مختارات اقتصادية

إيلون ماسك الملياردير الذي ملأ الدنيا وشغل الناس .. ما قصته؟

لا يمر يوم تقريبا بدون أخبار عن الملياردير الأمريكي إيلون ماسك أو إحدى شركاته أو تصريحاته المثيرة للجدل، والتي كان أحدثها إعلان شركة “نيورالينك” التابعة له حصولها على موافقة “إدارة الغذاء والدواء” الأمريكية على إجراء أول تجربة إكلينيكية لزرع شريحة إلكترونية في أدمغة البشر في علامة فارقة في تاريخ الشركة الناشئة.

 

ومنذ ظهوره على ساحة وادي السيليكون قبل أكثر من عقدين، أبقى رائد الأعمال الكبير البالغ من العمر 51 عاما الجمهور العام مفتونا بقراراته الفريدة، فمن ماسك؟ وما قصته؟

 

“ماسك” هو رجل أعمال وملياردير أمريكي شارك في تأسيس شركات رائدة بينها “باي بال” و”تسلا” و”سبيس إكس”. على مر السنين ثارت مقارنات بين “ماسك” وكل من “ستيف جوبز” و”هنري فورد” وحتى “بيل جيتس” وبات مصدر إلهام ونموذجا أساسيا للعديد من قادة ورواد الأعمال حول العالم.

 

النشأة

 

 

ولد ماسك في جنوب إفريقيا في الثامن والعشرين من يونيو 1971 وهو الأكبر بين ثلاثة أشقاء لأم تعمل أخصائية تغذية وعارضة أزياء وأب مهندس.

 

في مقابلة مع “رولينج ستون” يقول ماسك إنه عندما كان طفلا لم يكن يرى والديه كثيرا وأمضى معظم وقته في القراءة.

 

وقال “لم يكن لدي مربية.. كان لدينا مديرة منزل كانت موجودة للتأكد من أنني لن أكسر شيئا. الكتب هي التي تولت تنشئتي ثم والداي”.

 

وصف “ماسك” طفولته بأنها صعبة حيث تأثر خلالها بطلاق والديه والتنمر عليه في المدرسة وصعوبة التعرف على الإشارات الاجتماعية بسبب معاناته من متلازمة أسبرجر التي يعاني المصابون بها صعوبات في التفاعل الاجتماعي مع الآخرين.

 

ومن سن صغير، كان “ماسك” معجبا بكتب المؤلف الأمريكي من أصل روسي “إسحق أسيموف” ما جعله تدريجيا مهتما بعلوم المستقبل بينما تسبب مسار والده المهني في تنمية اهتمامه بعلوم التصميم.

 

وظهرت موهبته في مجال ريادة الأعمال في وقت مبكر حيث كان يتنقل مع شقيقه من منزل إلى منزل لبيع شوكولاتة منزلية الصنع، وقام بتطوير أول لعبة إلكترونية في سن الثانية عشرة وباعها مقابل 500 دولار.

 

غادر “ماسك” منزل أسرته للالتحاق بالجامعة وانتقل إلى كندا ثم الولايات المتحدة. في عام 1997 تخرج من جامعة بنسلفانيا بدرجتين في الاقتصاد والفيزياء.

 

قام ماسك بتمويل تعليمه الجامعي من خلال مجموعة من المنح الدراسية والقروض وعمل في وظيفتين إلى جانب دراسته.

 

وفي مقال كتبته عام 2010 لمجلة ماري كلير، قالت زوجته الأولى “جوستين ماسك” وهي كاتبة التقت به في الكلية وتزوجته عام 2000 إنه حتى قبل أن يكون من أصحاب الملايين فإن ماسك لم يكن يقبل “لا” كإجابة.

 

وتتذكر أن “الرغبة في المنافسة والهيمنة، واللتين جعلتاه ناجحا للغاية في مجال الأعمال، لم تكونا تتوقفان حتى عند عودته إلى المنزل”.

 

وماسك أب لتسعة أبناء أطلق على أحدهم اسما غير اعتيادي هو “X Æ A-12”.

 

السياسة والتبرعات

 

 

أقحم “ماسك” نفسه في بعض أكثر المعارك السياسية سخونة في العالم. إذ اقترح أن الصين يجب أن تنشئ “منطقة إدارية خاصة” في تايوان واقترح شروطا لإنهاء الحرب في أوكرانيا رفضها بشدة العديد من كبار قادة البلاد.

 

وفي الولايات المتحدة، انتقل إلى ولاية تكساس بعد أن شكا من ارتفاع الضرائب والقواعد التنظيمية في كاليفورنيا، كما اصطدم مع المسؤولين عن النقابات. وفي ربيع 2020، وصف عمليات الإغلاق لمكافحة فيروس كورونا بأنها “فاشية”.

 

كان من أوائل رجال الأعمال الذين نأوا بأنفسهم عن الرئيس السابق “دونالد ترامب” واستقال من مجلس الأعمال التابع للبيت الأبيض بعد أن انسحب ترامب من اتفاقية المناخ العالمية.

 

لكنه أوضح أنه ليس من مؤيدي الرئيس الحالي “جو بايدن” الذي اتهمه بتجاهل “تسلا” عند ترويجه للسيارات الكهربائية.

 

يقول مراقبون إن التبرعات السياسية المباشرة التي يقدمها “ماسك” قليلة نسبيا قياسا إلى ثروته إذ تبرع فقط بمبلغ قدره 100 ألف دولار منذ عام 2004 وفقا لما أورده موقع “بولوتيكو” وقد انقسمت تلك التبرعات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الأقل في سنواته الأولى.

 

وفي 2011 و2015 على الترتيب، قدم “ماسك” الدعم للرئيس السابق “باراك أوباما” والمرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” لكنه في الآونة الأخيرة ركز على دعم الجمهوريين.

 

من جانبه قال الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية إن “ماسك” من كبار مؤيديه. والمركز مؤسسة غير ربحية معروفة بمساندتها لقيم مثل حرية التعبير. وتشير تقارير إلى أن معظم التبرعات الخاصة بـ”ماسك” ذهبت إلى مؤسسات خيرية تابعة له.

 

مدمن عمل

 

يقول من يعرف ماسك إنه مدمن على العمل وإنه يستثمر فقط في الأشياء التي يعتقد أنها يمكن أن تساعد الجنس البشري، فقد وصف موقع “تويتر” مثلا بأنه مكان مهم لمشاركة الأفكار. وقال للموظفين إن عليهم أن يتوقعوا العمل بشكل جاد للغاية لتحقيق “العظمة”. على الرغم من ذلك تم فصل الآلاف من الشركة أو استقالوا منذ توليه رئاستها.

 

وقال “ماسك” مؤخرا إنه يرى أن أعماله تمثل شكلا من أشكال العمل الخيري لأنها تركز على حل القضايا الإنسانية الرئيسية مثل تغير المناخ لدى تسلا.

 

كيف كسب ماسك المال؟

 

بعد قبوله في برنامج للدراسات العليا في الفيزياء في جامعة ستانفورد، انسحب ماسك سريعا من البرنامج وأسس شركتين ناشئتين في مجال التكنولوجيا خلال الفترة التي عرفت باسم “فقاعة الدوت كوم” في التسعينيات.

 

خلال عام 1995، أسس “ماسك” بالاشتراك مع شقيقه الأصغر “كيمبال ماسك” وصديق لهما شركة “Zip2” والتي عملت على تزويد الصحف ببرنامج يوفر دليلا مرخصا للمدن. وعلى الرغم من نجاحها في نهاية المطاف فإن ذلك استغرق سنوات. في غضون ذلك كافح “ماسك” ماليا حيث لم يكن لديه مكان للإقامة وكان كثيرا ما يكتفي بالنوم على أريكة في مكتب الشركة وحتى الاستحمام واستخدام دورات مياه في جمعيات خيرية.

 

على الرغم من ذلك سرعان ما عثرت الشركة على مستثمرين لدعمها وعملاء في المدينة. ورأت شركات كبيرة في مجال نشر الأخبار مثل “نيويورك تايمز” و”شيكاغو تريبيون” أنها واعدة في مجالها الناشئ وأن برمجياتها في رسم دليل خرائط للمدن أمر مفيد.

 

جرى بيع الشركة مقابل 307 ملايين دولار في 1999 وربح ماسك 22 مليون دولار فقط مقابل حصته البالغة 7% من الشركة عندما كان يبلغ من العمر 27 عاما.

 

شركة “إكس دوت كوم”

 

بعد نجاح “Zip2″، واصل “ماسك” استثمار الجزء الأكبر من أرباحه في مشروعه التالي وهي شركة الخدمات المالية “إكس دوت كوم” التي أسسها بالاشتراك مع “هاريس فريكر” و”إد هو” و”كريستوفر باين” في 1999.

 

كانت الشركة واحدة من أوائل الشركات التي تقدم خدمات مصرفية عبر الإنترنت وتؤمن ودائعها لدى المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع. وبحلول عام 2000، اندمجت مع شركة “كونفيسيتي” وهي شركة برمجيات مقرها وادي السيليكون. غيرت الشركة وقتها اسمها إلى “باي بال” وجرى بيعها إلى “إي باي” في 2002 مقابل 1.5 مليار دولار.

 

تسلا وسبيس إكس

 

 

كان المشروع الأول لماسك بعد ذلك هو شركة “تسلا موتورز” للسيارات الكهربائية والطاقة النظيفة والتي أسسها ماسك في يوليو 2003 مع “مارتن إيبرهارد” و”مارك تاربينينج” في 2004. استثمر ماسك فيها 6.5 مليون دولار ليصبح أكبر مساهم ورئيس مجلس إدارتها حتى أصبح الرئيس التنفيذي لها في 2008. وفي العام التالي بدأت الشركة في إنتاج أول طراز من سياراتها “رودستر”.

 

وكان ثاني أكبر مشروع لماسك في 2002 هو شركة الفضاء “سبيس إكس” التي أسسها بدعم من مهندس الصواريخ “توم مولر” والتي قال إنها تهدف لتقديم بديل أقل من حيث التكلفة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا.

 

يعود الفضل إلى الشركتين في تحويل القطاعين رأسا على عقب على الرغم من أنهما قاربتا أحيانا الانهيار المالي.

 

بحلول 2005، كان لدى “سبيس إكس” 250 موظفا أجرى ماسك مقابلة شخصية مع كل منهم قبل تعيينه.

 

وعلى الرغم من سلسلة من حالات الفشل في إطلاق الصواريخ بين عامي 2005 و2009 إلا أنه في عام 2010 أصبحت “سبيس إكس” أول شركة تجارية ترسل مركبة فضائية إلى مدار الأرض.

 

وفي سبتمبر 2021، أكملت “سبيس إكس” بنجاح أول إطلاق لطاقم خاص في مدار الأرض. وفي الوقت نفسه أصبح طراز “تسلا 3” أول طراز لسيارة كهربائية تبيع مليون مركبة على مستوى العالم وتجاوزت أرباح الشركة الفصلية مليار دولار لأول مرة.

 

تبلغ قيمة “سبيس إكس” حاليا 127 مليار دولار لتتضاعف قيمتها عدة مرات في ثلاث سنوات فحسب.

 

ثروة

 

احتل “ماسك” لفترة طويلة الصدارة بين قائمة أغنياء العالم حتى ديسمبر 2022 حينما حل محله الملياردير الفرنسي برنارد آرنو الرئيس التنفيذي لمجموعة السلع الفاخرة “إل.في.إم.إتش” مالكة العلامات التجارية “لوي فيتون” و”كريستيان ديور”.

 

لكن ثروة ماسك لم تتأثر كثيرا إذ تبلغ حاليا 193 مليار دولار تقريبا وفقا لمجلة “فوربس” وتعتمد بشكل كبير على قيمة أسهمه في تسلا التي يملك فيها حصة 13%. وارتفعت أسهم الشركة بقوة في عام 2020 مع زيادة إنتاج الشركة وبدء تحقيق أرباح منتظمة لكنها انخفضت أواخر العام الماضي ليتراجع ترتيب ماسك فيما واصلت التراجع أكثر من النصف هذا العام حيث ألقى البعض باللوم على انشغال ماسك بالاستحواذ على تويتر.

 

تويتر

 

 

كان استحواذ ماسك على تويتر بقيمة 44 مليار دولار في أبريل 2022 من أكثر الصفقات التي أثارت الاهتمام في وول ستريت.

 

انضم ماسك إلى إدارة تويتر في مارس 2022 لكنه اختلف كثيرا مع كبار مديريها التنفيذيين لذلك قرر شراء الشركة بأكملها. كان الأمر فوضويا بكل ما تعنيه الكلمة من معان، رفضت “تويتر” عرضه، ثم قبلته، ثم حاول “ماسك” الانسحاب.

 

في نهاية المطاف تمت تسوية الصفقة قبل أيام قليلة من معركة قضائية كبيرة حيث أجرى “ماسك” بعض التعديلات المثيرة للجدل.

 

قال “ماسك” إنه اشترى تويتر لحماية حرية التعبير وسرعان ما أعاد لبعض المستخدمين المحظورين مثل الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” حساباتهم. يتقاضى “تويتر” أيضا رسوما مقابل علامة التوثيق الزرقاء على حسابات الأسماء الكبيرة. لكن بعض الناس يعتقدون أن هذا يسهل الأمر على الحسابات المزيفة التي يمكنها فقط دفع مقابل التوثيق حاليا.

 

لدى “ماسك” أكثر من 119 مليون متابع على تويتر. في الواقع فإنه وافق سابقا على سداد 20 مليون دولار كغرامات على تغريدات كتبها حول “تدبير تمويل” لشراء أسهم تسلا ما تسبب في ارتفاع السهم لكن هذا لم يحدث ما أثار غضب الجهات التنظيمية الأمريكية. وكان جزء من التسوية التي توصل إليها ماسك مع الجهات التنظيمية هو وضع قيود بشأن ما يمكن أن يغرد به بشأن تسلا.

 

وجهات نظر فريدة

 

يطلق “ماسك” بين الحين والآخر تصريحات مثيرة للجدل ولها وجهات نظر في العديد من القضايا الحيوية. فمثلا يرى أن الانهيار السكاني أكثر خطورة من الاحتباس الحراري.

 

وماسك مؤيد كبير للعملات الرقمية وله مساهمات في عدد من الشركات الأخرى الصغيرة مثل شركة “بورينج” لتصنيع الأنفاق و”نيورالينك”.

 

يقول ماسك عن نفسه إنه لا يعمل لكسب المال فقط وكرر ذلك كثيرا عند استحواذه على تويتر.

 

ويقول “روس جيربر” صديق ماسك والمستثمر في “تسلا” إن “ماسك يتدخل في أشياء يشعر أنها مهمة للغاية لسبب ما.. لصالح المجتمع أو الإنسانية”.

 

ويقول مراقبون إنه على الرغم من ثروته الهائلة وشهرته العالمية، إلا أن “ماسك” ما زال يركز بشدة مثلا على رؤيته لشركة “سبيس إكس” في أنها تهدف لإقامة وجود بشري دائم على المريخ في ظل ابتكار صواريخ فضاء تنقل الناس من وإلى الكوكب الأحمر. ويقول ماسك إنه يسعى لبناء مدينة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة على سطح المريخ بحلول عام 2050.

 

أما بالنسبة لـ”تسلا” فيستهدف إنتاج 20 مليون سيارة بحلول 2030 ويأمل في التوسع بالهند التي قد تمثل 10% من الطلب على تسلا في غضون السنوات العشر القادمة.

 

المصادر: أرقام- فوربس- بي.بي.سي- مجلة “سي.إي.أو توداي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى