اقتصاد دولي

هل عصفت أزمة المواد الأساسية برئيسة حكومة تونس؟

تواجه تونس منذ أشهر أزمة حادة نتيجة نقص في التزويد بالمواد الأساسية، ويعيش التونسيون على نسق فقدان عدد من المواد الغذائية، التي شهد التزود بها اضطراباً حتى في حال توفرها وهي تتمثل في السكر والزيت النباتي والدقيق والرز والقهوة والخبز.

ورافق الشح في التموين ارتفاع في الأسعار مدفوعاً بمستويات التضخم العالية التي تعانيها البلاد في السنوات الأخيرة والتي بلغت في يونيو (حزيران) الماضي 9.3 في المئة، مما ينذر باضطرابات اجتماعية يذكيها النقص الفادح في كميات الخبز.

وفسر خبراء إقالة الرئيس قيس سعيد لنجلاء بودن وتعيين أحمد الحشاني رئيساً للحكومة خلفاً لها برد فعل تجاه الاحتقان المهدد، ودعا الرئيس في اجتماعه بوزير الداخلية ووزيرة التجارة منذ يومين إلى تكثيف عمليات المراقبة لمكافحة الاحتكار والمضاربة، ومحاسبة من يعملون على تأجيج الأوضاع الاجتماعية، مشيراً إلى “المضاربين الذين نكلوا بالتونسيين في قوتهم وفي معاشهم” وفق تعبيره، كما اتهم أطرافاً بخدمة “اللوبيات”.

ولم يختلف خطاب وزيرة التجارة كلثوم بن رجب عما ذهب إليه الرئيس وعبرت عن استغرابها من تواصل الشح في عدد من المواد الأساسية رغم ضخ كميات إضافية منها في السوق. وأشارت إلى مواجهة السلطات لـ”لوبيات” متحكمة في مسالك التوزيع قائلة “إننا نواجه مقاومة شرسة من مسالك التوزيع”.

أزمة مفتعلة

وذكرت أن الوزارة رفعت كميات السكر إلى 1400 طن بينما لا تتجاوز الاستهلاك اليومي ألف طن و”مع ذلك لم نرصد تحسناً في الوفرة”، وفق تعبيرها، ووصفت ذلك بـ”المفارقة”، مشيرة إلى توسع الأزمة لتلحق الخبز، بعدما تفاقمت الطوابير أمام المخابز التي رافقها شراء الخبز بكميات كبيرة موضحة أن الوضع لا يتطابق إطلاقاً مع كميات الدقيق التي يتم ضخها يومياً.

وكانت وزارة التجارة عمدت إلى تطبيق سياسة زيادة الحصص الشهرية للمخابز في حال تفوق الطلب على العرض، علاوة على القرارات الاستثنائية بتزويد المخابز بكميات إضافية من الدقيق المدعم تساوي 13 ألف قنطار (300 كيلوغرام) منذ الشهر المنقضي.

ورفضت الوزيرة وصف الأوضاع بـ”الأزمة” وقالت إنها “مفتعلة” بحكم تواصل اشتغال المخابز بوتيرتها العادية.

وكانت أزمة الخبز قد اتخذت منحىً تصعيدياً بعد تدخل الرئيس سعيد الذي دعا إلى التخلي عن صنع الخبز الرفيع غير المدعم والاكتفاء بتوفير الخبز المدعم بسبب التجاوزات التي سجلت عند عملية توزيع الدقيق المدعم.

وانجر عن قرار الرئيس احتقان في صفوف المخابز غير المصنفة، واحتج أصحابها ونفذ عدد منهم وقفة احتجاجية بقفصة (الجنوب الغربي)، في حين قرر المجمع المهني للمخابز العصرية التابع لكونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (هيئة نقابية مستقلة) إيقاف نشاط صناعة الخبز بجميع أنواعه بالمخابز ابتداء من الأول من أغسطس (آب) الجاري، الأمر الذي واجهته وزيرة التجارة بالدعوة إلى ضرورة توفير الخبز المدعم واتخاذ التدابير اللازمة لتفادي النقص مع تشديد المراقبة على المخالفين، في حين تعهدت الغرفة النقابية الوطنية لأصحاب المخابز (نقابة منضوية تحت الاتحاد التونسي للتجارة والصناعة) بالالتزام بتوفير مادة الخبز المدعم.

مخالفات غير قانونية

بالتوازي مع ذلك، أعلنت وزارة التجارة عن قيامها بحملات مراقبة متصلة لمراقبة المخابز والتزويد بالمواد الأساسية المدعمة، وكشفت عن أنها حجزت 105 أطنان من الدقيق المدعم و1.58 طن من الدقيق الرفيع، ورفع 249 مخالفة يومي 30 و31 يوليو (تموز) الماضي، إذ تمت مراقبة 1153 مخبزاً مصنفاً موزعاً على 166 منطقة، كما ذكرت الوزارة أنها رصدت تجاوزات تعلقت باستعمال المواد المدعمة والاتجار فيها بطريقة غير قانونية، إضافة إلى الزيادة غير القانونية في الأسعار وإخلالات مختلفة بالمعاملات التجارية.

في المقابل اختلف خبراء تحدثوا إلى “اندبندنت عربية” حول ربط تراجع الأغذية المعروضة في السوق بمسار رفع الدعم الذي تسير فيه الحكومة، في إطار تنفيذها لإصلاحات اقتصادية هيكلية، إذ ذكر المتخصص في الشأن الاقتصادي أنيس وهابي، أن نقص السلع بأنواعها يعود بالأساس إلى شح الموارد المالية، إذ تشكو المالية العمومية من مصاعب متنوعة أهمها عجز الموازنة الذي لم يتم سده، كما لا يفسر تراجع توريد المواد الأولية بسياسة تقشف، بل هو يعود بالأساس إلى أزمة سيولة حادة، وهي نتيجة حتمية لقلة الموارد من العملات الراجعة إلى الركود الاقتصادي وتعثر نمو الناتج الإجمالي وندرة العملات، كما يقول.

من جانبه، فسر منير حسين عضو الهيئة المديرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة)، اضطراب التزويد، بالوضعية المالية للبلاد. ورأى أن الأوضاع تعكس خيارات الحكومة الواضحة وهي التي أعطت الاستحقاقات العاجلة الأولوية القصوى، وتتمثل في سداد الديون بهدف تفادي تدن إضافي للتصنيف الائتماني لتونس، علاوة على المضي قدماً في رفع الدعم.

أضاف “في هذا الإطار جرى تخفيض الاعتمادات الموجهة لدعم المواد الأساسية”.

وكانت الحكومة أعلنت عن حرصها على الحد من تفاقم مستوى عجز الموازنة وتحقيق استدامة الدين العمومي، وقد رصدت اعتمادات في حدود 2.523 مليار دينار (819 مليون دولار) لدعم المواد الأساسية وفق ما كشفت عنه بموازنة العام الحالي مقابل 3.771 مليار دينار (1.224 مليار دولار) عام 2022.

وخصصت 1.736 مليار دينار (563 مليون دولار) لدعم الحبوب و400 مليون دينار (129.8 مليون دولار) لدعم الزيت النباتي و232 مليون دينار (75.32 مليون دولار) للحليب و110 ملايين دينار (35.7 مليون دولار) لدعم المعجنات الغذائية و10 ملايين دينار (3.2 مليون دولار) للسكر و35 مليون دينار (11.36 مليون دولار) للورق المدرسي، كما فاقمت الوضعية المالية التي تمر بها المؤسسات المكلفة توريد المواد الأساسية المدعمة الأزمة، وهي الديوان التونسي للتجارة وديوان الحبوب الحكوميين المكلفين توريد وتوزيع المواد الأساسية والحبوب.

ويناهز حجم ديون ديوان الحبوب خمسة مليارات دينار (1.62 مليار دولار) ويشكو الديوان التونسي للتجارة من خسائر مقدرة بـ400 مليون دينار (129.8 مليون دولار).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى