مختارات اقتصادية

لهذه الأسباب تطرد الشركات الأميركية آلاف الموظفين

أحدث طرد آلاف الموظفين من الشركات والبنوك الأميركية الكبرى صدمة في «وول ستريت» والأسواق العالمية حول سرعة التسريحات التي تجاوزت 100 ألف موظف في أقل من عام، فقد بدأت التسريحات في العام الماضي من الشركات التكنولوجية الكبرى مثل «ميتا» المالكة لـ»فيسبوك» و»أمازون» و»غوغل»، لكن سرعان ما انتشرت عدوى الطرد لشركات أخرى مثل «بوينغ» و»ديزني»، وانتقلت أخيراً إلى قطاع البنوك، حيث نفذت بنوك مثل «غولدمان ساكس» و»بنك أوف أميركا» و»كابيتال وان» عمليات طرد كبيرة.
عوامل التسريح الجماعي:- لعبت عوامل عدة في عمليات الطرد الضخمة التي تعتبر الأكبر منذ فقاعة الإنترنت قبل نحو 20 عاماً.
فالتسريحات الأكبر حدثت في قطاع التكنولوجيا الذي نما بقوة في الأعوام الـ10 الماضية، وحدثت طفرة سريعة فيه في أزمة كورونا، حيث قفز الطلب على شركات عدة، مثل منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي كـ»فيسبوك» و»إنستغرام» و»واتساب» و»يوتيوب» و»زووم» وغيرها، نتيجة توجه الناس إلى هذه الشركات للتواصل في ظل التباعد الاجتماعي، كما قفزت أعمال شركات الطلب الإلكتروني مثل «أمازون» لأسباب التباعد نفسها. ولم يكن أمام هذه الشركات خيار سوى في التوظيف السريع- والعشوائي أحياناً- لتلبية الطلب الهائل من عملائها.
انتهاء أزمة كورونا:- ومع انحسار وباء كورونا في العام الماضي، عادت الأمور إلى نصابها الطبيعي، واكتشفت هذه الشركات أنها محملة بعبء توظيفي ضخم وسط تغير الاقتصاد والطلب عليها، فكان الحل السريع أمامها هو في تسريح الموظفين لتخفيف المصاريف ورفع الإيرادات وأرباحها بالتالي، فقد شهدت معظم هذه الشركات تراجعاً قياسياً في الإيرادات في عام 2022 نتيجة انخفاض الطلب على عملياتها، بينما يتوقع أن تحقق أرباحاً أعلى في سنة 2023 بعد عمليات التسريح الكبيرة.
التغيرات الاقتصادية:- وما سرع إلى اتخاذ قرارات التسريح التغيرات في الاقتصاد الأميركي، حيث تحول الاقتصاد فجأة من النمو إلى التباطؤ مع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في رفع الفائدة اعتباراً من مارس (آذار)، حيث زادها بشكل سريع وصادم للأسواق من صفر في المئة تقريباً إلى ما يقارب خمسة في المئة في أشهر معدودة. وبسبب السياسة النقدية المتشددة، كثرت التحليلات والتوقعات من بنوك عالمية وبيوت أبحاث اقتصادية حول إمكانية دخول الاقتصاد الأميركي في ركود قد يستمر لفترة طويلة. فكانت قرارات التسريح متماشية مع التوقعات الاقتصادية، خصوصاً أن أسهم شركات التكنولوجيا هوت بنسبة وصلت إلى 60 في المئة في بعض الشركات، أي ثلثي القيمة السوقية للشركات تم محوها، فكان لزاماً على الشركات أن تخفض مصاريفها لرفع أرباحها، لتنعكس الربحية على أسهمها (كلما زادت الأرباح يصبح عائد السهم أعلى).
حان دور «غوغل»… الاستغناء عن 12 ألف موظف:- وكانت التغيرات الاقتصادية سبباً أيضاً لتحول سياسات الشركات الكبرى الأخرى نحو التسريح، مثل شركات التجزئة والخدمات والترفيه والسياحة وغيرها. فعندما يصبح نمو الاقتصاد ضعيفاً وترتفع الفوائد، يصبح الإنفاق أقل والاستهلاك أضعف، ما يضطر الشركات إلى البحث عن أسرع وسيلة لتخفيض النفقات، ولعل أسرعها تسريح الموظفين والعمال.
ويفسر ذلك لجوء الشركات العاملة في قطاعات الترفيه مثل «ديزني» في اتجاهها للتسريح. أما البنوك فلم تقم جميعها بعمليات تسريح، بل اقتصر ذلك على بعض البنوك الكبيرة التي لديها عمالة فائضة، بينما الطلب على الإقراض سيقل مع رفع الفوائد ما يجعل الزيادة في الموظفين عبئاً في المصاريف، كما تتخوف البنوك من زيادة عمليات التعثر في الدفع مع زيادة الفوائد، ما يجعلها مضطرة إلى أخذ مخصصات إضافية لتغطية فجوات القروض المتعثرة والمشطوبة.
الإحلال التكنولوجي:- وهناك عامل مهم يلعب دوراً متزايداً في عمليات التسريح، وهو الإحلال التكنولوجي، وقد لفتت شركة «فيسبوك» النظر إليه عندما عرضت استراتيجيتها الجديدة لهذه السنة. فالتطور السريع في التكنولوجيا دفع شركات تكنولوجية مثل «فيسبوك» وغيرها إلى استبدال المبرمجين وبعض الوظائف التقنية بالروبوتات، حيث تمكنت الأخيرة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي من القيام بأعمال عدة. «فيسبوك» على سبيل المثال قالت، إن بعض المبرمجين من الإدارات الوسطى يمكن استبدالهم بروبوتات الذكاء الاصطناعي. وفعلياً يستطيع تطبيق «شات جي بي تي» حالياً القيام بأعمال المبرمجين، حيث يمكنه كتابة كود كامل، وتصحيح أكواد، وبرمجة ملفات كاملة والرد على العملاء وغيرها من الوظائف التي كانت قبل عام أو عامين حكراً على فئة من المبرمجين الفائقين الذكاء.
أزمة الياقات البيضاء:- وهناك أسباب أخرى أقل تأثيراً في عمليات التسريح، وحصلت لشركات ناشئة التي اضطرت إلى تسريح موظفين لإعادة هيكلة أعمالها بشكل أكثر كفاءة مع تراجع الأداء الاقتصادي، ولكي تجذب مستثمرين نحوها لعمليات الاندماج أو الاستحواذ.
لكن من المفارقة في عمليات التسريح أنها تصيب أصحاب الياقات البيضاء، في تحول مهم في الاقتصادات المتقدمة، بينما يجد العمال من أصحاب الياقات الزرقاء فرصاً أكثر للعمل وإن كانت أكثر شقاء.
وبالمحصلة، معظم المسرحين يتجهون غالباً إلى مكتب المسرحين من العمل في وزارة العمل، حيث يمكنهم الحصول على رعاية اجتماعية وراتب شهري لمدة تصل إلى ستة أشهر إلى حين حصولهم على وظائف جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى