مقالات اقتصادية

نقل ثروة أمباني إلى الجيل الجديد عملية محفوفة بالمخاطر

كتب أسامة صالح

يبدو أن الشركة الرئيسية لأغنى أغنياء آسيا، قطب الأعمال الهندي موكيش أمباني، المُثقَلة إلى حد ما بأعباء الشركات، نضجت بما يكفي لتقود نفسها بنفسها. ارتفاع قيمة أسهم شركتَي الاتصالات والتجزئة لن يجعل ثروة أمباني تتجاوز 100 مليار فحسب، بل قد يحدّد أيضاً سيطرة تكتل الشركات الذي تديره العائلة على الاقتصاد العامّ في الهند، عند نقل الإدارة للجيل التالي.

قد يحدث هذا الانتقال في 2028، ففي اجتماع الجمعية العمومية السنوي لشركة “ريلاينس إندستريز” (Reliance Industries Ltd) الذي عُقد الاثنين، أعلن أمباني البالغ 66 عاماً انضمام أبنائه الثلاثة إلى مجلس الإدارة، رغم استمراره في منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لخمس سنوات أخرى.

تنامى نفوذ “ريلاينس” بعد موجة استثمارات بقيمة 150 مليار دولار خلال العقد الماضي. تتحكم الشركة حالياً في 15% من إجمالي رأس المال الثابت المنتشر في أكبر 300 شركة غير مالية في الهند، وتوظف 7% من القوة العاملة، وتجني 10% من إجمالي أرباح هذه الشركات قبل احتساب الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء. وصف أمباني ذلك بأن “ريلاينس” لم تعُد مجرد شركة، بل مؤسسة هندية ثمينة.

مشروعات للطاقة المتجددة

مع ذلك ترغب السوق في أن يُترجَم جزء من تلك القيمة الثمينة إلى ارتفاع في سعر السهم. فبعد انبثاق شركة تمويل استهلاكي جديدة في الآونة الأخيرة تبلغ قيمتها السوقية 16 مليار دولار، قُدّرَت القيمة السوقية للمؤسسة بمبلغ 232 مليار دولار، تشمل صافي الديون.

في الشهر الماضي خفض محللو شركة “ماكواري غروب” (Macquarie Group Ltd.) تصنيف سهم الشركة إلى “ضعيف الإمكانية”، وكتبوا أن علاوةً على سهمَي شركتَي بيع التجزئة والاتصالات قد تكون مضافة فعلياً إلى سعر السهم، وأن المستثمرين قد يقيّمون شركة الطاقة المتجددة -الرهان الكبير التالي للشركة- عند 20 مليار دولار تقريباً.

انخفاض أسهم ذراع أمباني المالية في أول ظهور لها بالبورصة

هذا مقابل كبير لفكرة لم تتجسد بعد. تريد “ريلاينس” إنشاء مصانع ضخمة لصنع ألواح الطاقة الشمسية من الرمال، وتوربينات رياح منخفضة التكلفة من ألياف الكربون التي تنتجها مصانعها، وبطاريات تعمل بالليثيوم وأيونات الصوديوم، ومحللات كيميائية لفصل الماء إلى هيدروجين وأكسيجين. ومع اعتبار أن تلك الخطط لا تزال قيد التنفيذ، فالتقييم الضمني للمشروع عند 20 مليار دولار يُظهِر احتراماً كبيراً لسمعة أمباني المعروف بإنجاز المشروعات، في حين لم تظهر مهارات وقدرات الجيل الجديد بعد.

تَعهَّد أمباني في خطابه بدورة توليد قيمة جديدة ونزيهة ستستمر لعقود، وتتميز بسرعة النمو، وارتفاع الإيرادات، وتحسن هامش الربح، وزيادة الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء، ما سيرفع مضاعفات الأرباح لكلٍّ من شركات مجموعة “ريلاينس” بشكل ملحوظ. هنا يبدو أن السوق أقلّ تفاؤلاً من الملياردير الهندي، فقد انخفض معدل سعر السهم إلى أرباحه لأدنى من 25، بعد خطاب رئيس مجلس الإدارة، وذلك بعد أن تجاوز 30 خلال جمْع “أمباني” تمويلاً بمليارات الدولار من المستثمرين العالميين، ومنهم شركتا “ألفابت” مالكة “غوغل”، و”ميتا بلاتفورمز”، خلال الإغلاق في فترة الجائحة.

رهانات جديدة

لا يمكن للتركيز على مسألة خلافة القيادة أن يقلّل الحاجة إلى التحقق من صحة الرهانات التي أجراها أمباني بنفسه حتى الآن، لا سيما في شركتَي الاتصالات والتجزئة، حيث سعى عبر هذين الرهانين اللذين يلتهمان رأس المال (إضافة إلى الطاقة المتجددة في الآونة الأخيرة)، إلى تغيير هيئة إمبراطورية البتروكيماويات التي تركها له أبوه ديروباي أمباني.

أمباني يراهن على جهاز بـ12 دولاراً لاكتساح سوق الهواتف في الهند

مع ذلك، وبدلاً من تحديد إطار زمني للطروحات الأولية التي طال انتظارها، ناقش قطب الأعمال مشروعات أخرى ستكلف الشركة مزيداً من المال. تضمنت الخطط تطوير قدرة حاسوبية مجهزة بالذكاء الاصطناعي بسعة 2000 ميغاواط، وتزويد 200 مليون منزل هندي بالإنترنت اللا سلكي الثابت، وتوسع ترخيص السلع الاستهلاكية الجديد في مناطق أخرى من آسيا وأفريقيا، وتحقيق الريادة العالمية في صناعة ألياف الكربون، وزيادة الاستثمار في استكشاف الغاز، فضلاً عن رأس المال اللازم لتوليد 100 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول 2030، وتشغيل شبكة الجيل الخامس في أنحاء البلاد خلال ديسمبر.

في الفترة الحالية، تسعى أكبر شركة ذات أسهم متداولة بين الجمهور من حيث القيمة السوقية في الهند لإثبات نجاح تجميل صورتها في سوق الأسهم الخاصة، مثل إقناع جهاز قطر للاستثمار بدفع مليار دولار مقابل 1% من أسهم “ريلاينس ريتيل” (Reliance Retails) في الآونة الأخيرة. يقارب تقييم القيمة السوقية لشركة التجزئة عند 100 مليار دولار، ضعف ما جمعه أمباني من شركات الاستثمار الخاصة خلال جولة جمع التمويل في سبتمبر 2020.

حال إدراجها بالبورصة، كانت “ريلاينس ريتيل” ضمن أكبر 4 شركات في الهند وأكبر 10 شركات تجزئة على مستوى العالم، وفقاً لما قاله أمباني خلال اجتماع الجمعية العمومية السنوي. رغم ذلك، لا يزال تعطش المستثمرين أكبر من أن ترويه الأرقام فقط، فبدلاً من إعلان النتائج لمناقشة استثمارات جديدة، لم لا تُوزَّع عليهم الأرباح؟

فرص للنمو

بهذه الطريقة ستتمكن البورصات أيضاً من تَعرُّف الجيل الجديد. فسِنّ التوأمين أكاش وإيشا البالغين 31 عاماً، أكبر بعشر سنوات من سنّ أبيهما عند انضمامه إلى مجلس إدارة “ريلاينس” في 1977. فلم يعودا صغيرين على إدارة شركتَي الخدمات الرقمية والتجزئة، على التوالي، صاحبتَي الأسهم المتداولة بين الجمهور.

أما شركة الطاقة المتجددة المتطورة التي يديرها أنانت، شقيقهما البالغ 28 عاماً، فستحتاج إلى ما بين 5 و10 سنوات قبل أن تستعد لطرحها الأولي. خلال السنوات الخمس المقبلة على الأقلّ، سيحظى المديرون الثلاثة من أبناء جيل الألفية بإشراف أبيهم على “ريلاينس” ذات التصنيف الائتماني من الدرجة الاستثمارية (Baa2)، الأعلى قليلاً من تقييم شركة “موديز إنفستورز سيرفيس” (Mody’s Investors Service) للحكومة الهندية. وهذا يعني أن لأخطاء الشباب مساحة كبيرة.

“أمباني” و”أداني” يخططان لإنتاج 25 غيغاواط من الطاقة النظيفة جنوب الهند

من شأن ذلك أن يساعد المجموعة التي تنافس غوتام أداني، الذي تخطى أمباني في تصنيفات الثروات العالمية في العام الماضي، والذي خسر ترتيبه بعد هجوم شامل شنّته عليه شركة متخصصة في البيع على المكشوف. في حين أن أداني لا يزال مولعاً بالاستحواذات، قد يحصر نطاق طموحه على البنية التحتية والمرافق، ما سيمنح عائلة أمباني الفرصة للنموّ في مجالات أكثر ارتباطاً بالطلب الاستهلاكي في أكبر دولة اكتظاظاً بالسكان في العالم، وما بين الاتصالات والإعلام إلى التجزئة وامتلاك علامات تجارية، فتلك الفرص كبيرة من حيث العدد والنطاق.

يوجد مجال جديد كامل من المدفوعات، والقروض، وإدارة الأصول، والتأمين. إدارج “جيو فاينانشيال سيرفسز” (Jio Financial Services Ltd) بالبورصة مؤخراً لم يطلق العنان لتوليد القيمة، فبمنتهى البساطة، منحت الشركة مساهمي “ريلاينس” حصة في بنك ظلّ سيُبنى من الصفر في الفترة الحالية. حتى نجاح استراتيجيتها، سيكون مصدر جزء كبير من القيمة السوقية للشركة المالية هو حصتها في الشركة الرئيسية، إذ قد تخضع لخصم الشركة القابضة المعتاد بنسبة 20%.

الانتقال السلس إلى الجيل الجديد أمر مهمّ، إذ سيساعد على الحفاظ على ثروة العائلة ونفوذ المجموعة في الهند. لكن يجب أن يحدث الطرحان الأوليان لشركتَي الاتصالات والتجزئة قريباً، وإلا فقد تمثّل الأعباء الإضافية على الشركة الرئيسية عائقاً لا يزول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى