اقتصاد دولي

سباق عالمي على اليورانيوم يرفع أسعاره لأعلى مستوى منذ 12 عاما

ارتفعت أسعار اليورانيوم في الأسواق العالمية هذا الأسبوع إلى أعلى مستوى لها منذ 12 عاماً، مع زيادة الطلب العالمي على المعدن المشع بغرض استخدامه في توليد الطاقة الكهربائية بواسطة المحطات النووية.
تسارع التوجه العالمي نحو توليد الطاقة من محطات تعمل بمفاعلات نووية في العامين الأخيرين ضمن سياسات التحول نحو الطاقة النظيفة منعدمة الانبعاثات الكربونية لتحقيق أهداف مكافحة التغيرات المناخية، وأدى اضطراب سلاسل إمداد الطاقة التقليدية نتيجة الحرب في أوكرانيا والحظر المفروض على روسيا لتقييد صادراتها من النفط والغاز إلى سعي دول الغرب نحو مصادر جديدة للطاقة ومنها الطاقة النووية التي تعتمد على استخدام اليورانيوم كوقود نووي.
وخلال الشهر الأخير، ارتفع سعر ما تسمى «الكعكة الصفراء» (الشكل الأولي لفصل اليورانيوم بعد استخراجه من المناجم وقبل تخصيبه لاستخدامه كوقود نووي) بنسبة 12 في المئة، ووصل سعر الرطل إلى 65.5 دولار، وبحسب بيانات شركة «يو إكس سي» فإن هذا السعر تجاوز أعلى سعر مسجل لليورانيوم العام الماضي، وأصبح الأعلى منذ انهيار أسعار المعدن المشع في أعقاب كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان عام 2011.
وتشهد دول عدة خططاً لمد عمر المفاعلات النووية في محطات الطاقة لديها أطول من المعتاد، إضافة إلى خطط دول أخرى للبدء في استخدام المفاعلات النووية في محطات الطاقة منها دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما تعمل الدول الكبرى من الولايات المتحدة إلى الصين مروراً بفرنسا وكوريا الجنوبية على بناء محطات طاقة نووية جديدة.
العرض والطلب على اليورانيوم:- كل ذلك زاد الطلب على اليورانيوم، بينما لا يزيد العرض أو يتعرض لمشكلات في الإنتاج، وفي مقابلة مع صحيفة «فايننشيال تايمز» يقول المدير المالي لشركة «كاميكو»، أكبر منتج لليورانيوم في العالم، غرانت إيزاك، تعليقاً على زيادة العرض بعد سنوات من كارثة فوكوشيما، «هناك تعارض بين الطاقة والتركيز على الطاقة النظيفة… لعل أيام شراء رطل اليورانيوم مقابل 40 دولاراً قد ولت إلى الأبد – ولا حتى بسعر 50 أو 60 دولاراً، ونحن في حاجة إلى إمدادات جديدة».
بعد حادثة مفاعل فوكوشيما، توقف عديد من مشاريع مناجم اليورانيوم ما أدى إلى ارتفاع الأسعار مع عودة الطلب بقوة، كما أن الانقلاب العسكري في النيجر التي تنتج نسبة أربعة في المئة من اليورانيوم في العالم زاد من الضغط على الأسعار ارتفاعاً. وأعلنت شركة «أورانو» الحكومية الفرنسية الأسبوع الماضي أنها قررت التبكير بعمليات الصيانة لعملياتها في النيجر نتيجة تعطل الإنتاج، كما عدلت شركة «كاميكو» تقديراتها الإنتاجية الشهر الجاري بالخفض نتيجة التحديات في منجم «سيغار ليك» ومصنع «كي ليك» في كندا.
تلك المشكلات في العرض مع زيادة الطلب أدت إلى ارتفاع الأسعار، وإن كانت أسعار اليورانيوم تظل أقل من المستوى الذي وصلت إليه قبل كارثة مفاعل فوكوشيما، حين وصل سعر الرطل من «الكعكة الصفراء» إلى 73 دولاراً، لكن بعد الحادثة، زاد المعروض في السوق نتيجة انخفاض الطلب بشدة مع بدء اليابان ودول أخرى مثل ألمانيا في إخراج مفاعلاتها النووية العاملة من الخدمة. ويقدر المحللون في السوق أن يستمر الطلب على اليورانيوم في الارتفاع ما يعني زيادة الأسعار أكثر، ومن هؤلاء يقول الرئيس التنفيذي لشركة السمسرة «أوشين وول» نك لاوسون، «هناك خلل منذ فترة في معادلة العرض والطلب»، متوقعاً ارتفاع أسعار اليورانيوم إلى 200 دولار للرطل بحلول عام 2025.
التوسع في محطات الطاقة:- السبب الأكبر في زيادة الأسعار هو الطلب المتصاعد، كما يقول بير ياندر من شركة «دبليو أم سي» لتجارة السلع، وتحديداً من شركات توزيع الطاقة وليس من المستثمرين، ويضيف «ستكون السوق مضغوطة في العامين المقبلين، ولن نعود فقط لمستويات ما قبل حادثة فوكوشيما، بل سنتجاوز ذلك»، في إشارة إلى سرعة بناء محطات نووية حول العالم. في الأسبوع الماضي، عدلت الرابطة النووية العالمية تقديراتها المستقبلية بارتفاع إسهام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء عالمياً، وكذلك ارتفاع الطلب على اليورانيوم، وقدرت الرابطة أن هناك 140 محطة طاقة تعمل بالمفاعلات النووية حول العالم قد تشهد تمديد عمر مفاعلاتها، كما قدرت تشغيل محطات بالمفاعلات الصغيرة تنتج 35 غيغاواط في الساعة بحلول عام 2040.
يحتاج تلبية الطلب المتزايد لتلك المحطات، القديمة والجديدة، إلى تطوير مناجم يورانيوم جديدة ومضاعفة الإنتاج إلى نحو 130 ألف طن سنوياً، ومن أكثر البلدان التي تبني محطات طاقة نووية حالياً الصين، التي شرعت في تطوير عدد من المفاعلات لتوليد الطاقة يفوق بمرتين ونصف أي بلد آخر في العالم.
بحسب أرقام أحدث تقرير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية هناك 21 مفاعلاً نووياً قيد الإنشاء حالياً في الصين تستهدف توليد 21.61 غيغاواط في الساعة، وتأتي الهند في المرتبة الثانية من حيث التوسع في بناء المفاعلات النووية، إذ لديها ثمانية مفاعلات تحت الإنشاء تستهدف إنتاج ستة غيغاواط ساعة من الطاقة الكهربائية، وفي المرتبة الثالثة تأتي تركيا التي تبني حالياً أربعة مفاعلات نووية لإنتاج 4.5 غيغاواط ساعة، أما الولايات المتحدة فتعمل على بناء محطة واحدة، لكنها في الوقت نفسه تعمل على تطوير الجيل الجديد من المفاعلات النووية الصغيرة لتشغيل محطات توليد الطاقة.
وما زالت الولايات المتحدة في مقدمة دول العالم من حيث عدد المفاعلات النووية العاملة في محطات الطاقة حتى الآن، إذ لديها 93 مفاعلاً تنتج ما يصل إلى 95 غيغاواط في الساعة من الكهرباء، وهناك عدد معقول من تلك المفاعلات لم تصل إلى نهاية عمرها التشغيلي بعد، ويمكن أن تستمر في العمل لسنوات، فغالباً ما تكون مدة عمل المفاعلات النووية من ذلك النوع نحو 60 عاماً قبل أن تخرج من الخدمة وتفكيكها، وفي بعض الحالات يمكن أن يصل عمر التشغيل للمفاعل النووي إلى 80 عاماً، بحسب ما ذكر تقرير حول سلاسل الإمداد النووية أصدرته الرابطة النووية العالمية.
وتأتي فرنسا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في عدد المفاعلات النووية العاملة حالياً، إذ لديها 56 مفاعلاً في محطات للطاقة تنتج 61 غيغاواط في الساعة من الكهرباء، أما الصين فتأتي في المرتبة الثالثة مع وجود 55 مفاعلاً نووياً عاملاً في محطات الطاقة، وتنتج ما يصل إلى 53 غيغاواط في الساعة من الكهرباء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى