اقتصاد دولي

هل تقترب ذروة نمو الطلب الصيني على النفط؟

في سياق التوجه السائد بين كثير من المحللين والاقتصاديين وخبراء الأسواق حول العالم بأن الهند هي القوة الصاعدة اقتصادياً بشكل أسرع من غيرها، يرى المسؤولون والاستشاريون في قطاع الطاقة أن قيادة الطلب الآسيوي على الطاقة تنتقل من الصين إلى الهند، هذا ما خلص إليه مشاركون في مؤتمر النفط لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (آبيك 2023) الذي تنظمه «غلوبال كوموديتيز انسايتس» التابعة لمؤسسة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني في سنغافورة هذا الأسبوع.
وخلال المؤتمر، توقع رئيس أكبر شركة عالمية مستقلة لتجارة عقود النفط الخام تحسن المعروض العالمي في الأسابيع المقبلة نتيجة عمليات الصيانة في المصافي حول العالم.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة «فيتول» راسل هاردي في كلمته ضمن مؤتمر «آبيك» 2023، إن وضع الخام الثقيل سيظل أقوى من الخام الخفيف نتيجة تخفيضات تحالف «أوبك+»، مضيفاً «نتيجة تخفيضات أوبك+ لا يكفي العرض من الخام الثقيل حالياً لتلبية حاجات مصافي النفط في الهند والكويت وجيزان وعمان والصين». وشدد هاردي على أن أسعار خام برنت مستقرة بشكل جيد في نطاق ما بين 72 و88 دولاراً للبرميل لمدة عام الآن، وأن أي اضطرابات في السوق سببها أسواق المشتقات المكررة وليس سوق النفط الخام، مشيراً إلى أنه رغم تأثير العقوبات الغربية على حجم النفط الروسي المعروض، الذي شهد انخفاضاً، فإن زيادة الإنتاج من مناطق أخرى مثل إيران وفنزويلا تعوض ذلك النقص في الخام الروسي الذي أصبح أيضاً يباع بأسعار أقل نتيجة سقف السعر المفروض على مبيعاته.
الصين والهند والطلب العالمي:- في جلسة حول الصين والهند وروسيا في المؤتمر، قال رئيس شركة «أف جي إي» فيردون فيشاراكي، إن «الصين كانت أكبر داعم لنمو الطلب العالمي على النفط الخام في 20 سنة الماضية، لكن الطلب الصيني على النفط ربما يصل إلى ذروته خلال السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة ثم يأخذ في الانخفاض»، مضيفاً أنه «على السوق العالمية الآن التطلع إلى الهند أو غيرها من البلدان للحفاظ على استمرار قوة الطلب».
وتتفق تلك التقديرات مع تقديرات شركة «غلوبال كومويدتيز انسايتس» المنظمة للمؤتمر السنوي، إذ ذكر مدير أبحاث الطلب العالمي على النفط في الشركة، كانغ وو في مذكرة له قبل المؤتمر أن «ذروة النمو الطلب على النفط في الصين ستأتي مبكراً عنها في الهند، إذ يتوقع أن يستمر نمو الطلب في الهند لفترة أطول استناداً إلى توقعات التوسع الاقتصادي وحجم السكان من الشباب»، كما أكد المسؤولون من مصافي النفط الهند المشاركين في المؤتمر أن ذروة نمو الطلب على النفط ليست قريبة مع كل خطط التوسع في قطاع التكرير في البلاد.
وقال المدير المالي لشركة «مانغالور» للتكرير والبتروكيماويات فيفك توغا أونكار «ربما يتراجع نمو الطلب في الصين قليلاً، لكن دولاً مثل الهند تشهد ارتفاعاً وهكذا يستمر الطلب في النمو، وربما تحتاج الهند إلى زيادة الاعتماد على النفط والغاز لعقدين من الزمان في الأقل، رغم أنها ستشهد تحولاً إلى استخدام الطاقة المتجددة في تلك الفترة». إلى ذلك أجمع المتحدثون تقريباً على أنه في المدى القصير تشير التوقعات إلى أن العام الحالي 2023 سيكون العام الأخير في مرحلة تعافي الطلب العالمي على النفط من أزمة وباء كورونا، وأن معدلات نمو الطلب ستبدأ التباطؤ من العام المقبل 2024 وما بعده. إذ قال فيردون فيشاراكي «سينمو الطلب العالمي على النفط هذا العام بمعدل 2.4 مليون برميل يومياً، أما العام المقبل فقد يصل نمو الطلب إلى 1.2 مليون برميل يومياً». إلا أن كانغ وو عرض أرقاماً تختلف قليلاً بالنسبة لنمو الطلب العالمي على النفط. وتوقع أن يزيد الطلب العالمي بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً في العام الحالي 2023، على أن تسهم الزيادة في الطلب الصيني على النفط بمقدار 942 ألف برميل يومياً، يمكن أن ترتفع إلى واحد مليون برميل يومياً. وأن الزيادة في الطلب الصيني تظل الدافع الأكبر لنمو الطلب العالمي على النفط في فترة التعافي من أزمة وباء كورونا حتى الآن. روسيا والطلب الآسيوي:- وأضاف كانغ «بالنظر إلى العام المقبل 2024 نتوقع زيادة في الطلب على وقود الطائرات تصل إلى 440 ألف برميل يومياً مع زيادة نشاط شركات الطيران العالمية. ويتوقع تباطؤ النمو في الطلب العالمي على النفط إلى 1.67 مليون برميل يومياً العام المقبل قبل أن يصل إلى ذروته ربما في عام 2027».وبحسب تقديرات الشركة فإن الطلب الآسيوي على النفط يتوقع أن ينمو بمعدل سنوي بنسبة 3.8 في المئة، أي بزيادة 1.39 مليون برميل يومياً ليصل إجمالي الطلب الآسيوي على النفط هذا العام إلى 38.1 مليون برميل يومياً.
بالنسبة إلى الهند، ففي الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أغسطس (آب) هذا العام أصبحت روسيا أكبر مورد للنفط الخام إلى الهند، وبلغ معدل الاستيراد الهندي من الخام الروسي 1.82 مليون برميل يومياً شكلت نسبة 37.2 في المئة من إجمالي الواردات الهندية في تلك الفترة، وذلك ارتفاع كبير عن الفترة المقابلة من العام الماضي حين استوردت الهند بمعدل 470 ألف برميل يومياً من الخام الروسي شكلت نسبة 10.2 في المئة فقط من الواردات النفطية الهندية.
بحسب المشاركين في مؤتمر «آبيك 2023» فإن الزيادة الكبيرة في واردات النفط الهندية من روسيا تعود إلى الأسعار المخفضة التي تعرضها موسكو إلى جانب أن المصافي الهندية يمكنها أن تعمل أيضاً على الخام الروسي. وقال المدير المالي لمصفاة «نومارا» الهندية سانجاي شودري: «تتميز المصافي الهندية بمعدل عال من مؤشر خليط نيلسون، بالتالي يمكنها تكرير الخام الثقيل وكذلك الخام الروسي أيضاً. ومع أن العمل على الخام الثقيل أفضل، إلا أن تخفيضات الأسعار للخام الروسي كانت كافية لاستيراد تلك الكميات الكبيرة».
يذكر أنه بحسب أرقام «غلوبال كوموديتيز انسايتس» ارتفعت الصادرات النفطية الروسية إلى الصين أيضاً في الفترة الماضية. يقول كانغ «قبل الحرب (في أوكرانيا مطلع العام الماضي) كانت الصين تستورد بمعدل 1.6 مليون برميل يومياً من النفط الروسي. وارتفعت تلك الكمية الآن إلى مليوني برميل يومياً. وهكذا ليست الزيادة في الواردات الصينية من روسيا بقدر زيادة واردات الهند. وأغلب تلك الزيادة في واردات الصين من روسيا نتيجة لمشتريات المصافي المستقلة».
وأضاف مدير أبحاث الطلب على النفط في الشركة التابعة لمؤسسة «ستاندرد أند بورز» أن حجم صادرات النفط الروسية لكل من الهند والصين ربما يكون وصل إلى ذروته الآن، وأنه لا توجد سعة إضافية لاستيراد المزيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى