أخبار عاجلةاقتصاد دولي

هل اقتربت فقاعة العملات المشفرة من الانفجار؟

بلغ سحب العملاء أموالهم من شركة “باينانس” لتداول العملات المشفرة خلال أيام أكثر من ستة مليارات دولار، مما يهدد بأن تلحق الشركة بنظيرتها “أف تي إكس“، التي أدى إفلاسها إلى تبخر نحو 32 مليار دولار.

وأعلنت شركة “باينانس” بنهاية الأسبوع أن عملاءها سحبوا ستة مليارات دولار في الأيام الثلاثة من الإثنين إلى الأربعاء.

على رغم محاولة الرئيس التنفيذي شانغ بنغ جاو طمأنة المستثمرين في شأن الوضع المالي للشركة عبر عدة مقابلات، إحداها على شبكة “سي أن بي سي” الأميركية، إلا أن ذعر المتعاملين في سوق المشفرات لم يهدأ.

وزادت المخاوف مع توقف شركة “مازارس” للمحاسبة والمراجعة والتدقيق عن إصدار تقارير “إثبات أصول” لشركة “باينانس” ومنصات عملات مشفرة أخرى مثل “كو كوين” و”كريبتو دوت كوم”.

يبدو أن تقديرات بعض المحللين والمعلقين بأن إفلاس “أف تي إكس” تعني بالنسبة إلى سوق المشفرات والأصول الرقمية ما مثله انهيار بنك “ليمان براذرز” عام 2008 للقطاع المالي التقليدي لم تكن توقعات بعيدة عن الواقع تماماً.

فمع إلقاء القبض على صاحب “أف تي إكس” صامويل (سام) بانكمان-فرايد في جزر البهاما وتوجيه السلطات الأميركية تهماً جنائية له استعداداً لمحاكمته، بدأ حجم الاختلالات الهائلة في سوق المشفرات والأصول الرقمية يتكشف.

وجاء قرار شركة المحاسبة والتدقيق والمراجعة “مازارس”، الجمعة، بالتوقف عن إصدار تقارير إثبات الأصول للشركات في قطاع العملات المشفرة ليضيف إلى تفجر أزمة القطاع واحتمال أن يشهد إفلاس وانهيار مزيد من الشركات فيه حتى تفرغ فقاعة تضخمه الهائل.

ممارسات مريبة

بررت شركة المحاسبة والتدقيق قرارها بأن أعمالها قد “تعطي صدقية لقطاع في غاية الاضطراب والتقلب”، وأعربت عن أن قبولها عقد شركة “باينانس” لإصدار تقارير إثبات أصول كان “غلطة سخيفة وساذجة”، وأنها ما كان يجب أن تستغل لإصدار صكوك صدقية لشركات ومنصات المشفرات.

يذكر أن تقارير إثبات الأصول والاحتياطيات ليست تدقيقاً محاسبياً تقليدياً، إنما تعمد فيه شركة المراجعة على ما تقدمه لها الشركة المعنية من دون أن يدير المدققون فحصاً شاملاً لالتزامات الشركة المعنية ولا ما عليها من تبعات.

كما لا تدقق شركة المحاسبة حتى فيما إذا كان ما تقدمه لها الشركة المعنية من بيانات سليماً أم لا، بالتالي لا تعد تلك التقارير إثباتاً حقيقياً، لأن الشركة المعنية في وضع سليم مالياً أو من حيث ممارساتها بشكل عام.

أما السبب المباشر لتوقف شركة “مازارس” عن إصدار تلك التقارير فهو “اللغط المتعمد في فهم الجمهور العام لها”، وذلك بعد أن استغلت شركة “باينانس” أول تقرير للإعلان عن أن مراجعة شركة المحاسبة “تعد تأكيداً إضافياً” على أن “أصول الشركة تساوي أو أكبر من التزاماتها تجاه عملائها”.

وأضافت شركة العملات المشفرة أنها لديها أصول تصل إلى 60 مليار دولار تكفي للوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها، إلا أن الأسواق ما زالت تتشكك في دقة وجدية تلك البيانات، كما أنها لم تخفف ذعر المستثمرين وعملاء الشركة الذين واصلوا محاولات سحب استثماراتهم منها ومن غيرها من منصات المشفرات.

كان انهيار شركة “أف تي إكس” كشف عن تكوين بانكمان-فرايد أكثر من 100 شركة فرعية ضمن مجموعة “آلاميدا ريسيرش” التابعة لشركته وعبر تلك الشركات تم تدوير عشرات المليارات من القروض بين شركاته.

وهذا ما جعل شركة المحاسبة والمراجعة تتوقف عن تقديم خدماتها لشركة “باينانس” وغيرها في عالم العملات المشفرة، لأن تقاريرها لا تدقق في مثل تلك الممارسات.

وتحاول شركة “باينانس” التعاقد مع أي شركة محاسبة ومراجعة لطمأنة عملائها ومستثمريها، كما أعلنت شركة “كريبتو دوت كوم” أنها “ستستمر في التواصل مع شركات محاسبة ومراجعة ذات صدقية العام المقبل 2023”.

انفجار فقاعة

مع محاكمة بانكمان-فرايد المقبلة ربما تتكشف ممارسات أخرى تثير مزيداً من الذعر وحتى الانهيارات في قطاع العملات المشفرة، بشكل يؤكد انفجار فقاعة المشفرات والمشتقات الرقمية التي تجاوز حجم سوقها في مرحلة ما تريليوني دولار.

وكثرت التعليقات والآراء الاقتصادية التي تطالب بضرورة إخضاع قطاع المشفرات للقواعد واللوائح المنظمة للقطاع المالي التقليدي، لكن مشكلة المشفرات أنها قامت أساساً على فكرة “عدم المركزية” والتحرر التام من أي قيود تنظيمية وقواعد وقوانين رسمية.

فقد برزت العملات المشفرة كرد فعل على أزمة القطاع المالي العالمي عام 2008 – 2009 باعتبارها بديلاً “متحرراً ينظم نفسه بنفسه ولا يخضع لأي بنوك مركزية أو لوائح مالية”، لكن المستشار الاقتصادي ورئيس الأبحاث في بنك التسويات الدولية هيون سونغ شين كتب مقالاً، السبت، في صحيفة “الفايننشيال تايمز” يفند فيه وهم عدم مركزية العملات المشفرة وشفافيتها المدعاة.

وشرح شين بالتفصيل كيف أن قطاع العملات المشفرة والمشتقات الرقمية يقوم على الاختلالات والممارسات الخاطئة ذاتها التي يفترض أنه برز كبديل “حر ولا مركزي” لها، بالتالي يطالب السلطات المالية وهيئات الأسواق الرسمية بأخذ ذلك في الاعتبار وهي تسعى إلى تنظيم قطاع المشفرات.

وكتب في مقاله أن “غالب البروتوكولات اللامركزية هي في الواقع شديدة المركزية، بمعنى من يتحكم في الأمر كله، وغالباً ما يكون المؤسس (للعملة المشفرة) وعدد قليل من المستثمرين المغامرين هم المسؤولون بشكل رئيس. وهذا اتضح من انهيار عملة (تيرا) في مايو (أيار)، وفي غالب الحالات فالعملات المشفرة هي لا مركزية بالاسم فقط”.

أما مظهر المركزية الآخر فهو دور الوسطاء، مثل الشركات “التي تلعب دوراً محورياً في ارتباط عالم المشفرات بالنظام المالي التقليدي”، ففقاعة القطاع الرقمي تكونت بسند من الأصول المالية من النظام التقليدي التي دخلت عالم المشفرات عبر تلك الشركات والمنصات مثل “أف تي إكس” و”باينانس” وغيرهما.

ويخلص المقال إلى أن مقولة “فلنترك قطاع المشفرات يحترق ذاتياً” كما هو متوقع الآن ليست صحيحة، فهذا التداخل الحالي بين المشفرات والأصول الرقمية والنظام المالي التقليدي يتطلب عملية تنظيم صارمة، ولا يستبعد الاقتصادي في بنك التسويات الدولية أن تتكرر الأزمة إذا لم يتم التعامل معها بشكل صارم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى