اقتصاد دولي

زوال «صدمة الحرب» يحد من مكاسب أسعار النفط

منذ بدأت الأسواق تتحسب لعودة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) لرفع أسعار الفائدة بقدر أكبر، وكذلك تأكيد البنك المركزي الأوروبي الاستمرار في رفع أسعار الفائدة بقوة، شهدت أسعار النفط انخفاضاً مع توقع تباطؤ النمو الاقتصادي في أميركا وأوروبا.
وأنهت أسعار النفط الأسبوع يوم الجمعة الماضي على تراجع بنسبة 3.6 في المئة لـ «خام برنت» القياسي الذي أغلق تعاملات الأسبوع عند سعر 82.78 دولار للبرميل، بينما انخفض سعر الخام الأميركي الخفيف «مزيج غرب تكساس» 3.8 في المئة منهياً الأسبوع عند سعر 76.68 دولار للبرميل. ومنذ صدرت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مطلع الأسبوع حول أسعار الفائدة فقد سعر «خام برنت» ما يصل إلى ستة في المئة.
وعلى رغم ما يبدو من هشاشة في النمو الاقتصادي إلا البنوك المركزية في الاقتصادات الغربية الرئيسة عازمة على الاستمرار في سياسة التشديد النقدي ربما حتى نهاية هذا العام، وتخشى الأسواق من أن يؤدي استمرار رفع أسعار الفائدة إلى الضغط على معدلات النمو وتباطؤ النشاط الاقتصادي وربما حتى الركود، ومن شأن ذلك أن يخفض الطلب على النفط في ظل استمرار العرض عند مستوياته الحالية، ولذا يتردد المتعاملون في سوق العقود الآجلة للنفط في زيادة أسعاره خشية ألا يجدوا مشترين بتلك الأسعار بعد شهر أو شهرين، إذا أدى رفع سعر الفائدة إلى تراجع النشاط الاقتصادي.
تجاذب قوى السوق:- وفي وقت تخشى الأسواق من انخفاض الطلب على الطاقة في الاقتصادين الأميركي والأوروبي، أو على الأقل عدم زيادته نتيجة تباطؤ النمو، تحسب الأسواق من ناحية أخرى احتمال زيادة الطلب الصيني على الطاقة مع فتح الاقتصاد تماماً بعد ثلاث سنوات من الإغلاقات ضمن سياسية «صفر كوفيد» لمواجهة وباء كورونا. وقدرت الصين بالفعل نسبة نمو لاقتصادها حول خمسة في المئة، وهي نسبة وإن كانت تزيد على توقعات المؤسسات الدولية لمعدلات نمو الاقتصاد العالمي إلا أنها تقل عن نصف معدلات النمو الصيني القوي والسريع قبل أزمة وباء كورونا، وبالتالي يصعب تقدير حجم الزيادة في الطلب على النفط خلال الفترة المقبلة نتيجة عودة النشاط بقوة للاقتصاد الصيني.
ونتيجة توقع زيادة الطلب الصيني رفعت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) تقديراتها لزيادة الطلب على نفط دولها الأعضاء بمقدار 100 ألف برميل هذا العام، وبالنسبة إلى الطلب العالمي كله توقعت «أوبك» نموه بمقدار 2.3 مليون برميل هذا العام.
«السبع» تؤجل مراجعة مستوى الحد الأقصى لأسعار النفط الروسي
وهكذا تتجاذب أخطار انخفاض الطلب في أميركا وأوروبا نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي وتوقعات زيادة الطلب الصيني مع عودة النمو الاقتصادي بقوة لأسعار النفط، لكن بحسب تقديرات معظم المحللين فإن تحرك الأسعار يظل في نطاق ضيق في حدود 80 إلى 85 دولاراً للبرميل، وإن كانت بعض الشركات الكبرى تتوقع عودة الأسعار لسقف 100 دولار للبرميل وربما أكثر إذا استمر التحسن في نمو الاقتصاد الصيني وتفادت أميركا وأوروبا أخطار الركود وتباطؤ النمو بشدة.
وفي مقابلة مع تلفزيون «بلومبيرغ» هذا الأسبوع توقع الرئيس التنفيذي لشركة «فيتول غروب» راسل هاردي، وهي أكبر شركة مستقلة تتاجر في عقود النفط الآجلة، أن يكون نطاق أسعار النفط خلال النصف الثاني من العام الحالي من 90 إلى 100 دولار للبرميل. زوال صدمة الحرب:- مع بداية الحرب في أوكرانيا مطلع العام الماضي شهدت أسعار النفط ارتفاعاً مع تخوف الأسواق من نقص المعروض نتيجة الحرب والعقوبات الاقتصادية الغربية الصارمة على روسيا إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً، ومنذ الثامن من مارس (آذار) 2022 وحتى نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري فقدت أسعار النفط ما يصل إلى 40 في المئة، بحسب ما يشير كبير محللي السوق في وكالة «رويترز» جون كمب.
وعلى عكس تحرك السوق في السابق نتيجة التغيرات في انسياب إمدادات النفط، أي العوامل المؤثرة في العرض، أصبحت مخاوف الركود في الغرب وتوقعات النمو بالصين العوامل الأكثر تأثيراً في الطلب، فمع وقف دول أوروبا استيراد النفط الروسي نهاية العام الماضي زادت الهند والصين وغيرها وارداتها من النفط الروسي، وهكذا وجدت موسكو مشترين لمعظم صادراتها التي حظرتها أوروبا.
وفي المقابل زادت دول أوروبا وارداتها النفطية من الولايات المتحدة والشرق الأوسط وأفريقيا، إلا أن اتجاهات انسياب المعروض النفطي لم تؤثر كثيراً في السوق.
وخلال أسبوع الطاقة «سيرا ويك» الذي نظمته مؤسسة «ستاندرد أند بورز» في هيوستن تكساس الأسبوع الماضي، قال الأمين العام لمنظمة «أوبك» هيثم الغيص إن تغيرات اتجاهات انسياب النفط ليست مشكلة، مضيفاً «هذا أمر لا يقلقنا حقاً، وكثيراً ما شهدت السوق إعادة توجيه لانسياب واردات النفط».
وطمأن الأمين العام لـ «أوبك» المشاركين في أسبوع الطاقة من أن جانب العرض يظل جيداً، وأن إنتاج روسيا لم يتضرر كثيراً من الحظر والعقوبات.

وتابع، «يظل الإنتاج الروسي من النفط صامداً وتمكن بالفعل من إيجاد وجهات جيده له، ليس في الهند والصين وحسب بل أيضاً في تركيا وغيرها».

وأكد الغيص أهمية تحالف «أوبك+» بين دول «أوبك» والمنتجين من خارجها بقيادة روسيا في العمل على استقرار السوق، وهو ما ردده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كما نقلت عنه وكالة «تاس» الروسية.

وقال لافروف إن «الاتفاق على خفض تحالف ’أوبك+‘ الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً سيظل سارياً تماماً حتى نهاية هذا العام، وبعد ذلك سيقيم أعضاء التحالف وضع السوق ويتخذون قرارات جديدة».

وفي كلمته خلال اجتماعات «أسبوع الطاقة» في هيوستن، أعرب الأمين العام لـ «أوبك» عن تفاؤله الحذر في شأن تحسن الطلب العالمي على النفط، بخاصة مع توقعات زيادة الطلب الصيني، كما قدر الغيص أن تسهم الصين بما بين 500 و600 ألف برميل يومياً في زيادة الطلب العالمي على النفط هذا العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى