اقتصاد دولي

هل تستثمر في “بيتكوين” الآن أم تنتظر هبوط السعر؟

الحكمة التقليدية لدى المتعاملين في السوق، بخاصة أسواق الأسهم، أن تشتري بينما السهم يصعد وتبيع حين يبدأ سعر السهم الهبوط، وذلك في الغالب للتداول قصير الأجل بغرض تحقيق الأرباح السريعة من المضاربات على أسعار الأسهم. لكن هذا التوجه ليس صالحاً دوماً، وعلى رغم وجود سماسرة ومحللين ومكاتب استشارات استثمارية في الشركات المالية والبنوك الكبرى يصدرون مذكرات لعملائهم بصورة مستمرة حول ما يرونه أجدى بالاستثمار فيه، فإن تلك التوقعات ليست دائمة صائبة.

قبل أشهر قليلة، كان الاستثمار في العملات المشفرة وفي مقدمها “بيتكوين” يعتمد على عمليات “تعدين” لتوفير العملة في محفظتك الرقمية على شبكة “بلوكتشين” المؤمنة، ويحتاج الأمر إلى أجهزة كمبيوتر عالية القدرة تعمل معاً باستمرار لتسجيل المعاملات على الشبكة إلى أن يصل من يقوم بالتعدين، أو “التنجيم”، إلى تكوين “نقطة” خاصة به، وحينئذ يحصل على جائزة من العملة المشفرة هي حالياً بالنسبة إلى عملة “بيتكوين” 6.25 عملة.

منذ مطلع يناير (كانون الثاني) 2024 أصبح من السهل على المتعاملين الأفراد والصناديق والمؤسسات الاستثمار في “بيتكوين” من خلال صناديق التداول الفوري للعملة المشفرة المسجلة في البورصة، ذلك من دون حاجة إلى محفظة مشفرات على شبكة “بلوكتشين” ولا تحويل أموال لمنصة مشفرات متخصصة، إنما من خلال حسابك مع سمسار البورصة الخاص بك، عبر تطبيق عادي على هاتفك الذكي، تستطيع شراء وبيع حصص في صناديق تداول فوري للعملة، إذ وافقت هيئة البورصة والأوراق المالية الأميركية على تسجيل 11 صندوقاً في 10 يناير الماضي، منها صناديق لشركات استثمار كبرى مثل “بلاك روك” و”فيديليتي”.

سهولة الاستثمار في “بيتكوين”

منذ طرحها للجمهور العام قبل 14 عاماً، لم تفلح “بيتكوين” أن تكون عملة مدفوعات كما كان يتصور. أما الآن، بعد تسجيل صناديق التداول الفوري في البورصة فقد أصبح أصلاً استثمارياً رقمياً مما شجع على الاستثمار فيها أكثر. ومع أنها لا تدر عائداً، مثلها مثل الاستثمار في الذهب مثلاً، فإنها تعد أصلاً استثمارياً مجزياً لمن يرغبون في تنويع محافظهم الاستثمارية بين الأسهم والسندات والذهب وغيرها وذلك للاستثمار الطويل الأجل.

تشير غالب التوقعات إلى أن قيمة “بيتكوين”، كأصل استثماري رقمي، ستظل مرتفعة لفترة. وأشار تحليل لمجلة “إيكونوميست” إلى أنه على رغم أن التذبذب في قيمة العملة قد يصبح أقل حدة فإن منحى ارتفاع القيمة مستمر إلى حين، بمعنى أنه قد لا يحدث انهيار كما حدث في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2022، حين هوى سعرها إلى ما دون 20 ألف دولار.

في إدارة المحافظ الاستثمارية ينوع مديرو الاستثمار المحفظة بين أصول مختلفة، وفي حال جعل نسبة واحد في المئة مثلاً من المحفظة الاستثمارية عبارة عن استثمارات في “بيتكوين” عبر صناديق التداول الفوري المسجلة في البورصة يعد ذلك تقليلاً للأخطار.

يبدو هذا التوجه هو السائد حالياً، إذ يلاحظ أن الاستثمارات في 10 صناديق مسجلة في البورصة منذ مطلع العام أصبحت الآن أكثر من 50 مليار دولار، وهذا يعني أن مديري الاستثمار وحتى أصحاب المحافظ الاستثمارية من الأفراد يضيفون “بيتكوين” في محافظهم. مع استمرار هذا النهج، يكتمل دخول العملة في النظام المالي الرسمي العام كأصل استثماري، ويصبح الاستثمار فيها إلى حد كبير مثل الاستثمار في الذهب.

وهناك وجه تشابه مهم بين هذه العملة والذهب، إذ إن كليهما محدود العرض في السوق، فعدد عملات “بيتكوين” له سقف محدد لا يزيد عليه هو 21 مليون عملة، كذلك كمية الذهب في العالم محدودة بما هو متوفر منه في الأرض لتعدينه واستخراجه من مناجمه.

منحى الارتفاع مستمر

بحلول الـ19 من أبريل (نيسان) المقبل سيحل موعد خفض عائد تعدين “بيتكوين” بمقدار النصف، وهو ما يحدث كل أربع سنوات لتفادي التضخم في سوق العملة المشفرة. وبحلول الموعد الشهر المقبل سيصبح العائد من التعدين 3.125 عملة بدل 6.25 عملة حالياً، ويعني ذلك عاملاً إضافياً للضغط على سعر العملة المشفرة نحو الارتفاع. وربما يؤدي اقتراب “تنصيص” العملة إلى زيادة الإقبال على الاستثمار في صناديق التداول الفوري للعملة في البورصة، وهو ما يؤدي من ثم إلى زيادة قيمتها.

مع ملاحظة زيادة التوازي بين تحرك سعر “بيتكوين” ومؤشرات الأسهم وأسعار الذهب حالياً، يمكن توقع أيضاً انعكاس الثقة الإيجابية للمستثمرين على قيمتها في الأشهر المقبلة، فالاقتصادات الرئيسة في العالم تفادت الركود وتشهد أداءً جيداً، كما أن الأسواق تتوقع بدء البنوك المركزية خفض أسعار الفائدة مع منتصف هذا العام، أي بعد أشهر قليلة، وهذا يشجع المستثمرين على المخاطرة والإقبال على شراء الأصول الاستثمارية، بما فيها الرقمية مثل “بيتكوين”.

ربما لا ينطبق على بقية العملات المشفرة ما ينطبق على ‘بيتكوين”، فكثير من تلك العملات أطلق وتداول بتهويل من “مؤثرين” على مواقع التواصل ومنصات دردشة إلكترونية، لكن رسوخ العملة كأصل رقمي بدأ يتعمق مع تسجيل صناديق التداول الفوري لها على مؤشرات “وول ستريت”، من ثم فإن الاستثمار فيها الآن قد لا يختلف كثيراً عن الاستثمار في أصول منوعة أخرى، بخاصة إذا كنت ترغب في تنويع محفظتك الاستثمارية لتقليل الأخطار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى