اقتصاد دولي

خسائر الجنيه المصري تضيف ضغوطا جديدة على الموازنة العامة

امتدت التداعيات السلبية لخسائر الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي من المواطن إلى الموازنة العامة للدولة، إذ تسببت في اتجاه الحكومة إلى زيادة مخصصات عدة بنود على رأسها الحماية الاجتماعية والأجور.

وعلى رغم خفض سعر صرف الجنيه المصري 3 مرات منذ مارس من العام الماضي بنحو 50 المئة في المجمل، إلا أنه لا تزال الفجوة متسعة بين سعر الصرف في السوق الرسمية والسوق الموازية بنحو 25 في المئة، على رغم زيادة أسعار الفائدة من جانب البنك المركزي 100 نقطة أساس خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري الأسبوع الماضي.

وفق مذكرة بحثية حديثة، قال محلل الأسواق الناشئة في وكالة “بلومبيرغ إيكونوميكس”، زياد داوود، إن “تخفيض قيمة الجنيه المصري هي مسألة متى وكم وليس لماذا”.

وأضاف “بالنظر إلى صافي التدفقات الخارجية، فإن العجز البالغة قيمته 10 مليارات دولار لا يحصل على كثير من الدعم من تدفقات محفظة الأوراق المالية، أو التدفق من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما يعني وجود فجوة كبيرة بين الطلب على العملة والعرض، وهذا يتطلب إضعاف العملة أكثر”.

وأشار داوود، إلى أن سبباً آخر يتطلب ضرورة خفض سعر العملة المصرية، هو صافي أصول البنك المركزي والقطاع المصرفي بشكل عام، والتي واصلت تسجيل أرقام سلبية، ما يعني مزيداً من الضغط على استقرارها، إذ لم تكن بهذه المستويات السلبية الحادة من قبل. وأضاف أن معدلات العائد على رغم الارتفاع الأخير لا تزال سلبية بالمقارنة مع معدل التضخم والذي تجاوز مستوى 36 في المئة، بالتالي هناك حاجة إلى المزيد من رفع أسعار الفائدة وإضعاف العملة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية وإيقاف عمليات الدولرة.

خسائر الجنيه تضغط على الموازنة العامة

في المقابل، كشف وزير المالية المصري، محمد معيط، أن مؤشرات الأداء المالي المحققة فعلياً خلال العام المالي 2022/2023 جاءت جيدة، على ضوء الأجواء العالمية غير المواتية التي انعكست في ارتفاع أسعار معظم السلع الاستراتيجية الأكثر احتياجاً حول العالم نتيجة لزيادة حدة اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد وما ترتب عليها من نقص شديد في مستلزمات الإنتاج، وزيادة أسعار الوقود والسلع الغذائية بمعدلات كبيرة جداً غير مسبوقة، فضلاً على تأثرها بتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، وتزايد حالة عدم اليقين والتذبذبات بأسواق المال العالمية ومن ثم ارتفاع كلفة التمويل، وصعوبة الوصول للأسواق الدولية لسد الفجوات التمويلية.

وأوضح أنه تم خفض العجز إلى 6 في المئة من الناتج المحلي بدلاً من 6.1 في المئة خلال العام المالي 2021/2022، لافتاً إلى أنه لولا ارتفاع أسعار الفائدة وتغير سعر الصرف والآثار التضخمية لكانت المعدلات أفضل بكثير. وقال، إن الحفاظ على معدل العجز عند 6 في المئة من الناتج المحلي، في ظل المتغيرات الدولية وما ترتب عليها من تدخلات ملحة ومستمرة لاحتواء التداعيات السلبية ومد شبكات الحماية الاجتماعية، يشير إلى قدرة الدولة المصرية على الإدارة الرشيدة للمالية العامة، من خلال توظيف التكنولوجيا الحديثة في تعزيز حوكمة منظومة الإيرادات والمصروفات.

الوزير المصري، أشار إلى أن معدل الفائض الأولي للناتج المحلي المحقق فعلياً في العام المالي الماضي المنتهي بنهاية يونيو (حزيران) 2023، ارتفع إلى 1.63 في المئة ليصل إلى 164.3 مليار جنيه (5.317 مليار دولار) بدلاً من 1.3 في المئة خلال العام المالي 2021/2022، على رغم زيادة المصروفات بنسبة نمو 18.9 في المئة.

وذكر، أن وزارة المالية تمكنت من توفير كل حاجات أجهزة الموازنة والقطاعات المختلفة خاصة الأكثر تأثراً بتداعيات الحرب في أوروبا بما في ذلك استمرار حالة عدم اليقين وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، إضافة إلى الوفاء بحاجات قطاعي الصحة والتعليم وتحمل الخزانة العامة لأعباء زيادة كلفة توفير المنتجات الأساسية في السوق المحلية بخاصة رغيف الخبز والمنتجات البترولية على ضوء الارتفاع الكبير في أسعار القمح والبترول الخام بالأسواق العالمية، موضحاً أنه تم سداد 191 مليار جنيه (6.181 مليار دولار) للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، قيمة القسط السنوي للمعاشات، ليبلغ دعم المعاشات 701 مليار جنيه (22.686 مليار دولار) في 4 سنوات.

زيادة كبيرة في مخصصات الحماية والأجور

وأشار الوزير المصري، إلى ارتفاع الاستثمارات الممولة من الخزانة العامة إلى 230.3 مليار جنيه (7.453 مليار دولار) مقابل 198.5 مليار جنيه (6.423 مليار دولار) خلال العام المالي 2021/2022 بنسبة نمو بلغت نحو 16 في المئة، على النحو الذي يعكس حرص الدولة على المضي في مسيرتها الهادفة لإرساء دعائم حياة كريمة للمواطنين، وزيادة دعم السلع التموينية إلى 121.8 مليار جنيه (3.941 مليار دولار).

ولفت إلى زيادة باب الأجور وتعويضات العاملين ليصل إلى 413.7 مليار جنيه (13.388 مليار دولار) إذ تم تدبير التمويل المطلوب للوفاء بأعباء مبادرات تحسين دخول العاملين بالجهاز الإداري للدولة وأثر رفع الحد الأدنى للمرتبات، وصرف العلاوة المستحقة للعاملين المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية والحافز الإضافي.

وأشار إلى ارتفاع مخصصات باب الدعم والمزايا الاجتماعية إلى 442.8 مليار جنيه (14.33 مليار دولار) بنسبة نمو بلغت نحو 29 في المئة، وزيادة مخصصات العلاج على نفقة الدولة بنسبة 22.9 في المئة، وزيادة دعم المواد البترولية ليصل إلى 116 مليار جنيه (3.754 مليار دولار) بنسبة نمو تبلغ نحو 93.5 في المئة.

ولفت، إلى أن الإيرادات العامة ارتفعت بنسبة 15.5 في المئة مدفوعة بنمو سنوي وقوي للإيرادات الضريبية بنحو 27.2 في المئة بسبب تطوير وميكنة المنظومة الضريبية، ورفع كفاءة الإدارة الضريبة وخضوع التجارة الإلكترونية، وتطبيق الأنظمة المميكنة، بما يسهم في تعظيم جهود دمج الاقتصاد غير الرسمي، وتحقيق العدالة الضريبية، إذ شهدت حصيلة ضرائب الدخل نمواً بنسبة 36 في المئة، والضريبة على السلع والخدمات متضمنة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 22.2 في المئة.

بينما حققت حصيلة الضرائب الجمركية وبخاصة الضرائب على التجارة الدولية نحو 54.6 مليار جنيه (1.766 مليار دولار) بمعدل نمو سنوي يبلغ 27.2 في المئة، وارتفعت حصيلة الضرائب العقارية بنحو 34 في المئة لتحقق نحو 6.2 مليار جنيه (0.2 مليار دولار)، كما بلغت إيرادات قناة السويس التي آلت إلى الخزانة العامة للدولة 124 مليار جنيه (4.012 مليار دولار) خلال العام المالي المنتهي في يونيو (حزيران) 2023 مقارنة بنحو 72.5 مليار جنيه (2.346 مليار دولار) خلال العام المالي الماضي.

وقال، إن الحكومة تتوقع أن يصل معدل الدين إلى 95.6 في المئة من الناتج المحلي بنهاية العام المالي الماضي متأثراً بزيادة نسبتها 13.1 في المئة من الناتج المحلي نتيجة تغير سعر الصرف، ولولا ذلك لكان 82.6 في المئة مقارنة بنحو 87.4 في المئة خلال العام المالي 2021/ 2022، حيث تسبب تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار في زيادة قيمة المديونية الحكومية 1.3 تريليون جنيه (42.07 مليار دولار) بنسبة 13.1 في المئة من الناتج المحلي، وتستهدف الحكومة عودة المسار النزولي لمعدل الدين ليصل إلى 80 في المئة على المدى المتوسط القريب، بحيث يبدأ في الانخفاض من العام المالي الحالي على مدار الأربع سنوات المقبلة ليتراوح بين 75 في المئة إلى 79 في المئة من الناتج المحلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى