أخبار عاجلةاقتصاد دولي

10 تهديدات كبرى تواجه الاقتصاد العالمي فما هي؟

لا يشعر المستشار الاقتصادي السابق لبيل كلينتون نورييل روبيني البالغ من العمر (64 سنة) بالسعادة تجاه لقبه، فهو يصر على “أنا لست دكتور دوم، أنا الدكتور الواقعي”، وكان قد حصل على اللقب لنظرته القاتمة للعالم المالي بعد توقعه الصحيح للأزمة المالية عام 2008. واليوم، عاد روبيني بتنبؤات أكثر خطورة، فهذه المرة كما يرى هناك عشرة “تهديدات كبرى” تواجه الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الديون المتزايدة، والقنبلة الديموغرافية الموقوتة، ونهاية العولمة وخطر الذكاء الاصطناعي.

قال روبيني لصحيفة “التليغراف” التي وصفت طريقة حديثه بالسريعة، إذ إنه بالكاد يتنفس بين الجمل، “هذه التهديدات تتجسد اليوم، أريد أن أجعل الناس يدركون أننا إذا لم نتصد لها فسوف ندمر اقتصادنا وسندمر البشرية”.

وأشار إلى أن المملكة المتحدة تعاني “أسوأ تضخم مصحوب بركود اقتصادي بين جميع الاقتصادات المتقدمة”، وأن “الركود مضمون، وحتى بنك إنجلترا يتوقع في الأقل خمسة أرباع الانكماش”، في حين يعتقد بنك إنجلترا أن الركود المقبل سيكون أقل من التراجع الذي حدث في الثمانينيات أو عام 2008 خلال الأزمة المالية، إذ انتهى الاقتصاد بنسبة اثنين في المئة نتيجة لذلك، مقارنة بستة في المئة أعقاب الانهيار المالي.

لكن روبيني يدعي أن التدهور الاقتصادي لن يكون إلا قصيراً وسطحياً. وقال إن الاقتصاد البريطاني قد استغرق خمس سنوات للعودة إلى حجمه الذي كان عليه قبل الأزمة المالية لعام 2008، مشيراً إلى أنه بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من انتشار الوباء، كانت المملكة المتحدة هي الاقتصاد الوحيد لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى الذي لم يعد بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، لافتاً إلى أنه ومع اقتراب الركود تتجه بريطانيا نحو عقد ضائع من النمو.

وفي حين يقر صانعو السياسة بالبنوك بأن الأسعار ستظل ترتفع بمعدل سنوي يزيد على خمسة في المئة حتى نهاية العام المقبل في الأقل، ويصر محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي على أنه “لا يوجد شرط أو تحفظات” لإعادة التضخم إلى اثنين في المئة، وصف روبيني ذلك بأنه “مهمة مستحيلة”.

أدوات خفض التضخم 

على رغم أنه قد يكون لدى البنوك المركزية الأدوات اللازمة لخفض التضخم، فإن مستويات الديون المرتفعة ستجعلها عاجزة عن رفع أسعار الفائدة من دون التسبب في أزمة مالية، كما قال روبيني.

ويرى أن “البنوك المركزية لا تتمتع بالصدقية عندما تقول إنها ستحارب التضخم بأي ثمن، إذا كنت ترغب في رفع أسعار الفائدة بما يكفي لإعادة التضخم إلى اثنين في المئة، فعليك أن تسبب ركوداً، وبالنسبة إلى كثيرين فإن الشعار اليوم بأنه سيكون هناك ركود قصير وضحل هو هراء على العكس سيكون قاسياً للغاية وطويل الأمد”.

ويعتقد الدكتور “دوم” أن إبقاء الاقتصادات خارج الركود هو شيء واحد، لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة. وقال إن هناك كثيراً من الديون في العالم مما يجعل الاقتراض الأكثر صعوبة له عواقب وخيمة.

وكان الاقتراض قد شهد تضخماً خلال الوباء، إذ دعمت الحكومات الأجور بشكل جماعي أثناء الإغلاق، في حين تبلغ مستويات الدين العالمي حالياً 240 تريليون جنيه استرليني (290 تريليون دولار).

وقال معهد التمويل الدولي إن ارتفاع أسعار الفائدة يمكن أن يؤدي إلى “زيادة خطيرة في كلف خدمة الدين”، كما نما الدين العام بالمملكة المتحدة من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2006 إلى ما يقرب من 100 في المئة اليوم، وبالولايات المتحدة قفز من 65 إلى 140 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأظهرت الأرقام الرسمية أن الوباء أجبر كثيرين على الادخار، لكن ديون الأسر ظلت أيضاً عند مستويات مرتفعة، عند 133.9 في المئة من الدخل المتاح للأسر، وهذا ليس بعيداً جداً من ذروة 155.6 في المئة قبل انهيار بنك “ليمان براذرز”.  وأوضح روبيني أن “هناك قدراً كبيراً من الدين العام والخاص في النظام لدرجة أنه إذا قمت بزيادة أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، فإنه لا يتسبب فقط في ركود، لكنه يتسبب أيضاً في انهيار مالي”.

ويرى أن أسعار الفائدة المرتفعة في المملكة المتحدة تسببت بالفعل في حدوث هزات مالية، في حين أدت القفزة المفاجئة بكلف الاقتراض التي أثارتها الميزانية المصغرة للمستشار السابق كواسي كوارتنغ إلى ركوع عديد من صناديق المعاشات التقاعدية، مما أجبر بنك إنجلترا على التدخل وشراء الديون الحكومية.

وأضاف أن هذه هي الطريقة التي تتشكل بها حلقات العذاب، في حين ستدخل البنوك المركزية دائماً لإنقاذ الموقف، “بالتالي لديك انهيار مالي سيئ يجعل الانهيار الاقتصادي أسوأ، هذه حلقة مفرغة”.

انتزاع ورقة التين 

حذر روبيني في أعقاب الميزانية المصغرة من أن المملكة المتحدة ستنتهي بالتوسل لصندوق النقد الدولي من أجل الإنقاذ، منوها بتراجع هذا التوقع، لكنه أصر على أن أفضل ما يمكن أن تأمله بريطانيا هو “نمو متوسط”، مضيفاً أن صانعي السياسة “أطلقوا النار على أنفسهم مع الخروج من الاتحاد الأوروبي”.

وقال “على البنوك المركزية أن ترمش وتقبل تضخماً أعلى”، إذا لم تكن على استعداد لزيادة الضرائب أو خفض الإنفاق، من أجل تقليل الديون والعجز، فإن الطريق الأقل مقاومة هو الدخول في نوبة تضخم غير متوقع، لأن التضخم يقلل من القيمة الحقيقية للديون ذات الفائدة الثابتة”.

وتساعد “ضريبة التضخم” هذه على تقليص كومة ديون بريطانيا بالنسبة إلى حجم الاقتصاد، لكنها تعني أيضاً ارتفاع الأسعار بشكل دائم، ويعتقد روبيني أن معدلات التضخم ستستقر عند نحو خمسة في المئة بالمستقبل المنظور، وأن “خمسة إلى ستة في المئة هو الوضع الطبيعي الجديد، إذا انتقل التضخم من اثنين إلى ستة في المئة، يجب أن تكون عوائد الذهب في الأقل ثمانية في المئة ومعدلات الرهن العقاري بين 10 و12 في المئة”.

وسيؤدي هذا، على حد قول أستاذ الاقتصاد بجامعة نيويورك، الرئيس التنفيذي لشركة “روبيني ماكرو أسوشييتس”، إلى إلحاق ضرر دائم بصدقية البنك المركزي، متسائلاً “ماذا أصبحت البنوك المركزية عندما تم انتزاع ورقة تين من استقلالها مع تزايد الديون؟”.

وأضاف روبيني أنهم “ابتعدوا عن التركيز الصارم على الصورة الكبيرة الطويلة المدى، وبدلاً من ذلك فإنهم يأخذون إشارات من السياسيين والمستثمرين ذوي النفوذ الذين يلبون كل رياح التغيير”.

وفي حين أنه لا يذهب إلى حد القول بأنهم أصبحوا سياسيين للغاية، فإن روبيني يعتقد أن البلدان مدمنة الديون الرخيصة “لأن هذا هو ما يريده الناخبون وتحتاج الأسواق ذات الرافعة المالية إلى تجنب الانهيار”.

كما يكرس روبيني الوقت للحديث عن الصين، التي يقول إنها بدأت تغلق نفسها حتى قبل الوباء، “فالأصدقاء الذين اعتاد التحدث إليهم بحرية أصبحوا الآن حذرين في شأن ما يقولونه، والمسؤولون الذين اعتادوا التحدث بالإنجليزية يتحدثون إليه الآن فقط عبر مترجم”، مضيفاً “تشعر الصين الآن بمزيد من الانغلاق، والجميع حذر”.

الصين والساحة العالمية 

وأشار روبيني إلى أنه في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الصيني إحكام قبضته على ثاني أكبر اقتصاد عالمياً، فقد أصبحت بكين أكثر رأسمالية، كما انفتحت لفترة، لكن في ظل حكم شي جينبينغ كان النموذج أكثر اعتماداً على الشركات المملوكة للدولة.

وفي رأيه أن هذا يضع الصين بوضع غير مؤات على الساحة العالمية، لكنه يتساءل إن كان قرار بكين بالابتعاد عن سياسة “صفر كورونا” الضارة سيحدث أي فرق؟ ويعتقد أن الأوان قد فات، وأن “نمو الإنتاجية أخذ بالانخفاض، لذا فإن تخفيف قيود كوفيد-19 لن يحدث فرقاً كبيراً، إنهم عالقون مع نمو يتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة”.

ويرى أستاذ جامعة نيويورك ستيرن أن هذا له آثار كبيرة ستترك الصين “عالقة في فخ الدخل المتوسط”، مضيفاً أن “مصيرها ألا تصبح الدولة ذات الدخل المرتفع التي كان يطمح إليها في السابق”.

البطالة التكنولوجية 

ومن ثم يتحول الحديث مع روبيني إلى التكنولوجيا، فهو يعتقد أن موجة جديدة من “البطالة التكنولوجية” في الطريق، وأن الوقت قد حان عندما تفضل الشركات الآلات على الناس، ورأس المال على العمالة. ويرى أن الأذكى والأفضل سيستمرون في النجاح، لكن الغالبية ستتخلف عن الركب.

وقال “اليوم، في الولايات المتحدة على سبيل المثال، هناك فئة كاملة من الناس من الفقراء والمهارة والعاطلين عن العمل واليائسين والعاجزين، إنهم يجمعون بالفعل شيكاً اجتماعياً، وماذا يفعلون؟ يلعبون ألعاب الفيديو، يعيشون في الواقع الافتراضي”.

وأضاف روبيني “مليونان منهم في الولايات المتحدة يدمنون المواد الأفيونية، ويموت خمسة في المئة منهم كل عام، ليس لديهم أصدقاء، ويعيشون على الإنترنت، ويطلق عليهم اسم إنسلز (العزوبية غير الطوعية)، لأنهم عازبون خارج إرادتهم، وهم غاضبون من النساء”.

على رغم كل الكآبة، يصف روبيني نفسه بأنه شخص “سعيد”، على رغم أنه لم يذهب إلى حد القول “إنه متفائل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى