد بالفعل» عن «افتراض» الحاجة إلى مزيد من رفع أسعار الفائدة، لكن المتعاملين في السوق لم يغيروا موقفهم كثيراً بعد أن رفعوا توقعاتهم بخصوص الفائدة البريطانية الشهر الماضي.
وتتوقع الأسواق الآن ألا تصل نسبة الفائدة في بريطانيا قبل ارتفاعها إلى 4.6 في المئة بنهاية العام الحالي. وكانت التوقعات السابقة، قبل التغيير في شهر فبراير (شباط) الماضي هو أن تكون أسعار الفائدة وصلت إلى ذروتها بالفعل عند مستواها الحالي بنسبة أربعة في المئة. كذلك، لم يعد المستثمرون يتوقعون أن يبدأ البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة بنهاية هذا العام.
ارتفاع التضخم:- كانت الأسواق في الاقتصادات الرئيسة قد بدأت في رفع توقعاتها في شأن أسعار الفائدة نهاية الشهر الماضي على أثر أرقام التضخم في أكبر اقتصاد في العالم في الولايات المتحدة للشهر الأول من العام، والتي جاءت أعلى من المتوقع. وعلى الفور، بدأت الأسواق في حساب استمرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي في رفع سعر الفائدة ربما حتى نسبة 5.5 في المئة، من مستواها الحالي عند 4.25-4.75 في المئة، كما قدرت الأسواق أن الاحتياطي الفيدرالي ربما لا يبدأ في خفض أسعار الفائدة نهاية هذا العام كما كانت التقديرات مطلع العام.
اختبارات بنك إنجلترا للقطاع المالي موضع ترحيب لكن التهديد الأكبر هو الحكومة
كذلك أدى ارتفاع أرقام التضخم في دول اليورو إلى ما يقارب 10 في المئة إلى زيادة التوقعات باستمرار البنك المركزي الأوروبي في رفع أسعار الفائدة حتى نهاية هذا العام. وعلى رغم أن معدلات النمو الاقتصادي ليست قوية، وما زالت احتمالات دخول اقتصادات رئيسة في ركود قائمة، فإن الأولوية للبنوك المركزية هي كبح جماح التضخم من طريق خفض الطلب في الاقتصاد، والأداة الرئيسة لديها هي رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق.
وإذا كانت مخاوف أضرار رفع سعر الفائدة بفرص النمو الاقتصادي موجودة في الاقتصاد الأميركي والأوروبي، فإن المشكلة في بريطانيا تبدو أعمق مع هشاشة النشاط الاقتصادي وتراجعه عن نظرائه في دول مجموعة السبع ودول مجموعة العشرين.
مهمة صعبة:- وذلك ما يجعل مهمة «بنك إنجلترا» في غاية الصعوبة، ربما أكثر من الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، على رغم تباين الأرقام والبيانات في شأن التضخم في بريطانيا، وهو ما يزيد من صعوبة وضع البنك المركزي. فعلى رغم أن معدلات التضخم تظل عالية بنسبة فوق 10 في المئة، فإن مؤشر التضخم الأساسي في الاقتصاد من دون حساب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء انخفض في شهر يناير (كانون الثاني) إلى نسبة 5.8 في المئة من نسبة 6.3 في المئة في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويرى عدد من المحللين أن الأسواق تبالغ في توقعات استمرار ارتفاع أسعار الفائدة في بريطانيا. وفي مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز» يقول كبير الاقتصاديين في شركة «بانثيون إيكونوميكس» صامويل تومس «هناك شبه إجماع على أن (بنك إنجلترا) سيحذو حذو الاحتياطي الفيدرالي في رفع سعر الفائدة خلال الأشهر المقبلة، وكان من الخطأ في الماضي افتراض أن يتبع (بنك إنجلترا) الاحتياطي الفيدرالي». وهذا ما حاول محافظ «بنك إنجلترا» أندرو بايلي أن يفعله بتصريحاته المهدئة لتوقعات الأسواق. ويقول المحللون في «رابو بنك» إن تصريحات بايلي «تبدو حمائمية جداً»، وتتعارض تماماً مع التصريحات «الصقورية» من نظرائه في أميركا وأوروبا، الذين لم يستبعدوا الاستمرار في رفع أسعار الفائدة بقوة، وذلك على رغم أن معدلات التضخم في الاقتصاد الأميركي واقتصاد دول منطقة اليورو تظل أقل منها في بريطانيا، لكنها في الوقت نفسه تبدو عصية على الانخفاض.
ويرى عدد من الاقتصاديين والمحللين أن هناك مبرراً قوياً لتوقع أن يتوقف «بنك إنجلترا» عن رفع سعر الفائدة مبكراً عن الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي. فالنشاط الاقتصادي البريطاني أكثر حساسية لنسبة الفائدة من الاقتصاد الأميركي والأوروبي، كما أن معظم قروض الرهن العقاري في بريطانيا في حاجة إلى إعادة تمويل في السنوات المقبلة، بخاصة تلك القروض التي لا تزال على نسب فائدة مثبتة.
ويقول صامويل تومس «من النادر في الولايات المتحدة أن يترك الاحتياطي الفيدرالي الأسواق تخمن وتقدر أكثر من مرة قراره القادم في شأن سعر الفائدة، لكن لجنة السياسات النقدية في (بنك إنجلترا) تميل إلى الدراما»، لكن الواقع أن «بنك إنجلترا» ربما يأخذ في الاعتبار تأثير رفع الفائدة السلبي في النشاط الاقتصادي بشكل عام، بخاصة في ظل توقع أن يدخل الاقتصاد البريطاني في ركود هذا العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى