اقتصاد دولي

عاصفة إفلاس تضرب شركات عالمية والسبب 500 مليار دولار

تشير البيانات التي جمعتها “بلومبيرغ” إلى أن عاصفة من ضائقة ديون الشركات، والتي بلغت أكثر من 500 مليار دولار، بدأت بالفعل في جعل وجودها محسوساً في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم أكثر، مما يؤدي إلى تعميق المخاوف في “وول ستريت”، وقد تؤدي عواقب هذه الأزمة إلى إبطاء النمو الاقتصادي وإرهاق أسواق الائتمان التي لا تزال تتعافى من الخسائر الكبيرة.

يعتبر هاتف الشريك في شركة محاماة كبرى لإفلاس الشركات “كليري جوتليب”، ريتشارد كوبر، بمثابة جرس إنذار مبكر للاقتصاد العالمي، وفي الآونة الأخيرة، كان يرن كثيراً.

كان كوبر ينصح الشركات في جميع أنحاء العالم على مدى عقود في شأن ما يجب فعله عندما تغرق في الديون، إذ فعل ذلك من خلال الأزمة المالية العالمية، وكساد النفط في عام 2016 وجائحة “كوفيد-19″، واليوم يفعل ذلك مرة أخرى، في العام الذي تتراكم فيه حالات إفلاس الشركات الكبرى بثاني أسرع وتيرة منذ عام 2008، ولم تتفوق عليها إلا الأيام الأولى للوباء.

واليوم يواجه الاقتصاد العالمي عاصفة متزايدة من ضائقة ديون الشركات، إذ يتراكم عدد حالات إفلاس الشركات الكبرى في ثاني أسرع وتيرة منذ عام 2008، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبيرغ”.

بينما تندفع موجة متزايدة بأعباء الديون التي تضخمت خلال عصر الأموال الرخيصة بشكل غير عادي، قد لا تتمكن الشركات التي تدين بأكثر من نصف تريليون دولار من سدادها، أو في الأقل ستكافح من أجل القيام بذلك.

توقعت وكالة “موديز إنفستورز سيرفيس” أن يصل معدل التخلف عن السداد لشركات المضاربة في جميع أنحاء العالم إلى 5.1 في المئة العام المقبل، ارتفاعاً من 3.8 في المئة في الاثني عشر شهراً المنتهية في يونيو (حزيران) الماضي، وفي ظل السيناريو الأكثر تشاؤماً، يمكن أن يقفز إلى 13.7 في المئة متجاوزاً المستوى الذي تم التوصل إليه خلال انهيار الائتمان 2008-2009، كما يمكن أن تؤدي حالات التخلف عن السداد المتزايدة إلى أول دورة واسعة النطاق من التخلف عن السداد منذ الأزمة المالية الكبرى.

وتحت سطح حالات الإفلاس تلك تكمن قضية أكثر إثارة للقلق، هي أعباء الديون الكبيرة التي تراكمت خلال أسعار الفائدة المنخفضة تاريخياً.

ونظراً لأن البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم ترفع أسعار الفائدة وتشير إلى موقف طويل الأجل، فإن أعباء الديون هذه تصبح عبئاً متزايداً على الشركات التي استفادت في الماضي من سهولة توافر الائتمان الرخيص.

غالبية أميركية 

تجاوز عدد حالات التخلف عن سداد ديون الشركات في عام 2023 إجمال عدد حالات التخلف عن السداد التي شوهدت العام الماضي، وفقاً لبيانات من وكالة “موديز إنفستورز سيرفيس”.

وتظهر بيانات “موديز” أن 55 شركة مقرها الولايات المتحدة تخلفت عن سداد مستحقاتها في الأشهر الستة الأولى من العام، ويمثل هذا نسبة 53 في المئة عن إجمال عدد حالات التخلف عن السداد لعام 2022، إذ فشلت 36 شركة فقط في الوفاء بالتزامات ديونها العام الماضي.

كما شكلت حالات التخلف عن السداد في الولايات المتحدة غالبية حالات التخلف عن سداد ديون الشركات حول العالم هذا العام، بحسب ” بيزنس إنسايدر” إذ فشلت 81 شركة على مستوى العالم في سداد ديونها في النصف الأول، وبلغ معدل التخلف عن السداد العالمي لمدة 12 شهراً 3.8 في المئة في يونيو الماضي، ارتفاعاً من معدل التخلف عن السداد العالمي البالغ 2.8 في المئة المسجل في ديسمبر (كانون الأول) 2022.

وتتوقع وكالة “موديز” أن تستمر حالات التخلف عن السداد العالمية للشركات في الارتفاع، مع إنهاء معدل التخلف عن السداد العالمي العام عند 4.7 في المئة. وقالت الشركة إنه في سيناريو غير مرجح ولكنه أكثر خطورة، مع احتمال أن يصل المعدل العالمي إلى 13.7 في المئة، متجاوزاً معدل الأزمة المالية لعام 2008.

تعاظم ديون الشركات الأوروبية

ومن بريطانيا إلى السويد وفرنسا، بدأت الشركات المثقلة بالديون تشعر بضغوط ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وبالنظر إلى بعض أكبر الشركات الأوروبية التي أصبحت مشكلاتها المالية الآن في دائرة الضوء، كان أبرزها كما أوردتها “رويترز”، “ثيمز ووتر”، أكبر مورد للمياه في بريطانيا والتي يصل حجم دينها إلى 14 مليار جنيه استرليني (18.12 مليار دولار)، مما دفع الحكومة البريطانية لدراسة الملكية الموقتة للشركة في حال لم تتمكن “ثيمز ووتر” من جمع المزيد من الأموال لسداد الديون.

ومنذ العام الماضي، طلبت شركة “ثيمز ووتر” من المساهمين استثماراً إضافياً بقيمة مليار جنيه استرليني (1.2 مليار دولار) إضافة إلى 500 مليون جنيه استرليني (646.4 مليون دولار) قدموها في مارس (آذار) الماضي، لتعزيز ميزانيتها العمومية وتمويل التحديث الضروري للبنية التحتية القديمة.

وقالت الشركة في وقت سابق في يوليو (تموز) الجاري، إن المساهمين سيقدمون 750 مليون جنيه استرليني (969.8 مليون دولار) لكنها حذرت من أنها ستحتاج 2.5 مليار جنيه استرليني (3.2 مليارات دولار) إضافية بين 2025 و2030.

وبحلول الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يجب أن تزود أكبر شركات المياه في إنجلترا وويلز المنظم بخطط أعمالها للفترة 2025-2030.

أيضاً هناك شركة “كازينو” المثقلة بالديون، وهي سادس أكبر شركة لبيع المواد الغذائية بالتجزئة في فرنسا من حيث الحصة السوقية، وتوظف أكثر من 50 ألف شخص في فرنسا، في حين بلغ حجم الدين لديها 6.4 مليار يورو (7.17 مليار دولار) في شكل ديون صافية.

وتواجه “كازينو” اليوم ثلاثة مليارات يورو (3.36 مليارات دولار) من مدفوعات الديون في العامين المقبلين، مع تحذير وكالتي التصنيف “موديز” و”ستاندرد أند بورز”، من احتمال حدوث تخلف عن السداد، كما أن الشركة القابضة التي يسيطر من خلالها رجل الأعمال المخضرم جان تشارلز ناوري، مثقلة هي الأخرى بالديون.

وفي مايو (أيار) الماضي، بدأت “كازينو” محادثات مدعومة من المحكمة مع الدائنين، وفي يونيو الماضي، طلبت من الأطراف المهتمة تقديم عروض طاولة تستلزم ما لا يقل عن 900 مليون يورو (مليار دولار) من الأموال الجديدة لتمويل إعادة إطلاق.

ويعتبر الملياردير التشيكي دانيال كريتينسكي المرشح الأوفر حظاً للاستحواذ على “كازينو” بعد انسحاب المنافسين” أف هولدينغ 3″ من السباق، فيما قدم كريتينسكي عرضاً منقحاً خلال عطلة نهاية الأسبوع يقترح ضخ 1.2 مليار يورو (1.3 مليار دولار) من الأسهم وتحويل ما يقرب من خمسة مليارات يورو (5.6 مليارات دولار) من الديون إلى حقوق ملكية، وتهدف “كازينو” إلى تأمين اتفاق مع الدائنين بحلول 27 يوليو الجاري.

 كما بلغ حجم دين شركة “3 أس بي بي” أحد أكبر الملاك التجاريين في السويد، 81 مليار كرونة سويدية (7.91 مليار دولار)، واليوم تقاتل من أجل البقاء منذ أن هوت أسهمها في مايو الماضي، بسبب القلق في شأن مركزها المالي وإعادة تمويل ديونها المتراكمة، إلى جانب المخاوف في شأن ضعف الاقتصاد وارتفاع أسعار الفائدة التي أضرت بالسويد.

أزمات ديون

في غضون ذلك، تحقق السويد في ما إذا كانت الشركة انتهكت قواعد المحاسبة في تقريرها السنوي لعام 2021، في وقت تتطلع الشركة إلى العثور على مشتر لجميع أعمالها أو أجزاء منها لتحسين أوضاعها المالية، وقد باعت جميع حصتها تقريباً في شركة العقارات “هيباب دوت أس تي”، وتخطط لبيع ما تبقى من 51 في المئة من فرعها التعليمي “إديو كو” إلى “برك فيلد” بهدف التوصل إلى اتفاق لبيع حصة” إديو كو” بحلول نهاية يوليو الجاري.

كما تواجه شركة “سيلسا” أكبر شركة صناعية خاصة في إسبانيا والتي توظف 4500 موظف، أزمة ديون هي الأخرى، وبلغ حجم الدين للشركة ثلاثة مليارات يورو (3.3 مليارات دولار)، وكانت أزمة جائحة كوفيد قد أثرت على أعمال الشركة بسبب الإغلاق وصعوبة الحصول على المواد الخام، مما أدى إلى خسارتها 364 مليون يورو(408.1 مليون دولار)، وبينما تحسن الأداء منذ ذلك الحين، يجادل الدائنون بأن الشركة في حالة تخلف عن السداد وأن حقوق الملكية الخاصة بها لا قيمة لها.

قدم الدائنون في سبتمبر (أيلول) الماضي خطة إعادة هيكلة بموجب قانون الإعسار الجديد الذي يقضي بتخفيض الديون بنحو 1.29 مليار يورو (1.45 مليار دولار) والسيطرة على الشركة، لكن المساهمين يعترضون على تقييمهم بينما يحاولون الاحتفاظ بالسيطرة على المجموعة.

وبعد جلسة استماع للمحكمة استمرت ستة أيام في يوليو الجاري، من المتوقع أن يصدر قاض من برشلونة قراراً في شأن خطة إعادة الهيكلة في سبتمبر المقبل.

اليوم يحذر الخبراء من موجة من التخلف عن السداد تضرب الاقتصاد، وذلك بفضل ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع البنوك عن الإقراض بعد سلسلة من حالات فشل البنوك الإقليمية في وقت سابق من هذا العام، إذ أدى هذان العاملان إلى تضييق الأوضاع المالية، الأمر الذي يزيد أيضاً من أخطار الركود، وسط توقعات ببلوغ الديون تريليون دولار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى