اقتصاد دولي

جمود المفاوضات بعد سنوات بين دول عربية مدينة وصندوق النقد

تحت هذا العنوان، أوردت “إيكونوميست” تقريراً عن توقف المفاوضات بين دول عربية مدينة وصندوق النقد الدولي بعد سنوات من بدئها بسبب ما أسمته “أسباباً وجيهة” تجعل الدول المعنية تتخوف من شروط المؤسسة المالية الدولية. وأضافت المجلة البريطانية أن الصندوق يستسيغ القول إنه لا ينسحب أبداً من طاولة المفاوضات مع الدول التي ترغب في الاقتراض منه، ولا سيما الدول التي تكون بحاجة إلى إنقاذ مالي، لكن قليلة هي الدول التي تواصل التفاوض مع المؤسسة، ولا سيما مصر ولبنان وتونس التي تشتد فيها حاجة حكوماتها إلى دعم مالي.

وتعاني الدول الثلاث المذكورة التي تضم حوالى ثلث سكان العالم العربي من مستويات عالية من الديون وتراجعاً كبيراً في احتياطيات النقد الأجنبي، كما تعاني في استيراد الحاجات الأساسية وتعزيز أسعار صرف عملاتها المترنحة، علماً بأن لبنان توقف عن تسديد ديونه عام 2020 في حين تدفع مصر وتونس عوائد مرتفعة على ديونهما بسبب انخفاض تصنيفهما الائتماني. والدول الثلاث أطراف في مفاوضات مع الصندوق للحصول على قروض تأمل في أن تعزز مالياتها العامة وتعيد الثقة إلى المستثمرين الأجانب، لكن المفاوضات في جمود في الحالات الثلاث، “ما يسلط الضوء على الاختلال الاقتصادي في الدول العربية المستوردة للنفط – لكن أيضاً المشكلات التي تشوب برامج الصندوق في المنطقة”.

ووفق المجلة البريطانية، توصلت مصر في ديسمبر (كانون الأول) إلى اتفاق مع الصندوق تحصل بموجبه على قرض بثلاثة مليارات دولار، فمنذ عام 2019 هبطت احتياطياتها من العملات الأجنبية من 44 مليار دولار إلى 35 ملياراً، في حين ارتفع الدين العام من 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 93 في المئة متوقعة هذا العام. وبسب الغزو الروسي لأوكرانيا، سحب مستثمرون أجانب قلقون 22 مليار دولار من استثماراتهم في مصر العام الماضي، ما دفع مصر إلى خفض قيمة عملتها ثلاث مرات منذ بداية عام 2022 ليقفز سعر الدولار من 15 جنيهاً إلى 30 جنيهاً الآن.

ووعدت الحكومة المصرية بتطبيق سعر مرن للصرف وبيع ما يساوي مليارات الدولارات من الأصول الحكومية، لكن سعر الجنيه لا يزال يبدو مبالغاً فيه، فالدولار يسجل أقل من 40 جنيهاً بقليل في السوق السوداء، في حين سجل معدل التضخم رقماً قياسياً في مايو (أيار) بلغ 33 في المئة، متجاوزاً بكثير معدل الفائدة المحدد من المصرف المركزي المصري عند 18.25 في المئة. وتريد الحكومة بناء احتياطياتها من النقد الأجنبي قبل خفض سعر صرف الجنية مجدداً لكن المستثمرين يريدون العكس، ففي ضوء التسعير المبالغ فيه في نظرهم للجنيه وتجاوز معدل التضخم معدل الفائدة تبدو السندات الحكومية والأصول الحكومية المعروضة للبيع غير جذابة لهم. وهكذا لم تحصل مراجعة البرنامج المصري مع صندوق النقد في مارس (آذار) ولم يفرج الصندوق عن قروض إضافية لمصر.

وفي تونس، بحسب “إيكونوميست”، يسجل الدين الحكومي أكثر من 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبدأت الحكومة مفاوضات مع صندوق النقد في أوائل العام الماضي، وهبطت الاحتياطيات من العملات الأجنبية من 9.8 مليار دولار عام 2020 إلى 6.8 مليار اليوم. وكثيراً ما يلاقي الناس صعوبة في العثور على الأغذية الأساسية وكثير من العقاقير. ومن المرجح أن تنهي البلاد عام 2023 من دون توقف عن تسديد الديون، لكن من المتوقع أن تلاقي صعوبة في دفع 2.6 مليار دولار في ديون خارجية تستحق العام المقبل. ويرفض الرئيس قيس سعيد “الإملاءات الأجنبية” في إشارة إلى شروط صندوق النقد لتوفير قرض لبلاده.

أما لبنان، أضافت المجلة، فتوصل إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق في أبريل (نيسان)، لكن البلاد غارقة منذ عام 2019 في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث بسبب “بونزي سكيم” [عملية احتيال مالي] كان المصرف المركزي طبقه لسنوات دعماً لسعر صرف الليرة اللبنانية. وتعاني المصارف من عدم ملاءة، في حين فقدت العملة الوطنية 98 في المئة من قيمتها حتى الآن، ويفوق معدل التضخم السنوي المئة في المئة منذ ثلاثة أعوام. ويطالب الصندوق لبنان بإصلاحات “معتدلة”: خطة لإعادة هيكلة المصارف، وتعديل قانون السرية المصرفية، وتوحيد أسعار الصرف الكثيرة. وتتلكأ الحكومة في هذا الصدد منذ أكثر من سنة.

ولامت “إيكونوميست” “النخب القوية” في البلدان الثلاثة على تعطيل التقدم في المفاوضات مع الصندوق. ففي مصر قد لا تسمح جهات رسمية بيع أصول مدرة للدخل والسماح للقطاع الخاص بالمنافسة في تنفيذ مشاريع اقتصادية. وترفض النقابات التونسية التي كثيراً ما تنفذ إضرابات تشل البلاد خفض الإعانات أو الرواتب. ويرفض السياسيون والمصرفيون اللبنانيون “الذين دفعوا لبنان إلى الأزمة” الاعتراف بأن قطاع الخدمات المالية أصبح أشبه بالزومبي (الأحياء الأموات) ويلفظ أنفاسها الأخيرة.

لكن موقف كل من الرئيسين المصري والتونسي، عبد الفتاح السيسي وسعيد مصيب. وكتبت المجلة: “ليسا على خطأ إذ يخشى الأول أن يضر خفض جديد في سعر صرف الجنيه بالمصريين ويخشى الثاني تفاقم معدل الفقر في بلاده”، وفق المجلة البريطانية. فحين خفضت مصر سعر صرف الجنيه وقلصت الإعانات وزادت الضرائب لتحصل من الصندوق على قرض مقسط بقيمة 12 مليار دولار عام 2016 قفز معدل التضخم إلى مستويات مؤلمة ولم تُحَل مشكلات البلاد، واضطرت مصر إلى طلب قرض جديد من الصندوق قبل الانتهاء من تسديد الأول. وفي مصر حيث الاتكال على السياحة وتحويلات المهاجرين أكثر بكثير من الصادرات للحصول على العملة الصعبة، لا يؤدي التقشف إلى حلول كبيرة، ولا سيما مع اضطرار الحكومة إلى تسديد أجور موظفي القطاع العام الهائل الحجم، فلا يبقى للإنفاق الاجتماعي سوى الفتات. وهكذا تتقلص القطاعات الاقتصادية غير النفطية للشهر الـ30 على التوالي.

وأشارت “إيكونوميست” إلى تحديات سياسية تعطل الإصلاحات في البلدان الثلاثة، ففي مصر من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في فبراير (شباط) 2024، لكن السيسي قد يجريها مسبقاً في وقت لاحق من هذا العام، وتنتهي ولاية سعيد العام المقبل. وأسهمت الطائفية السياسية في لبنان معظم الناخبين إلى إعادة انتخاب “أمراء الحرب ” الذين أغرقوا بلادهم في الأزمة، ويعيش البلد من دون رئيس منذ أكتوبر (تشرين الأول) في حين تنتهي ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة في نهاية يوليو (تموز) علماً بأنه في منصبه منذ عقود. وتستعين تونس بقروض من الجزائر ومصر وبمساعدات من دول الخليج. وقدم الأوروبيون بعض الدعم لتونس أملاً في لجم الهجرة غير الشرعية من هذا البلد إلى قارتهم، فهذه الهجرة قفزت بنسبة 154 في المئة خلال الأشهر الأولى من العام، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى