اقتصاد دولي

تقشف غير مقصود كبح العجز التجاري لتونس

تراجع عجز الميزان التجاري في تونس بنسبة 20.5 في المئة في الثلاثي الأول (الربع الأول) من العام الحالي مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، ليستقر عند 3.05

مليار دينار (983 مليون دولار) في مقابل 3.8 مليار دينار (1.22 مليار دولار) خلال الربع الأول من 2023، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، مما يؤكد الاتجاه الهبوطي لمسار العجز منذ العام الماضي، بعد أن سجل العجز التونسي مستويات قياسية في 2022.

إلى ذلك تقلص مستوى العجز التجاري لتونس تدريجاً خلال 2023، ليصل إلى 17.06 مليار دينار (5.5 مليار دولار) في مقابل مستوى تاريخي في نهاية 2022، عندما سجل 25.3 مليار دينار (8.16 مليار دولار)، وهذا المستوى كان بمثابة أبرز التحديات التي واجهتها الحكومتان الحالية والسابقة.

صادرات الزراعة تغطي خيبة الفوسفات

وتحسنت نسبة تغطية الواردات بالصادرات وبلغت 84.2 في المئة في مقابل 80.2 في المئة في الربع الأول لـ2023 بفضل ارتفاع قيمة الصادرات بنسبة 4.3 في المئة، وهو تطور طفيف مقارنة بما حققته في الفترة الأولى من عام 2023 بنموها بنسبة 10.9 في المئة، بينما سجلت الواردات تراجعاً بنسبة 0.6 في المئة بعد زيادة ناهزت 5.5 في المئة في الفترة نفسها من عام 2023.

وتجسد ذلك في ارتفاع قيمة الصادرات إلى 16.2 مليار دينار (5.22 مليار دولار) في مقابل 15.6 مليار دينار (5 مليارات دولار)، وانخفاض الواردات إلى 19.3 مليار دينار (6.22 مليار دولار) في مقابل 19.4 مليار دينار (6.25 مليار دولار) في الربع الأول من 2023.

وأسهم القطاع الزراعي والأغذية بصفة رئيسة في نمو الصادرات بنسبة 53.8 في المئة بفضل التطور الإيجابي في مبيعات زيت الزيتون التي وصلت إلى 1.8 مليار دينار (580 مليون دولار) في الربع الأول من العام الحالي في حين لم تزد على 925.2 مليون دينار (298.4 مليون دولار) في الربع الأول من العام الماضي، وزادت صادرات الطاقة بنسبة 14.6 في المئة وصادرات الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة اثنين في المئة، في حين خيبت صادرات الفوسفات الآمال في استرجاع نسقها بل تراجعت بنسبة 21.9 في المئة، كذلك انخفضت صادرات النسيج والملابس والجلود 10.3 في المئة على غير المعتاد.

ظاهره تحسناً وباطنه أزمة

وعلى رغم ضغط الحكومة على مستوى العجز تخفيفاً على ميزان المدفوعات، إلا أن المؤشرات الإيجابية كانت غائبة، وفقاً لمحللين تحدثوا لـ”اندبندنت عربية”، إذ أكدوا أن انتعاش الصادرات المصاحب لتدفق واردات المواد الأولية واكتفت الحكومات بانتهاج طرق الخفض في الواردات التي صاحبت تراجع الاستهلاك عاكسة الركود المخيف، ولم تعكس المؤشرات حقيقة اتباع الحكومة لسياسة تقشفية وفق تقديرهم، إذ رأى وزير المالية السابق حسين الديماسي أن “التراجع المسجل في عجز الميزان التجاري ظاهره تبدو إيجابية بينما تحمل خلفياته سلبية”، مشيراً إلى طبيعة الواردات التي سجلت تونس انخفاضاً في توريدها وهي المواد الأولية، إذ يعزى انخفاض التوريد إلى تراجع واردات المواد الأولية ونصف المصنعة بنسبة9.8  في المئة، قائلاً “مؤشر سيئ يدل على الأزمة العميقة التي يمر بها الاقتصاد”.

وأوضح الديماسي “نسق توريد المواد الأولية يعد مؤشراً على سير عجلة الإنتاج ويضمن تدفق واردات التجهيزات نمو الإنتاج لعلاقتها بالتصنيع والخدمات”، مستدركاً “لكن تراجع توريدها فهو لا يدل على انعدام الاستثمارات فحسب بل تعطل عجلة الإنتاج في العموم”، مشيراً إلى أن الحكومات أجبرت على التقشف، وهو ليس خياراً لديها بل سعياً إلى توازنات معينة تتعلق بمخزون العملات الأجنبية والحرص الكبير على استقراره، مما أدى إلى خفض واردات المواد الأولية بالكميات الكافية والضرورية.

وحول استقرار مخزون العملات الذي يصل إلى 23.4 مليار دينار (7.5 مليار دولار) وهو ما يعادل 107 أيام توريد، قال الديماسي إن “الحفاظ على مخزون العملات لا يعد غاية لدى الاقتصادات النامية بل هو وسيلة لتوريد متطلبات الإنتاج لخلق الثروة والسلع الأساسية لضمان استمرار الاستهلاك”، مضيفاً أن “توريد المواد الأساسية الغذائية بدوره سجل تراجعاً نتيجة هذا التقشف غير المقصود الذي ورد نتيجة الظروف المالية الصعبة”، لافتاً إلى أن “تقلص واردات المواد الأساسية الغذائية يدفع بالاستهلاك إلى التراجع الطوعي بالتالي تعطل أحد أهم محركات الاقتصاد“.

من جانبه اعتبر المحلل المالي وسيم بن حسين الخبير نجاح الحكومة في خفض العجز جاء نتيجة بديهية للضغط على حجم الواردات ومراجعة عديد من الاتفاقات التجارية، وأهمها اتفاق التجارة الحرة بين تونس وتركيا كذلك مع الصين.

الحلول السهلة 

وأوضح بن حسين أن العجز انخفض فعلياً مع الصين إلى مستوى 1.8 مليار دينار (580 مليون دولار) في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي في مقابل 1.9 مليار دينار (612 مليون دولار) في الفترة نفسها من عام 2023 وتركيا إلى 670 مليون دينار (216.1 مليون دولار) في مقابل 720.2 مليون دينار (232.2 مليون دولار)، بينما استقر في المستوى نفسه مع الجزائر في حدود 1.1 مليار دينار (354 مليون دولار)، في وقت ارتفع فيه العجز مع روسيا ليصل إلى  1.5 مليار دينار (483 مليون دولار) في مقابل 1.08 مليار دينار (348 مليون دولار) بحسب الانزلاق السنوي.

وأشار بن حسين إلى أن العجز زاد مع أكرانيا ليصل إلى 414.7 مليون دينار (133.7 مليون دولار) في مقابل 386.6 مليون دينار (124.7 مليون دولار) واليونان إلى 394.5 مليون دينار (127.2 مليون دولار) في مقابل 189.1 مليون دينار (61 مليون دولار) بحسب الانزلاق السنوي (مقارنة بين المؤشرات خلال فترتين بينهما سنة واحدة).

ووصف بن حسين الأسلوب المعتمد للتعامل مع العجز بالحلول السهلة التي تعتمد على خفض فاتورة التوريد، قائلاً “يمثل الضغط على العجز مؤشراً إيجابياً في حال نتج من تنمية الصادرات وتغطيتها للواردات من دون الحاجة إلى خفض التوريد”، وما حدث أن مؤشر تحسن التغطية لم يزد على أربع نقاط بانتقاله من 80.2 في المئة إلى 84.2 في المئة.

وتابع أن “ذلك يأتي في ظل غياب مدو لسياسة متكاملة لتنمية الصادرات بدفع الإنتاج في مرحلة أولى وتوفير حوافز للمصدرين في مرحلة ثانية من دون الحاجة إلى خفض الواردات التي شملت المواد الأساسية الغذائية”، مؤكداً أن “المشروع الحكومي الذي حقق الضغط على العجز لم يتجاوز تغيير أرقام فاتورة الواردات من دون التأسيس لاستراتيجية متكاملة لتوازن دائم للميزان التجاري”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى