أخبار عاجلةمنوعات اقتصادية

تسعير الكربون.. حل مثالي لمكافحة تغير المناخ أم مجرد سياسة خلافية؟

على مدار العقد الماضي، اكتسبت مسألة تسعير الكربون زخما في جميع أنحاء العالم، فقد تبارى العلماء والاقتصاديون ورؤساء الشركات في الإشادة بها باعتبارها إحدى أكثر الأدوات فعالية لتخليص الاقتصادات من الكربون. لكن السعر الدقيق أو القيمة الفعلية لكل طن متري من ثاني أكسيد الكربون المكافئ تختلف بين كل دولة وأخرى، وكذلك السياسات المطبقة وأداة التسعير وبالتالي فنحن لسنا أمام أداة متفق عليها من الجميع.
يوفر تسعير الكربون حوافز للأسر والشركات لخفض استخدام الطاقة كثيفة الكربون والتحول إلى وقود أنظف بينما يساهم في حشد الإيرادات الحكومية.
تختار الدول عادة الأداة بناء على احتياجاتها، ولكن لكل أداة تسعير مزاياها. المثالان الأكثر شيوعا للتسعير المباشر للكربون هما ضرائب الكربون وأنظمة تداول الانبعاثات، واللتان تفرضان سقفا على الكمية المسموح بها من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في كل دولة وتتيح لقوى السوق تحديد السعر. في هذه الحالات، يدفع المتسبب في التلوث مقابل الانبعاثات الناتجة، وتستخدم هذه الأدوات لتحفيز خفض الانبعاثات.
الأداة الرئيسية الثالثة هي آلية «أرصدة الكربون»، والتي تصدر «أرصدة» للمشاريع المؤهلة التي تقدم تخفيضات حقيقية ودائمة في غازات الاحتباس الحراري. يمكن شراء تلك الأرصدة لعويض الانبعاثات. وبخلاف ضريبة الكربون أو أنظمة تداول الانبعاثات، تتطلب أرصدة الكربون مصدرا خارجيا للطلب لبناء القيمة. لكن أرصدة الكربون لها ميزة في الحالات التي تعرقل فيها حواجز مثل العقبات القانونية أو المقاومة السياسية فرض ضريبة الكربون أو وضع أنظمة تداول الانبعاثات موضع التنفيذ.
تعزيز للاستخدام:- وعززت البلدان من استخدامها لتسعير الكربون من خلال الضرائب أو أنظمة تداول الانبعاثات، فيما زادت التغطية عبر البلدان والقطاعات في 2021، وفقا لتقرير من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وخلص التقرير إلى أن أكثر من 40% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مغطاة بأسعار الكربون في 2021، ارتفاعا من 32% في 2018، مع ارتفاع متوسط أسعار الكربون في 47 من 71 دولة خضعت للدراسة تضاعف متوسط أسعار الكربون من ضرائب الكربون وتداول الانبعاثات بأكثر من الضعف خلال الفترة ليصل إلى 4 يورو للطن من ثاني أكسيد الكربون المكافئ.
من خلال دمج تكاليف تغير المناخ في عملية صنع القرار الاقتصادي، يمكن أن يساعد تسعير الكربون في دعم التغييرات في أنماط الإنتاج والاستهلاك والاستثمار، وفقا لما يقوله «جوزيف بريور» كبير المختصين في تغير المناخ في البنك الدولي
تعزز هذه الاستراتيجية النمو منخفض الكربون، مما يجعل التلويث أمرا مكلفا ويجعل من خفض التلوث أمرا موجبا للمكافأة، وهو أمر بالغ الأهمية لبلوغ هدف الوصول بصافي انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050 من أجل تحقيق هدف اتفاقية باريس المتمثلة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ما يقل بكثير درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة.
دفع الثمن:- حتى أكتوبر 2022، جرى تنفيذ 68 مبادرة للتسعير المباشر للكربون في 46 دولة حول العالم. تسلط بيانات البنك الدولي الضوء على الدول التي تفرض ضريبة الكربون أو التي تطبق أنظمة تداول الانبعاثات أو التي على وشك القيام بذلك ومن بين أبرز تلك الدول الأرجنتين والصين والاتحاد الأوروبي. وحاليا لا تملك الولايات المتحدة نظاما لفرض ضريبة على الكربون على المستوى الوطني على الرغم من كونها من بين أكبر الدول المسببة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، لكن عدة ولايات مثل كاليفورنيا وأوريغون وماساتشوستس أطلقت خططا خاصة بها لتسعير الكربون في العقد الماضي. هناك أيضا تسعير غير مباشر للكربون مما يعني أن التغييرات في سعره تأتي من مصادر لا تتناسب بشكل مباشر مع الانبعاثات. والمثالان الأكثر شيوعا هنا هما ضرائب الوقود وإلغاء دعم الوقود الأحفوري، مما يقلل تكلفة إنتاج النفط والفحم والغاز، أو يخفض أسعار الوقود للمستخدم النهائي. سيؤدي إلغاء دعم الوقود التقليدي إلى تقليل انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية بين 6.4% و8.2% بحلول عام 2050 وفقا للمعهد الدولي للتنمية المستدامة. لا يكفي ذلك في حد ذاته لتحقيق أهداف اتفاقية باريس لكن إصلاح دعم الوقود أداة متاحة في ترسانة العمل المناخي. على الرغم من كل هذا فإن تسعير الكربون أمر معقد، بل وله منتقدوه أيضا ومن بين الحجج المقدمة ضده هو التأثير السلبي المحتمل للعملية على الصناعات كثيفة الكربون وكيف أنها تشكل تغير المناخ باعتباره فشلا في إدارة السوق بدلا من كونه مشكلة أساسية في النظام. ويصف منتقدون آخرون ضريبة الكربون بأنها ذات أثر انحساري، لأن ارتفاع الأسعار في البلدان مرتفعة الدخل يضر بالأشخاص الأفقر في تلك الدول بطريقة أكبر نسبيا من الأغنياء.
على عكس ضريبة الكربون أو أنظمة تداول الانبعاثات، لا تتبنى آليات أرصدة الكربون مبدأ أن الجهة الملوثة هي التي تسدد التكاليف. فأرصدة الكربون هي وحدة قابلة للتداول وعادة ما تمثل طنا متريا من ثاني أكسيد الكربون المكافئ بدلا من فرض تكلفة على الانبعاثات. فبدلا من وضع تكلفة على الانبعاثات، تكافئ أرصدة الكربون خفض الانبعاثات أو التخلص منها. ويختلف سعر الرصيد بناء على خصائص المشروع ومن أين يأتي الرصيد. وكذلك نوع المشروع وهل يعتمد على الطاقة المتجددة أم لا، وعوامل أخرى.
وفقا لما يقوله «مارك كارني» المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بالعمل المناخي والتمويل فإن أرصدة الكربون تلعب دورا تكميليا لتسعير الكربون المباشر وغير المباشر في الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية. يمكن أن تحقق التعويضات ما يصل إلى 100 مليار دولار سنويا بحسب «كارني» الذي يقول إن هذه المبالغ تتدفق إلى الدول النامية لإعادة التشجير والطاقة المتجددة وغيرها من المشاريع منخفضة الكربون. يتم تداول أرصدة الكربون الناتجة بهذه الطريقة في أسواق الكربون الطوعية وهي على عكس أسواق الامتثال الإلزامية، حيث يكون للحكومة المزيد من المداخيل عبر ضريبة الكربون وأنظمة تداول الانبعاثات. المصدر: أرقام- تايم- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- بلومبرج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى